الكارثة تحدث في ثانية، تلك هي الحقيقة الغائبة عن الكثير من العاملين في السكة الحديد، كل شيء في هذا المرفق الذي تجاوز عمره 100 عام قابل للاشتعال، ويساعد على حدوث كارثة تودي بالأرواح، والذي يُمني النفس أن قرارات جريئة تشير إلى أن شيئًا ما يتغير اتخذها المهندس كامل الوزير وزير النقل، الذي يسابق الزمن لتطوير المرفق المتهالك.
وعلى مدار 72 ساعة قضتها «أهل مصر» بين العاملين في السكة الحديد وداخل عربات القطارات، تم رصد معاناة السائقين الذين توجه لهم الاتهامات، ففي البداية يقول مصطفى محمد والذي يعمل قائد قطار بالسكة الحديد: «منذ سنوات طويلة تبدأ رحلتي منذ استلام جدول التشغيل الأسبوعي والذي يختلف من وقت لآخر، حيث أتوجه من منزلي بإحدى القرى بمحافظة أسوان إلى المحطة قبل موعدي بثلاث ساعات وأقوم بالتوقيع فى دفتر الحضور والذهاب إلى الورشة لاستلام جرار القطار والاطمئنان على حالة الجرار وكفاءته والكشف عن السولار والزيوت والاستعدادات الخاصة بالجرار»، بعد كل هذه الإجراءات يطمئن السائق أن رحلته ستكون آمنة إلى حد كبير.
اقرأ أيضًا.. الحق قطارات عيد الأضحى 2019 .. وتفاصيل حجز التذاكر للوجه القبلى والبحري
الاستعدادات السابقة وفق ما يروي «مصطفى» تكون للرحلة الكاملة، وليس لمحطة استبدال قائد قطار بآخر، وهذا يعني إذا كان القطار مقرر له رحلته من القاهرة حتى أسوان يتم الاستعداد وفقا لمسافة 900 كم المقررة، كما يتم التأكد من عملية الرباط الخاصة بالجرار والمسؤولة عن إيقاف الجرار إذا كان مفردا أو قطار كاملا، بالإضافة إلى التأكد من لقم الفرامل المتواجدة بالقرب من العجلات الخاصة بالقطار والمسؤولة عن إيقاف القطار وبعد ذلك أتوجه بالجرار لضم عربات الركاب والتوجه إلى الرصيف المحدد للقيام بالرحلة.
نقص في قطع الغيار.. ومواطنون يهينون السائق
تبدأ معاناة قائد القطار من بداية الرحلة والتى تكون أولها عوارض وأعطال الجرارات لقلة الصيانة ونقص قطع الغيار خاصة فى الجرارات الحديثة الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2009 وعددها 81 جرارا وكذلك الجرارات الألمانية والمعروفة باسم «الهنيشل» والتى تعتبر عمود السكة الحديد حيث يضر العاملون بقطاع الصيانة، إلى نقل قطع الغيار من الجرارات التى لا تعمل لتشغيل جرارات أخرى، إلى جانب فصل مواتير داخل الجرارات والذي يحتوى على 6 مواتير مما يقلل من قوة السحب الخاصة بالجرار، بالإضافة إلى زيادة احتمالية تعطل الجرار وتوقفه بالمناطق الوعرة لضعف أدائه.
أما عن سلوك المواطنين فتأتى فى المقام الثاني من حيث النتائج التي تؤدي إلى كوارث، يقوم المواطنين وفق ما يروي «مصطفى» بإهانة قائد القطار بألفاظ وعبارات خارجة وإلزامه بالوقوف فى محطات غير مخصصة له فيما تقوم بعض الأطفال برشق القطار بالطوب والبازلت مما يتعرض قائد القطار والمساعد للإصابات الخطيرة ويقوم أيضا بعض البائعين بعملية إيقاف للقطار عن طريق إزالة بلف الخطر والمخصص لحالات الطورائ فقط مما يتعطل القطار لفترة زمنية لا تقل عن 20 دقيقة والمعابر غير القانونية والتى يتم إنشائها بواسطة بعض المواطنين مما تعرض حياة قائد القطار ومساعده، ويعتقد بعض المواطنين بأن قائد القطار متعمد التأخير وهذا غير صحيح، خاصة وأن وقت التأخير يخصم من وقت الراحة المخصصة.
يتابع قائد القطار حديثه: «لا توجد أية وسائل اتصال بين مراقبي الحركة وقائد القطار سوي جهاز اللاسلكى والذي لا يعمل فى كثير من الأحيان، أما الوسيلة الأخرى فهو الهاتف المحمول والمعروف باسم التلفون المصلحى، كما أن هناك العديد من التعليمات الخاصة بحركة مسير القطارات بجميع الخطوط وتختلف التعليمات من خط لآخر حسب نوع الإشارات والتى تتنوع ما بين الإشارات الكهربائية والميكانيكية أما الإشارات السيمافورات الكهربية فتحتوى على تعليمات عديدة فهناك الضوء الأخضر الثابت بسرعة 120كم/ساعة أما الضوء الأخضر المتقطع يعنى المسير بسرعة 110كم/ساعة أما الضوء الأصفر الثابت فيتم تخفيض السرعة استعدادا لمواجهة الضوء الأحمر والذي يعنى الوقوف التام أم الضوء الأصفر المتقطع فيعنى تغير مسار القطار إلى سكة أخرى وفى حالة وجود إشارة غير منتظمة يتم الاتصال بأقرب برج تحكم لبيان حالة المسير واستلم أوامر ورقية تفيد بتجاوز الإشارة لوجود عطل بها».
عوامل الأمان: استسماح آلي و«رجل ميت».. القشة التي تمنع كارثة
وعن عوامل الأمان يكمل قائد القطار حديثه: «تتنوع عوامل الأمان داخل جميع الجرارات وعربات الركاب ولعل أبرزها الصندوق الأسود كما هو المتعارف عليه عند الكثير من المواطنين وهو جهاز الاستسماح الآلى الـ ATC والمسؤول عن تتبع سرعة الجرار ومقارنتها بسرعة المناطق وكذلك قراءة إشارات المسير وتحذير قائد القطار عند تجاوز السرعة المقررة، وفى حالة عدم استجابة قائد القطار للتنبيه يتم عملية إيقاف القطار آليًا، كما يوجد بالجرار (رجل الميت) وهى عبارة عن آلة تنبيه تعطي إنذار لقائد القطار كل دقائق معدودة أثناء مسير القطار للتأكد من وجود قائد القطار وفى حالة عدم الاستجابة يتوقف القطار كليا».
كامل عويس ملاحظ بلوك بمنطقة أسوان يتحدث لـ«أهل مصر»: «اتحرك من منزلي بمدينة كلابشة إلى مكان عملى بمنطقة السد العالى وأعمل 12 ساعة متواصلة دون انقطاع يتخللها اليقظة التامة لكثرة رحلات القطارات ونظام العمل لمراقبى الأبراج يسمى الورادى يعنى ذلك 12 ساعة عمل و24 ساعة راحة أقوم بالتأكد من وجود أية ملاحظات خلال الوردية السابقة وإثبات العاملين بالمزلقانات فى محيط البلوك الخاص بي، بالإضافة إلى تجريب جميع التحويلات قبل بداية العمل وسط مجهود شاق فى ادارة عمليات إجراء التحويلات الميكانيكية بشكل مستمر لضمان سلامة مسير القطار وفقا لرحلته المقرر».
تغيير جذري بعد كارثة «قطار قليوب»
وعن مهام عمله فى عملية إعدادات مسير القطارات يوضح «عويس»، أنه ينتمي لطوائف الحركة بالسكة الحديد والمسؤولة عن سلامة إعداد مسير القطارات، حيث تتكون مراقبة الحركة من برج مراقبة والذي يتبع الإشارات الضوئية، أما البلوك فيتحكم فى الإشارات الميكانيكية وتحتوى أنظمة الحركة داخل السكة الحديد على نظام خلو السكة ونظام التقاطر، وتنص اللوائح والقوانين على العمل بنظام خلو السكة خاصة بعد حادث قطار قليوب الشهير، ويعنى إعداد مسير القطار عبر الاتصال بالبلوك الأمامى أو الخلفى وأخذ تصريح منه بخلو السكة لقدوم إحدى القطارات، ويتم معرفة نوع القطار عن طريق جهاز الدقات والذي يعطى صوتا بعدد دقات معينة تعبر عن نوع القطار والذي يختلف من المطور والمميز والمكيف ويتم إعداد مسير القطار وفقا لنوعه ومسير رحلته المقررة.
ويوضح عويس الفرق بين البلوك والبرج حيث يتكون البرج من لوحة تتحكم فى كهربة الإشارات وتحتوي لوحة التحكم على ما يقرب من 360 زرًا للتحكم وتنقسم إلى أزرار للسيمافورات «الإشارات» وأزرار للتراكات «كهربة السكة» وأزرار خاصة بالتحويلات وأزرار خاصة بالطورائ ويرتبط كل سيمافور «إشارة» بتحويلة خاصة بها وتحتوى السيمافورات «الإشارات» على علامات تبين لقائد القطار حالة المسير منها الأخضر وتعني مسير القطار وفقا لسرعته المقررة وأخضر متقطع وتعنى المسير بالحذر للسيمافور الذي يليه ويتم تخفيض السرعة والأصفر ويعنى تخفيض السرعة والاستعداد لإيقاف القطار حتى الوصول إلى السيمافور الذي يليه وهناك الأصفر المتقطع ويعني تخفيض السرعة إلى 20 كم لتغيير مسار القطار وفقا لرحلته وفى حالة وجود أية أعطال يتم أخذ التدابير الكافية لضمان ثبات التحويلة وعدم تحركها عن طريق ما يسمى (زرجنة التحويلات) خاصة فى الخطوط الطولية حتى لا تتأثر حركة القطارات ويتم إصدار بعض الأوامر الورقية لقائد القطار بالمسير بهذه المنطقة بسرعة 15 كم ويتم تحديد المنطقة عن طريق علامات المسافة المتواجدة على جانبى شريط السكة الحديد».
اقرأ أيضًا.. ننشر أسعار قطارات الوجه البحري قبل طرح تذاكر عيد الأضحى 2019
«الحاسة السابعة» شرط إنقاذ حياة المواطنين
ويقول عصام أبو الفتوح فنى مزلقان يتبع طائفة الحركة فى السكة الحديد، إنه مسؤول عن تأمين عملية مسير القطارات فى المنطقة ما بين البلوك والمزلقان عن طريق المتابعة مع ملاحظ البلوك بالتواصل عبر التليفونا الأرضية أو الهواتف المحمولة فى حالة الأعطال، يضيف: «تتلخص مهام عملى فى الحفاظ على حياة المواطنين وإغلاق بوابات المزلقانات عند قدوم القطارات وفى حالة فك ارتباط أجراس وأنوار المزلقان ووجود عطل يتم متابعتى لحركة القطارات عن طريق ما هو منصوص عليه ضمن لوائح الهيئة وهو المناظرة للقطارات عن بعض والتشغيل بما هو متعارف عليه عبر الزمن».
يتابع عصام حديثه عن أبرز المشكلات التى تواجه عمال مزلقانات السكة الحديد والتى من أهمها سلوك المواطنين وعبور شريط السكة الحديد بالرغم من إغلاق البوابات واقتحام قائدي السيارات المزلقان وإحداث بعض التلفيات فى مهمات السكة الحديد الحديد وكذلك العمل خلال الشبورة المائية صباحا خاصة فى المناطق الزراعية والذي يستلزم اليقظة الكاملة وتشغيل الحاسة السابعة لمنع تعريض حياة المواطنين للخطر خاصة وأن الشبورة المائية تتواجد فى الذروة الصباحية.
رائحة السولار تنذر بكوارث داخل الورش: لا تصلح للاستخدام الآدمي
وعن أعطال الكهرباء الخاصة بالجرار يقول أحمد السباعى فنى كهرباء بالسكة الحديد يعمل منذ 20 عاما داخل القطارات: يبدأ يومي بتوقيع الحضور والتجوال داخل الورشة للاستعداد بالجرارات المطلوبة للقيام بالقطارات المحددة وفقا لجدول التشغيل المقرر، يضيف: «أعمل أكثر من 12 ساعة داخل ورش غير صالحة للاستخدام الآدمى روائح السولار تنتشر فى كل مكان، بالإضافة إلى كثرة الزيوت المتواجدة على الأرض.. أتسلم مهام عملى داخل الجرار مرورا بجميع أسلاك الكهرباء وفحصها والتأكد من سرينة الجرار والكشافات الأمامية وسلامة أجهزة الأمان والتى من أهمها الـ ATC وهو جهاز الاستسماح الآلى بالإضافة الى رجل الميت وهى أحد عوامل الأمان داخل الجرار بالإضافة إلى تواجد فنى كهربائى بالمحطات الرئيسية ضمن فرق الطوارئ لمواجهة أعطال الكهرباء الخاصة بالجرار أثناء الرحلة».
ويضيف السباعى أن أبرز الأعطال تأتى نتيجة ضعف مقاومة الكشافات الأمامية أو تغيير أحد اللمبات وهى المسؤولة عن إنارة القطار لتسهيل الرؤية الليلية لقائد القطار، وأيضا يساعد عامل المزلقان على سرعة الانتباه لوجود قطار قادم ويتم أخذ كافة التدابير اللازمة لإغلاق المزلقان لحين مرور القطار.
وخلال جولة «أهل مصر» داخل ورش السكة الحديد، تم ملاحظة وجود عامل يسمى بـ«البراد»، حيث كان يجلس محمد سامى والذي يبلغ من العمر 47 عاما، يتحدث عن وظيفته فيقول: «وظيفتي الأهم فى السكة الحديد حيث أقوم بالمرور على القطار بالكامل وتغيير ما يقرب من 16 لقمة فرامل فى كل عربة قطار وهى المسؤولة عن إيقاف القطار عن طريق احتكاكها مع عجلات البوجى ولن تقتصر وظيفة على ذلك فخلال مروري للاستعداد بالقطار أتأكد من فارق المسافة بين كل عربة من القطار وأقوم أيضا بربط الجرار بعربة القطار والتأكد من توصيل خراطيم الهواء والمسؤولة عن إيقاف القطار».
التخطيط الجيد يسبق التعاقد على الصفقات الجديدة
وبعيدًا عن السائقين والعاملين في السكة الحديد يبدو أن الهيئة لديها خطط للتغلب على الأزمات، فتقول مصادر داخل الهيئة إن هناك اتجاها إلى عدم دخول قطارات الصعيد محطة الجيزة ومحطة القاهرة بميدان رمسيس، وكذلك انتهاء محطات الوجه البحري عند محطة قليوب ويتم دخول القطارات فوارغ بدون ركاب حتى ورش الفرز بالقاهرة، وسيتم اتنقال الركاب عبر مترو الأنفاق بعد امتداد الخط الثانى «المنيب- شبرا الخيمة» إلى مدينة قليوب، وكذلك نقل الركاب القادمين من الوجه القبلي إلى العاصة عبر قطارات مترو الأنفاق الخط الثالث اتجاه إمبابة لسحب الكثافة من العاصمة وتسهيل الحركة المرورية وكذلك تخفيف الأحمال من كوبري إمبابة للقطارات الواردة من الوجه القبلي.
وأكدت المصادر لـ«أهل مصر» أنه قبل دراسة أية صفقات جديدة لشراء جرارات أو عربات ركاب كان لابد من التخطيط الجيد لبحث آلية كيف يتم وضع هذه الصفقات داخل أراضي السكة الحديد كان لابد من التفكير حول انشاء ورش جديدة بتكنولوجيا حديثة تتناسب مع هذه الصفقات وعلى الفور قمنا بوضع آلية لاستغلال أراضي وأملاك السكة الحديد لإنشاء محطات وورش ومجمع شامل داخل أراضي السكة الحديد بمنطقة بشتيل والمعروفة بإسم مثلث بشتيل وتقسيم المشروع الى مرحلتين، حيث سيتم إنشاء محطة قطارات انتهائية لقطارات الصعيد والوجه القبلي وانشاء ورش لـ1300 عربة ركاب الجديدة والواردة من روسيا بواقع 500 عربة مميزة بنظام التهوية الديناميكية و500 عربة مميزة عادية وسيتم تجهيز تلك العربات داخل الورش الجديدة بمنطقة بشتيل، وكذلك 300 عربة قطارات جديدة مكيفة ذات الدرجة الأولى والثانية واحتوائهما على عربات بوفيه وسيتم تجهيزها داخل ورش الفرز بالقاهرة بعد تجديد إحدى الورش وتجهيز ورشة متكاملة مخصصة لـ 100 جرار واردة من شركة جنرال اليكتريك الأمريكية داخل مجمع الورش بمنطقة بشتيل.
وأشارت المصادر إلى تدعيم وتجهيز ورشة جديدة متخصصة فى قطارات الواحدات لاستقبال 6 وحدات قادمة من شركة تالجو الأسبانية والتى قام المهندس كامل الوزير وزير النقل بتوقيع عقد توريدها الشهر الماضى بمحافظة الإسكندرية، وستعمل الوحدات الجديدة على الخطوط الطولية بين الإسكندرية وأسوان بسرعة 160كم/ساعة.