قال الشيخ صالح عباس، وكيل الأزهر، إن الأزهر يعتز بثقة الدول الأفريقية في قدرة مصر على قيادة دفة العمل الأفريقي المشترك، كما يقدر الأزهر جهود القيادة السياسية المصرية الرامية للنهوض بالقارة الأفريقية، التي تتجلى في أبهى صورها خلال رئاسة الاتحاد الأفريقي.
وأضاف في كلمته خلال مؤتمر «دور مؤسسات التعليم العالى فى تعزيز استراتيجية التعليم العالي بالقارة الأفريقية»، نيابة عن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أنَّه تلقى بمزيد من الأمل والتفاؤل في مستقبل مشرق، دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي للتصديق على اتفاقية التجارة الحرة القارية، ورؤيته الحكيمة التي طرحها خلال رئاسته القمة الأفريقية الاستثنائية بالنيجر؛ ليتحقق هذا الحلم الذى يُمَّثل علامة فارقة في مسيرة التكامل الاقتصادي، بما يُرسخ دعائم الوحدة القارية، ويُحقق التنمية الشاملة.
وأعرب عباس عن شكره لرئيس الجمهورية؛ على رعايته الكريمة للمؤتمر الدولي لقادة التعليم العالي بالقارة الأفريقية، الذي تنظمه جامعة الأزهر بالتعاون مع اتحاد الجامعات الأفريقية، وقال: نتطلع أن يُؤسس بأطروحات المسئولين والخبراء لمرحلة جديدة تشهد انطلاقة قوية للتعاون البنَّاء بين مؤسسات التعليم العالي بالقارة الحبيبة، مشيرًا إلى أن شبخ الأزهر يرعى ويدعم المؤتمر ويتمنى له التوفيق في وضع رؤية مستقبلية تسهم في نهضة مؤسسات التعليم في قارتنا الأفريقية.
وأكّد وكيل الأزهر أن القارة الأفريقية، تمتلك كنوزًا طبيعية وثروات بشرية تؤهلها لصدارة العالم، وأنَّه لا مناص أولاً من ترسيخ فريضة التعارف بين الشعوب الأفريقية، وإرساء دعائم الأخوة الإنسانية، وركائز الوحدة القارية بين الأشقاء الأفارقة، وإقرار التسوية السياسية لأى نزاعات أو أزمات، وإحلال الحوار بديلاً عن أي صراعات، وتنسيق الجهود المشتركة للمواجهة الشاملة للإرهاب والتصدي الحاسم لمموليه وداعميه.
وشدد على ضرورة تعزيز علاقات التعاون بين الدول الأفريقية بشتى مداراتها، وفى أسمى صورها، والارتقاء بها إلى آفاق أرحب تؤسس لشراكات استراتيجية، تُسهم في تحقيق التكامل الأفريقي، الذى هو السبيل الأوحد لتجاوز التحديات الجسيمة، والانطلاق نحو «أفريقيا ٢٠٦٣»، وقد تجَّسدت هذه المنطلقات السامية، وتلك الرؤية الواضحة فيما طرحته مصر، وشرعت في تنفيذه منذ توليها رئاسة الاتحاد الأفريقي من استراتيجية قارية للتنمية المستدامة؛ انطلاقًا من الوعى الكامل بأن الأمن والاستقرار هما الركيزة الأساسية لأى جهود تنموية.
وقال الشيخ عباس إن الأزهر جامعًا وجامعة يؤدى دورًا متعاظمًا في إرساء شرعية الاختلاف، وقبول الآخر، وثقافة الحوار، وقيم السلام، والتسامح، والتعايش، والاندماج الإيجابي، والتصدي لسرطان الإرهاب الخبيث، وفيروس التطرف اللعين، وآفة العنف المقيتة، وإنقاذ البشرية من ويلات التكفير.. ليس بأفريقيا فحسب بل في العالم أجمع.
وصَّرح بأنه مع تولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي قرر شيخ الأزهر تشكيل لجنة للشئون الأفريقية لا سيما أن هناك طلابًا من ٤٦ دولة أفريقية يتوافدون للدراسة بالمعاهد والكليات الأزهرية؛ وذلك لوضع البرامج الداعمة لأشقائنا، وقد وافق على مضاعفة المنح الدراسية المقررة لأبناء أفريقيا، لتصبح ١٦٠٠ منحة، إضافة إلى التوسع في قوافل السلام لنشر ثقافة التعايش والتسامح بدلًا من الكراهية والعنف، وتدريب الأئمة الأفارقة على آليات مواجهة الأفكار المتطرفة والتعامل مع القضايا المستحدثة، وإنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية.
وأضاف أن جهود الأزهر التعليمية في أفريقيا لا تقتصر على استقبال الطلاب الوافدين للدراسة بالقاهرة فحسب، بل حرص الأزهر على المبادرة والذهاب بمنهجه وعلمائه إلى قلب أفريقيا، وذلك من خلال 16 معهدًا أزهريًا في عدة دول أفريقية، ويعمل الأزهر من خلال هذه المعاهد على تحسين الأوضاع التعليمية في هذه الدول الشقيقة، ونشر المنهج الأزهري الوسطي، وكذلك انتشار 537 مبعوثًا أزهريا في مختلف دول القارة السمراء، لنشر تعاليم الإسلامية الصحيحة.
اقرأ أيضًا.. خطوة بخطوة.. كيف تتقدمين للعمل كواعظة بالأوقاف؟
وعبر عن أهمية البحث الواقعي لأزماتنا، والسعي الجاد نحو حلها، بمراعاة فقه الأولويات؛ "إعلاءً لمبدأ «الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية» فنحن أدرى بما يُواجهنا من تحديات، والأقدر على تجاوزها، ولا أرى طوقًا للنجاة بمنأى عن البحث العلمي؛ فما أحوجنا الآن إلى بناء شراكة حقيقية بين مؤسسات التعليم العالي في أفريقيا تنطلق من تيسير تبادل الخبرات الأكاديمية والرسائل العلمية والدراسات والأبحاث التخصصية والمجتمعية عبر التوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة".
ودعا صالح اتحاد الجامعات الأفريقية إلى المبادرة بإطلاق بنك للمعرفة على شبكة الإنترنت، يُتيح للباحثين الاستفادة من هذا الإنتاج الفكري الثري، ويُوفر للحكومات ولصنَّاع القرار، فرصة تبنى سياسات عملية، تُلبى طموحات الشعوب الأفريقية، وتضمن لهم العيش الكريم، والسعي الجاد نحو التوسع في إتاحة فرص ميسرة للتعليم العالي المتطور بمختلف البلدان الشقيقة بمراعاة شواغل الشعوب واحتياجاتها.
وأكّد الشيخ عباس أهمية مواكبة أحدث المعايير الدولية، من خلال الارتباط العلمي الوثيق مع كبرى الجامعات العالمية عبر اتفاقيات الشراكة العلمية التي تضمن الجودة الشاملة، إضافة إلى تشجيع ثقافة البحث العلمي والإبداع والابتكار خاصة في المجالات التنموية؛ لمواجهة التحديات القارية، وتعزيز التنافسية العالمية، وزيادة فرص التدريب التقني والمهني بما يُلبى احتياجات سوق العمل.
وفي ختام كلمة وجه وكيل الأزهر رسالة لشباب الجامعات الأفريقية، قائلاً: «أفريقيا تُناديكم، وتتطلع إلى سواعدكم الفتية في البناء والتعمير، فلَّبوا النداء، واقهروا الصعاب بالعلم النافع والعمل الجاد.. وطِّنوا أنفسكم على الأخوة الإنسانية والوحدة القارية.. كونوا دعاة خير وسلام، وبُناة حضارة»، داعيًا إلى ترسيخ المنظومة القيمية والأخلاقية في المناهج الدراسية بالجامعات؛ بما يُسهم في بناء الإنسان على النحو الذى يؤهل الخريجين لإثراء الحضارة الإنسانية.