قوات الكوماندوز الأمريكية تستعد لحرب الظل الجديدة مع روسيا.. وترامب يعتمد على دول البلطيق في هذا الصراع "السيبراني"

يقوم 1400 فرد من قوات الكوماندوز الأمريكية والقوات المتحالفة معها من بلدان أوروبا الشرقية ودول البلطيق، في قواعد عسكرية في كل من المجر وبلغاريا ورومانيا، بتدريبات على تنفيذ "مهمة سرية وراء الخطوط"؛ من أجل مكافحة التهديدات الروسية المتغيرة.

وذكر تقرير نشر على موقع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن تلك التدريبات وغيرها من العمليات أدت إلى توتر أساسي في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ففي حين يتودد ترامب إلى موسكو، فإن الكثير من حكومته يعتبرونها عدو متزايد الخطورة.

وتابع التقرير: فقبل أيام فقط من إلقاء الرئيس الأمريكي الضوء على تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية خلال اجتماع الشهر الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كانت فرق من القوات الخاصة الأمريكية و قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأمريكية "نافي سيلز" تمارس مهام دعم لقوات المقاومة المحلية في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، الذين كان عليهم مواجهة قوات الكوماندوز الروسية دون شارات، تلك القوات التي يطلق عليهم "الرجال الخضر الصغار"، الذين ساعدوا موسكو على الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014.

اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز":فضيحة جنسية في أمريكا وراء استقالة وزير العمل في إدارة ترامب

وبموجب استراتيجية معدلة لوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" لمواجهة التهديدات المتزايدة من روسيا والصين، تتعاون الكوماندوز الأمريكية مع شركاء في الجهة الشرقية من أوروبا لإحباط ما يسمى بالحرب الهجينة في روسيا، والتي يقول المسؤولون المتحالفون إنها تنطوي بشكل متزايد على التلاعب بالأحداث باستخدام مزيج من الحيل والهجمات الإلكترونية و حرب المعلومات. وتعود هذه التهديدات إلى مؤامرات الحرب الباردة، ولكن حتى الآن يتم خوضها بالبايت(bytes ) وعرض النطاق الترددي (bandwidth) وليس بالقنابل والرصاص، بحسب ما ورد في تقرير الصحيفة الأمريكية.

وقال الجنرال ريتشارد كلارك، قائد قيادة العمليات الخاصة بالبنتاجون في مقابلة: "هذا يعود إلى المستقبل، يجب أن تعمل قوات العمليات الخاصة على الحواف لمواجهة العدوان الروسي"، على حد وصفه.

وألقت تلك التدريبات، التي استمرت أسبوعين في المجر وبلغاريا ورومانيا، الضوء على ما يسمى بعمليات المنطقة الرمادية الغامضة، والتي تهدف إلى البقاء تحت عتبة التحريض على صراع مفتوح، ولكنها دائمًا ما تخاطر بالتراجع عن ما يحاول الطرفان تجنبه، ألا وهو: حرب إطلاق نار، بحسب التقرير.

وتابعت الصحيفة: لكن في تطور جيوسياسي غير متوقع، سعى الضباط الأمريكيون والمجريون هنا في مقر قوات العمليات الخاصة في هذا البلد على بعد 60 ميلًا إلى الشرق من بودابست إلى الابتعاد عن السياسة الداخلية في بلادهم، وعن الأسئلة المتعلقة بالصلات الوثيقة مع موسكو والتي تبناها قادة قواتهم المسلحة.

اقرأ أيضاً: الهجرة غير الشرعية في أمريكا.. مليون مهاجر ينتظرون مصير مجهول بعد قرار ترحيل جماعي

وقد استقبل ترامب "فيكتور أوربان"، رئيس وزراء المجر الاستبدادي وأحد القوميين البارزين في أوروبا، بترحيب حار في شهر مايو الماضي على الرغم من المخاوف بشأن تراجع أوربان فيما يتعلق بالمؤسسات الديمقراطية فضلاً عن روابطه الدافئة مع روسيا.

وذكرت "نيويورك تايمز" في تقريرها أن هنغاريا كانت يوما ما رائدة في هذه الخطوة الخاصة بتبني القيم الغربية عندما انهارت الكتلة السوفيتية قبل ثلاثة عقود، ولكنها رسمت مسارًا مختلفًا منذ تولى "أوربان" منصبه في عام 2010. وعلى الرغم من أن المجر حليف لمنظمة حلف شمال الأطلسي، إلا أن حكومة "أوربان" قد ضغطت على المنظمات غير الحكومية، وجعلت معظم وسائل الإعلام تحت سيطرة حلفائه وقلبت العملية الانتخابية لصالح حزبه.

اقرأ أيضاً: روسيا تواصل شحن أجزاء منظومة "إس-400" إلى أنقرة

وخلال زيارة أوربان لواشنطن، لم يشر ترامب إلى حقيقة أن المجر لا تنفق سوى 1.15 في المائة من اقتصادها على الدفاع، وهي إحدى أدنى النسب في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، على الرغم من أنه ينتقد بشكل روتيني القادة الآخرين لعدم تحقيقهم نسبة الـ2 في المائة التي حددها الحلف. وبالمثل، لم يقل ترامب شيئًا عن العلاقات المتنامية في مجال الطاقة بين المجر وروسيا، على عكس انتقاده المتكرر لألمانيا بشأن نفس القضية.

وأفاد التقرير بأنه في هذه الأثناء، رفض ترامب مخاوف الحزبين بشأن روسيا، وكان آخرها الشهر الماضي عندما استقبل بوتين بحرارة وتبادلا المزاح على هامش قمة دولية في اليابان.

وعندما سئل عن هذه التناقضات الظاهرة، تبادل كبار الضباط الهنغاريين والأمريكيين الذين يشرفون على تدريب الكوماندوز النظرات، وبعد صمت حرج، اختاروا كلماتهم بعناية. فقال العميد تاماس ساندور، قائد قوات العمليات الخاصة المجرية البالغ عددها ألف جندي، في مقابلة في مكتبه: "إن العلاقات بين الجيشين مرنة حقًا مقارنة بما يحدث في البيئة السياسية"، مضيفاً: "أنا باقي في حارة بلدي المهنية".

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن رحلة الجنرال ساندورز الشخصية، ومن نواح كثيرة، تقفّت أثر تطور جيوش أوروبا الشرقية إلى حلفاء لحلف الناتو ورفاقهم بعد 11 سبتمبر في ساحات القتال في أفغانستان من منافسي الحرب الباردة.

حيث انضم الجنرال ساندور، 52 عامًا، إلى الجيش كطالب في أواخر الثمانينيات، عندما كانت المجر لا تزال جزءًا من حلف وارسو. وتدرب في وقت لاحق في فورت ليفنوورث، وفي "كان"، و"فورت براج"، وفي "إن سي"، وجامعة الدفاع الوطني في واشنطن. وخدم ثلاث جولات في أفغانستان إلى جانب القوات الأمريكية.

الجنرال مشجع مسعور لنادي كرة القدم الأمريكي "نيو أورليانز سينتس" وهو من مواليد المدينة التي كافحت لمواجهة الدمار الذي خلفه إعصار كاترينا في عام 2005، وهو العام الذي عاش فيه في ولاية كارولينا الشمالية.

وتابع التقرير: كان يجلس أمامه النقيب مارك شيفر، 47 عامًا، وهو عضو في قوات البحرية التي تقود المناورات التي تقودها الولايات المتحدة في بلده المجر وفي بلغاريا ورومانيا المجاورتين. فقال الكابتن شيفر، وهو من سكان يوتيكا، نيويورك، الذي ارتشف أول رشفة من الصراع الأوروبي عندما انتشر في البوسنة في أواخر التسعينيات، في خطاب سياسي مشحون بشدة: "إننا نسمع الموسيقى الخلفية، إننا لسنا أصماء". وهو يتولى الآن قيادة 600 فرد من قوات "نافي سيلز" على الساحل الشرقي، وانتشر في مناطق الحرب أكثر من 15 مرة منذ 11 سبتمبر 2001.

وأضاف الكابتن شيفر: "لكن أنا كقائد عمليات، أركز على قدراتنا الشريكة، فهذه هي مهمتي".

وأفاد تقرير الصحيفة الأمريكية بأن تدريب العمليات الخاصة هذا جاء في نفس الوقت الذي كانت فيه واحدة من أكبر المناورات التي تقودها الولايات المتحدة منذ غزت روسيا شبه جزيرة القرم، تضمنت تلك المناورات الآلاف من القوات الأمريكية والأوروبية التقليدية وحوالي 50 سفينة تنفذ المناورة على ساحل بحر البلطيق بالقرب من روسيا.

قال اللواء كيرك دبليو سميث من القوات الجوية، وهو أحد المحاربين القدامى في الحرب الأفغانية وقائد عدة آلاف من قوات العمليات الخاصة الأمريكية في أوروبا: "ليس فقط في أوروبا الشرقية ودول البلطيق حيث تستعد قوات الكوماندوز الأمريكية لمواجهة روسيا، ولكن القوات الخاصة السويدية والنرويجية استجابتا أيضاً لنصائح حول امتلاك القوة المناسبة ليس فقط للبقاء في منطقة القطب الشمالي المتنازع عليها بشكل متزايد، ولكن للعمل بفعالية وتحسين التكتيكات هناك أيضًا".

ونوهت الصحيفة في تقريرها أن الولايات المتحدة وحلفائها، في جهودهم هذه، يجب عليهم التغلب على عيب واحد طبيعي، وهو أن القوى الاستبدادية، مثل روسيا، (على حد وصف الصحيفة)، تستطيع التعامل مع الصراعات الهجينة المبنية على الخداع والأكاذيب.

في الفترة التي سبقت الانتخابات الأوكرانية هذا العام، قال مسؤولون أمريكيون إن وسائل التواصل الاجتماعي المدعومة من روسيا استهدفت مرتين قوات العمليات الخاصة الأمريكية والقوات التقليدية في جهود تضليل تهدف إلى زرع انعدام الثقة بين البلدين، بحسب ما ورد في التقرير.

وأشارت "نيويورك تايمز" في تقريرها إلى أن المرة الأولى تمثلت في مقال نُشر في الخامس من مارس الماضي على "نوفيروس"، وهو موقع ترعاه روسيا، زعم أن الحكومة الأوكرانية قد أصدرت جوازات سفر لأعضاء الخدمة الأمريكية، مما سمح للقوات الأمريكية بالتسلل إلى روسيا. وقال مسؤولون أمريكيون إن المقال تم مشاركته عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي الروسية المتعددة.

والحالة الثانية كانت عبارة عن نص جماعي غامض تلقته دائرة الحدود الأوكرانية، وقطاع عريض من الجمهور الأوكراني، في 25 مارس الماضي. وقد نصت هذه النصوص على أن القوات الأمريكية الخاصة كانت ستبدأ احتجاج "ميدان 3.0" قبل الانتخابات، في إشارة إلى احتجاجات شوارع اندلعت قبل خمس سنوات وتطورت إلى ثورة أسقطت زعيماً يُحتقر على نطاق واسع، ومتحيزاً لروسيا. كما أصابت النصوص الأوكرانيين بالإحباط بشأن الخدمة العسكرية، بحسب زعم الصحيفة الأمريكية.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن السلطات الأوكرانية تصرفت بسرعة لفضح المعلومات الزائفة، وحثت الجمهور على الإبلاغ عن الرسائل التي وجدوها مشبوهة.

وقال الجنرال سميث "ستكون هذه حملة طويلة جدًا ومستديمة"، في إشارة إلى مواجهة الجهود الروسية. إنهم يحاولون المرور عبر الشقوق. ومهمتنا هي أن ندرك ذلك، وأن نتنافس معه، ونقوم بمواجهته وتعطيله".

وأشار التقرير إلى نطاق تدريب على بعد بضعة أميال من المقر الهنغاري، وفي مواقع في بلغاريا ورومانيا، مارست قوات الكوماندوز سيناريوهات تم فيها إحباط هجوم على معداتهم ذات التقنية العالية الموجهة بواسطة الاتصالات الساتلية، وإحباط الضربات الدقيقة بواسطة هجوم إلكتروني روسي محتمل.

قال الجنرال ساندور: إن الأمر يعتمد على بوصلة وخرائط، ولا شيء غير ذلك"، مضيفاً: "إنها مدرسة قديمة، ونأمل في الأفضل والاستعداد للأسوأ".

قامت فرق صغيرة من قوات الكوماندوز من 10 دولًا بتدريب البعثات الاستطلاعية السرية، والتسلل إلى الأهداف المحتملة ونقل المعلومات للقوات المحلية. فيما تتدرب عمليات ما قبل الفجر على تسلل قوات الكوماندوز خلف خطوط العدو أو سحبها دون الكشف عنها. وذلك في الوقت الذي شحذ فيه القادة قدرتهم على تنسيق الأنشطة المتسارعة سريعة التطور في مختلف البلدان، بحسب ما ورد في التقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية على موقعها الإلكتروني.

وأشار التقرير إلى أنه، وفي تدريب حديث في الصباح الباكر، قام أكثر من عشرين من قوات الكوماندوز الهنغارية المسلحة ببنادق M4 وأقنعة الغاز، بغارة وهمية على مبنى مهجور حيث اشتبهت السلطات في أن الانفصاليين الهنغاريين المدعومين من روسيا، بحسب زعم الصحيفة، يصنعون قنبلة قذرة من الكلور والمواد الكيميائية الخطرة الأخرى.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أنه، ومع تحليق مروحية من طراز كوجر فوقها، اقتحمت قوات الكوماندوز مبنى وصادرت مواد صنع القنابل واعتقلت قادة الإرهاب. وفي ساحة المعركة، يحمل الجنود هواتف محمولة. وفي إشارة إلى الأخطار الجديدة التي يواجهونها في عصر الأمن السيبراني هذا، فإن التعليمات الموضوعة على جراب هواتفهم المحمولة تقول لرفاقهم: "إذا عُثر عليّ ميتاً، فاحذف سجل التصفح الخاص بي".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً