تراجعت أسطورة إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والتي تراعي حقوق الإنسان، ولا تميز بين مواطنيها، بعد أن تبين للعالم أجمع مدى عنصرية هذا الكيان، عقب الاحتجاجات الأخيرة في الأسبوع الماضي ليهود الفلاشا، وهم اليهود المهاجرون من إثيوبيا إلى إسرائيل، على خلفية مقتل شاب من أصول إثيوبية برصاص ضابط في الشرطة الإسرائيلية.
قبل عام أقرت إسرائيل "قانون القومية"، الذي يحصر الدولة في "الشعب اليهودي"، وواقع الحال يعجُّ بمظاهر التمييز ضد الفلسطينيين والعرب داخل إسرائيل منذ 70 عامًا.
ويرى مراقبون في إقرار الكنيست للقانون بالقراءة الثالثة والأخيرة بأغلبية 62 نائبًا مقابل معارضة 55 وامتناع اثنين، الخميس الماضي، تكريسًا للعنصرية في زمن باتت فيه جزءًا من الماضي.
وينص القانون على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأن حق تقرير المصير فيها "يخص الشعب اليهودي فقط"، الأمر الذي يستثني فلسطينيي 48، ويهمش دوريهم السياسي والاجتماعي في البلاد.
واعتبر مراقبون أن هذا القانون يعتبر العرب من مواطني إسرائيل مواطنين درجة ثانية؛ ما يؤكد أن إسرائيل تُكرس بالفعل لدولة عنصرية.
وبعد مرور عام من القانون العنصري، الذي تسبب في توجيه العديد من الانتقادات لدولة الاحتلال، جاءت احتجاجات الفلاشا ضد النظام العنصري، على النحو الذي يوسع دائرة العنصرية على الأرض المحتلة، فالعنصرية لم تعد تطال العرب فقط، بل أصبحت أيضًا تطال يهودًا آخرين يُقدر عددهم بنحو 150 ألفًا.
ويعود أصول يهود الفلاشا إلى إثيوبيا، التي هاجروا منها إلى إسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ في إطار العملية السرية "سولومون"، والتي شارك فيها جهاز الموساد.
من جانبه قال إبراهيم مطر، مدير وحدة العلاقات الدولية بمركز سلمان زايد لدراسات الشرق الأوسط، إن حكومة نتنياهو ليست لديها أي نية لتحسين أوضاع يهود الفلاشا، مشيرًا إلى أن إسرائيل دولة عنصرية بطبعها، وترتكبت منذ نشأتها المجازر ضد العرب.
وفي مفاجأة كبيرة برهنت كتائب عز الدين القسام على مدى عنصرية الكيان الصهيوني، لدرجة أنها وصلت إلى أهم مؤسسة يقوم عليها الكيان، وهي المؤسسة العسكرية، حيث كشفت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس عن تجاهل الحكومة الإسرائيلية فتح قضية الجندي الإسرائيلي المفقود - من أصل إثيوبي- أبراهام منغستو.
وأوضح قائد في كتائب القسام أن تل أبيب "لم تطالب عبر أي من الوسطاء بفتح قضية المفقود أبراهام منغستو مع قضية أسرى العدو منذ اختفائه، ولم يتم إدراجه ضمن ملف المفاوضات نهائيًّا".
وكانت إسرائيل أعلنت عقب معركة العصف المأكول أواخر عام 2014 عن فقدان الجندي أبراهام منجستو، غير أن القضية لم تحظَ باهتمام شعبي أو رسمي.
وأعربت عائلته عن استيائها من هذا التجاهل، وقالت إن "نتنياهو نسي ابننا في أسر حماس"، وإنها لم تحظَ بأي دعم، لا من الحكومة الإسرائيلية ولا من الجمهور.
كما أفادت بأنه لم يحضر الكثير من الناس عندما حاولت تنظيم مظاهرة أمام بيت نتنياهو، في حين حظي الجنود الآخرون بتضامن كبير رسميًّا وشعبيًّا.
وتابع مطر أنه يستبعد حدوث تدخل أممي لإدانة إسرائيل، مشيرًا إلى أن يهود الفلاشا يعانون بشدة داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث تبلغ نسبة البطالة في صفوفهم نحو 65%، ومن يعمل منهم لا يجد غير المهن المهمشة، ويتم التعامل معه على أنه مواطن درجة ثانية.
الكاتب الصحفي الفلسطيني بكر السباتين أوضح أن عنصرية كيان الاحتلال لم تقتصر على استخدام الشرطة للقوة وقتل 3 شباب من أصول إثيوبية في العامين الأخيرين، بل كانت هناك العديد من الحالات التي برهنت على عنصرية النظام الإسرائيلي ضد يهود الفلاشا، منها عدم قبول كثير من المدارس الطلاب الذين من أصول إثيوبية؛ بسبب لون بشرتهم، مشيرًا إلى أنه حتى عند التبرع بالدم كانوا يرفضونهم؛ بحجة الخوف من الأمراض المعدية والوراثية.
وطالب الكاتب الفلسطيني أن تستخدم السلطة الفلسطينية تلك المظاهرات لصالحها، بعد غرق كيان الاحتلال في مستنقع التمييز العنصري، مشيرًا إلى أنه على السلطة التي رفضت صفقة القرن ومؤتمر المنامة أن تعمل على تأجيج الانتفاضة في قلب فلسطين المحتلة والضفة الغربية، والانسحاب من معاهدة أوسلو، ورفض اتفاقية التنسيق الأمني، واستعادة الثورة من جديد.
ويوافقه الرأي طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أنه بإمكان العرب بشكل عام استغلال تلك القضية؛ لكشف الوجه العنصري لإسرائيل، من خلال تدويل القضية، وكشف الممارسات العنصرية لكيان الاحتلال، والضغط على الأمم المتحدة لإدانته.
وشدد فهمي على أن الجاليات العربية في الخارج عليها التواصل الفوري مع منظمات حقوق الإنسان وجماعات الضغط الدولية؛ من أجل فضح إسرائيل، لافتًا إلى أن استهلاك القضية في الإعلام العربي ليس له أي قيمة بدون تدويلها.
من العدد الورقي