الموت البطيء أصبح ينتظر الكثير من المرضى، بعد ترددهم على مئات الصيدليات بحثا عن الدواء، فإما لا يجدونه، أو لا يحصلون عليه نتيجة ارتفاع أسعاره في فترات متفاوتة، وهكذا يعكس مدى فشل وزارة الصحة برئاسة الدكتورة هالة زايد، في إدارة تلك المنظومة الصحية الدقيقة التي تتحكم في نجاة أرواح الملايين من المصريين، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، فالجميع أصبح ينتظر قرار قانون الهيئة العليا للدواء الجديد المستقل عن وزارة الصحة والسكان ويتبع رئاسة الوزراء بشكل مباشر ليضم كافة المعنيين بصناعة الدواء للحد من نقصه وضبط أسعاره ووضع نهاية للأزمات المتكررة، "أهل مصر" كشف الستار عن أسباب ارتفاع الأسعار واختفاء الأدوية المزمنة في الفترة الأخيرة والحلول الواجب تطبيقها.
احتفالية "صديقي رفيقي" بالمتحف القبطي بمصر القديمة
الحق في الدواء: التسعير في مصر غير عادل.. و115 صنف دوائي زاد سعره منذ أول يناير
قال الدكتور محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، في تصريحاته لـ"أهل مصر"، إن هناك أدوية تم زيادة أسعارها بشكل مفاجئ ومنها "دابسون" الخاص بالأمراض الجلدية والتهاب للرئة والذي تنتجه شركة النيل ويرجع انتاجه للستينيات وكان يبلغ سعره 7 جنيهات وفجأة أصبح 82 جنيه أي زيادة أكثر من 600%، ولكن عادة في حالة خسارة الشركة يتم التقدم بطلب لزيادته ويتم تشكيل لجنة الشكاوى وإعادة الأسعار وتعتمد على دراسة جدوى وأوراق رسمية ترصد سعر المادة الخام في البورصة العالمية ويتم حساب كل التكاليف ويتم زيادة السعر عند إثبات ذلك، ولكن 82 جنيه سعر كبير مما يثير تساؤل هل كانت الشركة طوال السنوات الماضية تنتجه بالخسارة؟ مجيبًا أن التسعير في مصر غير عادل، كما أن الدواء قديم وبالتالي يجب أن يكون سعره منخفض لوجود أدوية اخرى حديثة وأعلى كفاءة، مشيرًا إلى أن دول العالم ومنهم الإمارات خفضت أسعار 44 دواء بمناسبة مرور 10 سنوات على اختراعهم لأن مع تقدم العمر هناك ظهور لأدوية أحدث وبالتالي تأخذ السعر الأعلى والقديم ينخفض سعره.
وأضاف فؤاد، أن هناك 115 صنف دواء، زادت أسعاره منذ يناير 2019، موضحًا أن مصر تمتلك 13 ألف صنف دوائي والموجود منها على الرف 6 آلاف صنف، إذا تم عرضهم على أي منظمة دولية كهيئة الدواء والغذاء الأمريكيةFDA ستكشف عن المبالغة في الأسعار فلا يوجد لدينا نظام تسعير مصري واضح.
وأفاد فؤاد، بأنهم طالبو بأن يكون هناك قانون خاص بالدواء "الهيئة العليا للدواء" والذي يقوم بتسعير الأدوية، فكان يتم ذلك سابقًا من خلال لجنة يعينها وزير الصحة ولكن اليوم نحتاج لجنة اعتبارية لها ميزانية مستقلة يرأسها رئيس الوزراء وبها كل صناع الأدوية بحيث تخرج في النهاية بسعر نهائي للأدوية، قائلا "هيريح مصر من صداع تسعير الدواء.. ولو رجع بـ6 ألاف صنف دوائي يقل أسعارهم 50%".
وبالنسبة للأدوية الناقصة، أكد أن هناك نقص في أدوية الهيموفيليا "فاكتورA، فاكتور 9، فاكتور 10، بالإضافة إلى حقنةanti R h وهي مهمة للسيدات الحوامل لمنع حدوث الأجسام المضادة عقب الولادة مباشرة خلال 24 ساعة وتكون في وزارة الصحة فقط بالمصل واللقاح بالدقي وغير موجودة في المحافظات الأخرى، وتم رفع سعرها من 250 إلى 350 جنيه ومن ثم 450 ثم إلى 500 جنيه ومع ذلك بها نقص، وهناك حقنة "ليبيدول" لمرضى أورام الكبد فبعد حصولهم على أدوية الكيماوي يتبقى في أجسادهم بعض المواد الخطر وهذه الإبرة تخلصهم منها، وهي مطلوبة في إشاعات الصبغة الخاصة بالرئة والكبد والبنكرياس وهي غير موجودة وسعرها كان 400 جنيه وارتفع إلى 750 جنيه حتى وصل إلى 1500 جنيه، وهناك معاناة من نقص دواء "هيومان ألبين" وهو لمرضى استسقاء الكبد في المراحل المتأخرة ومصر أكثر الدول استخداما له، إضافة إلى دواء " انترفيرون بيتا" لمرض التصلب المتعدد الذي يصيب الشباب من سن 20-40 سنة ويمكن أن يتسبب في حدوث عجز أو فقد للإبصار وهو غير متواجد، كما أن كل أدوية ضمور العضلات غير موجودة ومع اختفاء أنواع أخرى من القطرات مضيفًا إلى أن مصر تعاني منذ 3 أشهر من أدوية منع الحمل.
مؤسس وحدة أورام الكبد: الهيئة العليا للدواء ستضمن عدم وجود نواقص وتحكم التسعيرة
كشف الدكتور محمد على عز العرب، مؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومي للكبد، والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، لـ"أهل مصر"، أن وجود هيئة عليا للدواء يضمن عدم وجود نواقص في الأدوية، ويقضى على الأدوية المغشوشة ويحمي الشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة أن ملف الدواء يمثل أمن قومي وتأخرنا فيه كثيرًا، وسبقتنا دول كثيرة على مستوى العالم ومنها دول عربية كالأردن وسلطنة عمان والسعودية، مضيفًا أنه تمت المطالبة بأن يكون رئيس الهيئة المصرية للدواء صيدلي بدرجة وزير لأن الصيدلي هو الخبير الأول في الدواء، مع المطالبة بتجنب تمثيل صناع الأدوية في الإدارة لتجنب تغول رأس المال في أي قرارات تخص التسعيرة وغيره، مع المطالبة بالالتزام بالمعايير الدولية عند استيراد المادة الخام ICH لضمان جودة وأمان المنتج حسب المواصفات الدولية.
وتابع عز العرب: "إننا بصدد ملف وقانون مهم جديد انتظرناه طويلًا، سيعدل سوق الدواء الذي يضم عدة مشاكل منها، تسجيل الدواء، التسعيرة، التصدير، الاستيراد، التداول، التفتيش على الصيدليات، نقص الأدوية، مشاكل المريض المصري والمصانع والصيدليات.
خبير دوائي: الحل يكمن في اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة احتكار الدواء
ومن جانبه، أوضح القانوني والخبير الدوائي هاني سامح، لـ"أهل مصر"، أن وزارة الصحة مازالت تشكو من الضعف وعدم الكفاءة في إدارة ملفات الأدوية، خاصة زيادة أسعار بعض المستحضرات ونقصها ويرجع السبب الرئيسي في ذلك للاحتكار الدائر في سوق الدواء، ووصل الأمر إلى أن جهاز حماية المنافسة أرسل تقرير لوزارة الصحة حول الأسباب الكامنة لنقص الأدوية واحتكارها ولكن لم تستجيب الوزارة، مشيرًا إلى أن الأسباب ترجع إلى الاحتكار في نظام "البوكسات" - صندوق مثائل الأدوية- فمازال ينتج المادة الفعالة 12 شركة فقط من أصل 2500 شركة، وبالتالي يحتكروا الأدوية بالإضافة إلى أن هناك شركات أجنبية تحجز مكانها في صندوق الأدوية بأسماء أخرى وهمية ويكون أساس الـ12 شركة هم 5 شركات فقط يحتكروا المادة الفعالة وعدم إنتاج الشركات الأخرى، قائلا "نظام التسعير فاشل.. فالشركات تحقق أرباح بالمليارات".
وأفاد بأن الحل يكمن في اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة احتكار الدواء من الدولة والقيادة السياسية التي لها توجهات للرقي بالمنظومة الدوائية والاقتصادية بشكل عام ومحاربة الاحتكار والفساد، ورفعت غرامات الاحتكار من 10 مليون إلى 500 مليون منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي ولكن الغريب أن وزارة الصحة مع توجهات الدولة ضد الاحتكار ومازالت تقر قرارات إدارية ولوائح تكرس الاحتكار، مشيرًا إلى أنه عند نقص الدواء يمكن التقدم بشكاوى لغرفة عمليات وزارة الصحة وإدارة وصيدليات الشكاوي التابعة للشركة المصرية، بالإضافة إلى مكتب وزيرة الصحة، وعلى المدى الطويل يمكن تقديم شكاوى للنيابة الإدارية يكون لها إجراءات حاسمة، وبالنسبة للسعر يجب التأكد أن يكون قانوني لأن غير ذلك جريمة تصل عقوبتها للحبس 5 سنوات وفقًا لقانون التسعير الجبري للدواء، فزيادة الأسعار اعتباطًا بدون ورقة مختومة وإخفاءه تعتبر جريمة أمن دولة طوارئ.
رئيس شعبة الأدوية: نعاني من نقص أدوية ليس لها بدائل
أفاد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية، بأن نقص الأدوية يعتبر ظاهرة عالمية تشكو منها معظم الدول حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن في مصر نقص الدواء يأخذ بُعد إعلامي أكثر من أي دولة بالعالم، لغياب البدائل الفعالة والإضرار بثقافة المريض من خلال تركيز الأطباء على أدوية معينة وثقتهم فيها، وإصرارهم على ترشيحها للمريض، ويعانى المجتمع المصري حاليًا من نقص شديد في أدوية ليس لها بدائل، لاسيما في الشهور القليلة الماضية، منها "ميسو تروكسيد" علاج الروماتويد، والأورام السرطانية، "إكس إل xl" علاج ضغط الدم، "أم ديور" علاج توسيق الأوعية الدموية للقلب، "سليو برد" كرتزون طويل المفعول.
نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية: أرفض تعميم نقص الأدوية.. مجرد حالات والوزارة تعمل على حلها
من جانبه، أكد أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية، أنه لابد من دراسة أسباب نقص الأدوية، لاسيما في ظل اعتماد الدولة على الاستيراد كمنتج نهائي أو المواد الخام، مما يجعلها تعانى بين حين وأخر من نقص بعض الأدوية نتيجة أي ظروف خاصة بالاستيراد، نافيًا تحديد أدوية بعينها، مشيرًا إلى غياب عدد كبير من الأدوية في عامي 2017 و2018، إلى أن تحركت وزارة الصحة وضعت أنظمة لترجع الأمور لطبيعتها اليوم.
سكرتير عام شعبة الصيدليات: أفصلوا ملف الدواء عن وزارة الصحة
وفي السياق ذاته، اشتكى حاتم البدوي سكرتير عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، من نقص الأدوية في الصيدليات التي أصبحت بمثابة عرض مستمر متكرر منذ أربع سنوات وليس وليد اللحظة، مشيرًا إلى أن الأمر ليس متعلق بأدوية الأمراض المزمنة فقط، بل أيضًا أدوية منع الحمل مما يمثل خطورة شديدة في ظل حملات تحديد النسل وتنظيم الأسرة وقلق السيدات من استخدام اللولب، بالإضافة إلى غياب دواء "سيلميد" الرئيسي لعلاج مرض الشلل الرعاش رغم ارتفاع سعره مرتين متتاليتين ألا أنه غير متوفر وناقص، معلقًا " كل دى أدوية ملهاش بدائل .. إحنا في كارثة"، مطالبا بفصل ملف الدواء عن وزارة الصحة، حتى يتم هيكلته على أسس صحيحة من خلال الصيادلة.
عضو لجنة الصحة بالبرلمان: التأمين الصحي الجديد سيوفر بدائل الأدوية لمحاربة نقصها
ومن جانبها، ردت الدكتورة سماح سعد عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أنه على مستوى العالم لا يمكن شراء أي أدوية من الرف في الصيدلية سوى بروشتة طبية، ولكن إذا كان المريض يتبع التأمين الصحي فأي دولة أوروبية أو أمريكية تأخذ الدواء أو البديل، مشيرة إلى أهمية أن يكون لدينا نشر لثقافة البديل خاصة أن المريض يرى أن البديل أو المثيل في الأدوية يكون أقل كفاءة وهذا غير صحيح لأن الاختلاف الوحيد يكون في اسم الدواء فمثلا "الباراسيتامول" هو نفس المادة الفعالة لـ "آدول" وترجع التسمية للشركة المنتجة.
وأضافت سعد، أن ثقافة مثائل الأدوية سيتم تغييرها في التأمين الصحي الجديد لأنه يشمل ضم مثائل كثيرة تدخل في قائمة الأدوية لضمان عدم احتكار شركة معينة تتحكم في توفير الدواء ودخول مناقصاته، وبالتالي البدائل تكون أفضل وأوسع وتصب في مصلحة المواطن، لأن البدائل لا يوجد فيها أية مشكلة وتحارب نقص الأدوية.
نقلا عن العدد الورقي.