لم تعد بريطانيا عظمي بعد أن فقدت مستعمراتها في الحرب العالمية الثانية، والآن هي مهددة للعودة إلى وضعها قبل 400 عام، لتصبح دولة صغيرة فقيرة طاردة للسكان، وذلك بخسارتها عضوية كتلة عملاقة سياسيًا واقتصاديًا مثل الاتحاد الأوروبي.
رئيس الوزراء البريطاني يتودد إلى مصر مبكرًا
بوريس جونسون، رئيس الحكومة البريطانية الجديد، والذي تزامن توليه منصبه مع الاستفتاء على خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، يحاول الآن ترسيخ قيمة قوة ونفوذ بلاده عن طريق جعل مستقبلها خارج الاتحاد الأوروبي أكثر بريقًا، من خلال اللعب على ماضي بريطانيا وتضخيم قوتها ونفوذها، رغم أنها لم تعد سيدة البحار، ورغم أن إحدى مستعمراتها القديمة الآن "الهند"، تسعى لكي تكون إحدى القوى العظمى.
ويروج جونسون لفكرة بريطانيا العظمى من خلال أنها ستتحول من مجرد عضوًا عاديًا في "البريكست" إلى إمبراطورية عالمية تستمد قوتها من إرثها التاريخي والدبلوماسي الذي يستمد قوته من فترتها الاستعمارية، حيث يستند جونسون إلى أصدقاء بريطانيا الحقيقيين من الدول الناطقة بالإنجليزية )أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة)، أو دول الشرق الأوسط وعلى رأسها دول الخليج العربي، حيث أكد وزير الخارجية البريطاني أن بلاده تسعى لتشكيل قوة خاصة لضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز، في إشارة طبعًا إلى التهديد بمواجهة مرتقبة في هذه المنطقة ضد إيران، من أجل حماية المصالح البريطانية، ومن أجل مغازلة دول الخليج أيضًا، من خلال إقناعهم بأن بريطانيا في خندق واحد معهم ضد إيران، ولعل إعلان بريطانيا أن السفينة الإيرانية التي تم احتجازها كانت محملة بالنفط وكانت في طريقها لنظام الأسد، ما يشير إلى نية لندن إثبات حسن النية للسعودية.
قوات بريطانية تُقاتل سرًا بجوار السعودية في اليمن
وما يعزز فكرة رغبة بريطانيا العودة لسابق عهدها خاصة في منطقة الشرق الأوسط، هو السؤال الذي طرح داخل البرلمان البريطاني من خلال إيميلي ثورنبيري وزيرة خارجية الظل من حزب العمال، والذي وجه اتهامًا صريحًا للحكومة بأن الجيش البريطاني يحارب سرًا في اليمن بجانب قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، وعزز الاتهام ما ورد في تقرير لصحيفة ديلي ميل والذي يشير إلى أن هناك جنودًا من النخبة تمت إصابتهم داخل اليمن، وأكدت تقارير أخرى أن هناك جنودًا قد قتلوا داخل المستنقع اليمني أثناء تقديم المشورة العسكرية لقوات التحالف العربي.
الإمبراطورية البريطانية القديمة
من اللافت للنظر أيضًا أن بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني الآن والذي يرسخ لفكرة عودة الإمبراطورية البريطانية القديمة، أظهر خلال وجوده في منصب عمدة لندن، التزامًا تجاه تقوية علاقات بلاده مع دول الخريج، وبرهن على ذلك بأن هناك فرصة كبيرة لهذه الدول لشراء العقارات في لندن، ووصف نفسه أيضًا بأنه عمدة الإمارة الثامنة من أجل مغازلة الإمارات التي تتألف من 7 إمارات، وتمكن جونسون خلال إبريل 2013 من الحصول على تعهدات بزيادة قيمة الاستثمارات الإماراتية في لندن.
يغازل السعودية على حساب "الأسد"
وبعد عمله كوزير للخارجية، عزز جونسون مبدأ التزام بريطانيا تجاه علاقتها مع دول الخليج العربي، حيث أكد خلال زيارته إلى المنطقة في يوليو 2017 أن "صداقة بريطانيا الوثيقة والتاريخية مع دول الخليج أصبحت أكثر أهمية في عالم اليوم المضطرب"، مكررا تعهّد رئيسة الوزراء آنذاك "ماي" بأن "أمن دول الخليج من أمن بريطانيا".
وعلى المستوى العسكري، أكد جونسون التزام بلاده بالدفاع عن السعودية في حرب اليمن، مؤكدا أن بريطانيا تعتبر أن السعودية تلتزم بالقانون الدولى وحقوق الإنسان، وعلاوة على ذلك فقد كشفت تقارير أن جونسون أوصى في عام 2016 بتوريد قنابل بريطانية إلى السعودية لدعمها في حرب اليمن.
ولم يغفل جونسون التودد إلى مصر لتعزيز علاقاته في منطقة الشرق الأوسط، حيث أكد أن بلاده تعوّل على دور القاهرة المحوري والفاعل كمركز ثقل لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، ودورها في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، ما يشير إلى النية الحقيقية لجونسون في إعادة علاقات بريطانيا مع دول المنطقة بشكل منفرد، بديلا عن الاتحاد الأوروبي، ما يمهد لجملة من الاتفاقيات المنتظرة التي سيتم إبرامها مع مصر ودول المنطقة.
نقلا عن العدد الورقي