إسرائيل تمنع نائبتين مسلمتين بالكونجرس الأمريكي من دخول فلسطين.. الخطوة التي أشعلت السياسة في البلدين

منعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الخميس، تحت ضغوط شديدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عضوتين من الكونجرس الأمريكي من دخول إسرائيل في زيارة رسمية، في تناقض شديد مع تصريح سابق للسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة قال فيه إنه سيسمح بدخول النائبتين اللتين تعتبران من أكثر منتقدي الرئيس الأمريكي صراحةً.

لكن اليوم الجمعة، قالت إسرائيل إن إحدى عضوتي الكونجرس، وهي النائبة رشيدة طليب، يمكن أن تدخل البلاد لأسباب إنسانية، وهي رؤية جدتها البالغة من العمر 90 عامًا، والتي تعيش في الضفة الغربية المحتلة.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية" على موقعها الإلكتروني، فإنه ومن خلال تجنيد قوة أجنبية لاتخاذ إجراء ضد اثنتين من المواطنات الأمريكيات، ناهيك عن كونهما عضوتين منتخبتين في الكونجرس، عَبَر ترامب بذلك خطاً لم يعبره أسلافه من الرؤساء السابقين. وهو بذلك، في الواقع، يصدّر معاركه الحزبية خارج حدود البلاد، مظهراً المدى الذي يمكن أن يذهب إليه لاستهداف خصومه المحليين.

السماح لرشيدة طليب برؤية جدتها

في البداية منعت إسرائيل زيارة كانت مقررة للنائبتين الديمقراطيتين، وهما رشيدة طليب من ولاية ميشيجان، وإلهان عمر من مينيسوتا، وكلاهما مسلمتين، ادعى نتنياهو دعمهما لحركة مقاطعة إسرائيل، واستجابة لرغبات الرئيس الأمريكي، الذي أعلن على "تويتر" قبيل قرار إسرائيل مباشرة أن السماح لهم بالدخول "سيظهر ضعفًا كبيرًا".

اقرأ أيضاً: اعتبرتها مجحفة.. رشيدة طليب ترفض الشروط الإسرائيلية لزيارة جدتها بالضفة الغربية

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن هذه الخطوة لم تؤجج السياسة في كلا البلدين فحسب، بل وحدت ترامب ونتنياهو بشكل أوثق كشركاء ضد خصومهم المشتركين، حيث يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي انتخابات حاسمة الشهر المقبل.

وخلال حديثه مع الصحفيين قبل السفر إلى مدينة مانشستر، شمال شرق الولايات المتحدة، لحضور اجتماع حاشد، لم يقل ترامب ما إذا كان قد تحدث مباشرة مع نتنياهو حول هذا الموضوع، لكنه أقر بأنه "تحدث مع البعض" على انفراد حتى قبل أن يغرّد حول هذا الموضوع.

وذكر تقرير الصحيفة الأمريكية أن عضوتي الكونجرس، رشيدة طليب وإلهان عمر، هما من الداعمين الصريحين للشعب الفلسطيني وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

كان الرئيس الأمريكي هاجمهما مرارًا وتكرارًا، إلى جانب النائبتين ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز عن ولاية نيويورك، وأيان بريسلي عن ماساتشوستس، عندما طالبهن "بالعودة" إلى بلدانهن الأصلية، رغم أنهن جميعهن مواطنات أمريكيات.

ووفقا لتقرير "نيويورك تايمز"، فقد واجه قرار إسرائيل انتقاداً ليس فقط من قبل الديمقراطيين ولكن أيضًا من قبل بعض كبار الجمهوريين، بمن فيهم السناتور "ماركو روبيو" من فلوريدا. حيث قالت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهي جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، إن هذا القرار كان خطأ.

اقرأ أيضاً: بعد منعها من الدخول.. النائبة الأمريكية "طليب" تزور أسرتها في الضفة الغربية

وفي بيان، قال نتنياهو إن إسرائيل تحترم الكونجرس، لكنه دافع عن القرار قائلا: "كدولة ديمقراطية حرة ونابضة بالحياة، فإن إسرائيل منفتحة على النقاد والنقد، مع استثناء واحد، وهو أن القانون الإسرائيلي يحظر دخول من يطالبون بالمقاطعة، ويعملون على فرضها، وذلك كما تفعل غيرها من البلدان الديمقراطية التي تمنع دخول أشخاص يعتقد أنهم يضرون بالبلاد".

إن ترامب، الذي سعى إلى احترام عدد قليل من الليبراليين المثيرين للجدل ولكنهم قليلو القوة نسبياً مقارنة برموز آخرين للمعارضة، رحب على الفور بالقرار على تويتر. وقال: "إن النائبتين عمر وطليب هما وجه الحزب الديمقراطي، ويكرهون إسرائيل!".

وبدوره، قال سفيره لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، إن لإسرائيل "كل الحق في حماية حدودها" ضد النشطاء الذين يدعمون حركة المقاطعة، والتي اعتبرها "لا تقل عن الحرب الاقتصادية".

ومن جانبها قالت عمر، التي أثارت انتقادات حتى من جانب زملائها الديمقراطيين لانخراطها في الأوساط المعادية للسامية بعد انتقادها إسرائيل، إن قرار منعهم كان "إهانة" للحرية.

وأضافت في بيان "إن ما يثير السخرية من الدولة "الديمقراطية الوحيدة " في الشرق الأوسط والتي اتخذت مثل هذا القرار، هو أنه إهانة للقيم الديمقراطية واستجابة مروعة لزيارة من قبل مسؤولين حكوميين من دولة حليفة".

اقرأ أيضاً: رشيدة طليب الفلسطينية تصفع ترامب وتؤدى قسم الكونجرس الأمريكي على مصحف (فيديو)

وقالت "نيويورك تايمز" في تقريرها، إن هذا القرار وضع إسرائيل على خلاف مع الجمهوريين مثل النائب "كيفن مكارثي" من كاليفورنيا، زعيم الأقلية في مجلس النواب، الذي قال خلال زيارته لإسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي: "أعتقد أنه يجب أن يأتي الجميع".

تحدث عضو مجلس الشيوخ، ماركو روبيو، أيضا ضد هذه الخطوة: "أنا لا أتفق تماما مع القرار الإسرائيلي بشأن النائبتين طليب وعمر، أقول ذلك وأنا من قدم مشروع قانون Anti BDS (ضد مقاطعة إسرائيل) الذي مررناه في مجلس الشيوخ"، مضيفاً: "لكن حرمانهم من الدخول إلى إسرائيل هو خطأ. لأن منعهم هو ما كانوا يأملون فيه فعلاً طوال الوقت من أجل تعزيز هجماتهم ضد الدولة اليهودية".

وحتى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، التي عادةً ما تقف موقف المناصر لنتنياهو، انفصلت عنه، قائلة إنه على الرغم من أنها لا تتفق مع النائبتين عمر وطليب، إلا أنه "يجب أن يكون كل عضو في الكونجرس قادراً على زيارة حليفنا الديمقراطي إسرائيل". فيما لم تذكر اللجنة، فضلاً عن السيناتور "روبيو" دور ترامب في اتخاذ هذا القرار.

اقرأ أيضاً: حملة انتقادات ضد نائبة مسلمة هاجمت ترامب

وأفادت "نيويورك تايمز"، في تقريرها، بأن قرار إسرائيل كان يحمل الكثير من التناقض. ففي الشهر الماضي فقط، قال سفيرها لدى الولايات المتحدة، رون ديرمر، إن إسرائيل لن تمنع أي عضو في الكونجرس من دخول أراضيها. لكن موقع "أكسيوس" الإخباري أفاد الأسبوع الماضي أن ترامب ضغط بشكل خاص على نتنياهو ضد السماح لهما.

قال مسؤول إسرائيلي مقرب من مكتب رئيس الوزراء أمس الخميس، إن دعوة من إدارة ترامب مؤخرًا حثت نتنياهو هذا الأسبوع على منع دخول عضوات الكونجرس. وأضاف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن رئيس الوزراء وجد نفسه في وضع "خسارة مقابل خسارة"، ما اضطره إلى الاختيار بين إثارة غضب ترامب أو الديمقراطيين.

في الواقع، عمل النائب "ستيني هوير" من ولاية ماريلاند، وهو زعيم مجلس النواب الديمقراطي الذي زار إسرائيل بنفسه في الأيام الأخيرة، مع "ديرمر" لتأمين تصريح الأخير بأنه لن يُمنع أي عضو في الكونجرس من دخول البلاد، حيث قدم التماس شخصي في اللحظة الأخيرة لنتنياهو.

اقرأ أيضاً: زيارة "إلهان عمر" للضفة الغربية تربك "تل أبيب".. النائبة المسلمة تضع نتنياهو في خضم معركتها مع "ترامب"

وقضى ديمقراطيون آخرون معظم أول أمس الأربعاء في الضغط على "ديرمر"، وفقًا لآرون كياك، وهو خبير استراتيجي يقدم المشورة للديمقراطيين والجماعات المؤيدة لإسرائيل. وحذر: "لا تفعلوا ذلك، سيكون أمر كارثي، أقول ذلك باعتباري صديق لك".

لكن حتى عندما كان المسؤولون الإسرائيليون يُجرون مشاوراتهم هذه، أطلق ترامب مطلبه علنًا أمس الخميس في تغريدة ادعى فيها أنه "سيظهر ضعفًا كبيرًا إذا سمحت إسرائيل للنائبتين عمر وطليب بهذه الزيارة".

فيما قال خبراء إن إسرائيل لم تمنع من قبل عضوًا بالكونجرس من دخول أراضيها، على الرغم من أنها حظرت سبعة رؤساء بلديات وأعضاء بالبرلمان الأوروبي عام 2017. وأيضاً لم يتمكنوا من ذكر تدخل مماثل من رئيس أمريكي ضد أعضاء بالكونجرس مثلما فعل ترامب مع نائبات ديمقراطيات الأسبوع الماضي.

قال آرون ديفيد ميلر، مفاوض سلام مخضرم متخصص في شؤون الشرق الأوسط: "لم يحدث خلال الـ 25 عامًا التي عملت خلالها، أن رأيت رئيسًا ملتزمًا بذلك عن عمد، ليس فقط التدخل لمساعدة نتنياهو وتعزيز آفاقه الانتخابية، ولكنه أيضاً يعمل من أجل مصالحه الشخصية والسياسية.

ووصف "هوير" قرار إسرائيل بأنه "مشين" و"خطأ"، مشيرًا إلى أن "ديرمر" قد ضلله عندما أكد له أنه سيسمح لهما بالدخول احتراماً للكونجرس. وقال "هوير" "هذه التمثيلية لم تكن صحيحة"، وهو بمثابة توبيخ من أحد أقوى مؤيدي إسرائيل الديمقراطيين.

وادعى ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، أن "إسرائيل أشارت في البداية إلى أنها ستقبل بزيارة النائبتين طليب وعمر، وستستخدم زيارتهما كفرصة للتعريف بديمقراطية إسرائيل النابضة بالحيوية والقوية، وتسامحها الديني وتنوعها العرقي".

وأضاف: "لسوء الحظ فإن برنامج زيارة طليب وعمر لا يترك أي مجال لهذه الفرصة، على عكس ما يقارب من 70 عضو كونجرس جدد أنهوا زيارتهم لإسرائيل أو يواصلون زيارة متوازنة لإسرائيل تشمل اجتماعات مع قيادات إسرائيلية وفلسطينية".

إن إلهان عمر، التي علمت بقرار المنع من خلال التقارير الإخبارية، كان من المقرر أن تصل فلسطين مساء غد السبت. وقال أحد مساعديها إنها تعتزم مقابلة عضو عربي في البرلمان الإسرائيلي وتأمل في تحديد موعد للقاء أعضاء يهود أيضًا. وكان من المقرر أن تتجول عضوات الكونجرس في الضفة الغربية، جزئياً تحت رعاية المبادرة الفلسطينية لنشر الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح"، وهي منظمة ترأسها البرلمانية الفلسطينية منذ فترة طويلة، حنان عشراوي.

وسألت "عشراوي": ما الذي يخشونه؟"، موجهة سؤالها إلى السلطات الإسرائيلية.

كما خططت عضوة الكونجرس إلهان عمر لزيارة الخليل ورام الله وبيت لحم، بالإضافة إلى القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، فضلاً عن زيارة المسجد الأقصى. وكانت طليب، وهي أمريكية من أصول فلسطينية، تعتزم زيارة أقاربها في الضفة الغربية، والتي كانت إسرائيل أشارت أمس الخميس إلى أنها قد تسمح لها بالحضور لهذا الغرض فقط بمفردها.

تتحدث طليب، التي ارتدت ثوباً فلسطينياً تقليدياً، عند أداء اليمين الدستورية لها، مراراً عن جدتها التي تعيش في الضفة الغربية. وفي رسالة بريد إلكتروني خاصة إلى زملائها الديمقراطيين الجدد في وقت مبكر من صباح أمس الخميس، ناشدتهم طليب بالدفع باتجاه السماح لها بزيارة جدتها.

وكتبت طليب: "لقد كانت تتوقع أن تراني في غضون أيام قليلة"، مضيفة: "هذا القرار بعدم السماح لي بالدخول يمثل سابقة خطيرة".

وضع هذا القرار الديمقراطيين في موقف حرج من الدفاع عن "عمر" بعد أن استُنكرت في السابق بعض تصريحاتها حول إسرائيل ومؤيديها. ما دفعها للاعتذار في فبراير الماضي، بعد أن ألمحت، في تغريدة لها، أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) تستخدم المال لحشد دعم سياسات موالية لإسرائيل.

وفي مارس الماضي، صوت مجلس النواب على إدانة جميع أشكال الكراهية بعد أن قالت عمر إن النشطاء المؤيدين لإسرائيل "يضغطون من أجل الولاء لبلد أجنبي"، ما اعتبر تصريحا معاديا للسامية.

لقد أعطت تلك التصريحات ترامب وغيره من الجمهوريين فرصة لمحاولة كسر التحالف القديم بين اليهود الأمريكيين والحزب الديمقراطي. ففي الشهر الماضي، أصدر المجلس بأغلبية ساحقة قرارًا من الحزبين يدين مقاطعة إسرائيل.

كان ترامب قدم المساعدة لنتنياهو مرارًا وتكرارًا في أوقات الشدة، من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. وذلك في الوقت الذي يخوض فيه نتنياهو حملة انتخابية صارمة، مادفع بعض المحللون إلى القول بأنه مدين لترامب بهذه المساعدة ولا يزال بحاجة إلى دعمه.

وختاما، وتعليقا منه على موجة الإنتقادات التي طالت القرار الإسرائيلي، قال البروفيسور "يوجين كونتوروفيتش"، مدير القانون الدولي في معهد الأبحاث "منتدى كوهيلت للسياسات" اليميني الإسرائيلي: "إن الغضب الصوري الحالي والادعاءات المخادعة بأن هذه ليست الطريقة التي يتعامل بها الحلفاء مع بعضهم البعض هي في الحقيقة مجرد معيار مزدوج ضد إسرائيل".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً