أقر الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، بأنه حصل على مبلغ 90 مليون دولار نقدًا من حكام المملكة العربية السعودية، بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وذلك خلال محاكمته، اليوم الاثنين، بمعهد التدريب القضائي في ضاحية أركويت شرقي العاصمة الخرطوم.
وقال العميد بالشرطة أحمد علي، الذي يتولى عمليات التحري في قضية البشير، لمحكمة الخرطوم، إن البشير قال إن جزءًا من الأموال "تم تسلمها من قبل بعض مبعوثي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
ومثل البشير أمام المحكمة وسط إجراءات أمنية مشددة لأول مرة منذ 16 يونيو، واتهم "بالفساد والحيازة غير المشروعة للعملات الأجنبية وقبول الهدايا بشكل غير قانوني".
وداخل قاعة المحكمة، كان الأوتوقراطي المخلوع يجلس في قفص معدني، مرتديا ثوبًا أبيضاً تقليديًا.
وردد أقاربه الحاضرون أثناء المحاكمة عبارة "الله أكبر"، ورد عليهم بذات الكلمة. ومن المقرر عقد الجلسة التالية السبت القادم.
اقرأ أيضاً: أهم المحطات الفارقة في حياة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير
وأضاف "علي" أنه تم العثور على حوالي 7.8 مليون دولار في منزل الرئيس المخلوع. وأفاد المحقق بأن البشير ادعى أن المال كان جزءًا من مبلغ 25 مليون دولار أرسله إليه ولي العهد السعودي "لاستخدامه خارج ميزانية الدولة".
كما اعترف البشير بأنه تلقى في وقت سابق دفعتين من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، بواقع 35 و30 مليون دولار، وفقًا للتحقيقات.
فيما قال المحقق إن البشير تلقى أيضاً أموالاً من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان.
ووفقاً لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن الكشف عن الدعم السعودي الإماراتي من شأنه أن يعزز المخاوف من أن دول الخليج تسعى إلى تعزيز مصالحها من خلال صفقات سرية مع الحكام ووسطاء السلطة الرئيسيين في السودان. في الوقت الذي يتمتع الجيش السوداني بعلاقات قوية مع دول الخليج، حيث ساعد في الحرب السعودية الإماراتية في اليمن.
اقرأ أيضاً: المحقق في ملف البشير: الرئيس المعزول تلقى 90 مليون دولار من ولي العهد السعودي
وذكرت "الجارديان" أنه تم تركيز الكثير من الاهتمام على الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي قادت حملة ضد المتظاهرين، وذلك بعد أن سافر إلى مدينة جدة السعودية بعد وقت قصير من سقوط البشير؛ للقاء ولي العهد السعودي.
وبدوره، قال محامي البشير أحمد إبراهيم الطاهر إن موكله بريء من تهم الفساد، مضيفاً: "نحن واثقون للغاية من أن موكلنا غير مذنب وأن المحكمة ستتخلى عن هذه التهمة بسرعة".
الرئيس المخلوع
تم عزل الرئيس السابق، الذي تولى السلطة في انقلاب عام 1989، بعد شهور من الاحتجاجات، وهو الآن محتجز في سجن كوبر بالعاصمة.
وفي إبريل الماضي، قال الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي يرأس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم حاليًا للسودان، إنه تم ضبط أكثر من 113 مليون دولار نقدًا بثلاث عملات من مقر إقامة البشير.
اقرأ أيضاً: البشير يبتسم داخل القفص.. هل يوجه رسالة؟ (صور)
إن البشير يخالف القوانين التي فرضها هو نفسه عندما أصدر مرسومًا يجعل من غير القانوني امتلاك أكثر من 5000 دولار بعملات أجنبية خلال حالة الطوارئ.
وعانى السودان من ارتفاع معدلات الفساد خلال حكمه، ليحتل المرتبة 172 من أصل 180 دولة في مؤشر كشف الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.
وفي محاولة لقمع الاحتجاجات التي اندلعت ضد حكمه في ديسمبر من العام الماضي، فرض البشير حالة الطوارئ على مستوى البلاد في 22 فبراير.
اقرأ أيضاً: اعترافات البشير أمام المحكمة: خليفة بن زايد أعطاني مليون دولار في "ظرف جواب"
وفي مايو الماضي، قال المدعي العام إن البشير وجهت إليه تهمة قتل المتظاهرين أثناء المظاهرات المناهضة للحكومة التي أدت في النهاية إلى سقوطه.
كانت الاحتجاجات اندلعت ضد حكم البشير في البداية في 19 ديسمبر بعد أن رفعت حكومته سعر الخبز ثلاثة أضعاف، ولكنها امتدت في النهاية إلى مطالب بإقالة النظام بعد سنوات من الفساد والقمع.
فما كان من الجيش إلا أن أطاح به، بعد أن نظم آلاف المتظاهرين اعتصاما خارج مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وسط الخرطوم في 6 أبريل الماضي.
ووقع المجلس العسكري الحاكم وقوى إعلان الحرية والتغيير، أمس السبت، اتفاقًا لتقاسم السلطة، مما يمهد ظاهريًا الطريق أمام حكومة يقودها مدنيون بعد شهور من المحادثات.
مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية
من جانبها، وجهت المحكمة الجنائية الدولية تهم أكثر جدية ضد البشير، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية؛ لدوره في حرب دارفور في أوائل العقد الأول من القرن العشرين.
وقُتل أكثر من 300 ألف شخص ونزح 2.5 مليون إثر هذا النزاع، بينما لا يزال مئات الآلاف يعيشون في ظروف فقيرة، وفقًا للأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة.
كانت المحكمة الجنائية الدولية تطالب، لسنوات، بمحاكمة البشير بسبب تورطه في هذه المأساة، مجددةً دعوتها بعد إقالته من السلطة.
إلى ذلك، حذرت منظمة العفو الدولية ، الأسبوع الماضي، من أن محاكمته للفساد يجب ألا تحجب التهم الأكثر خطورة التي يواجهها في مدينة لاهاي، مقر المحكمة الجنائية الدولية بهولندا.
وقال "جوان نيانيوكي" من منظمة العفو الدولية: "في حين أن هذه المحاكمة خطوة إيجابية نحو المساءلة عن بعض جرائمه المزعومة، إلا أنه لا يزال مطلوبًا بسبب جرائم بشعة ارتكبت ضد الشعب السوداني".
وأضاف "نيانيوكي": "لقد تهرب عمر البشير من العدالة لفترة طويلة، في الوقت الذي لا يزال ضحايا الجرائم المروعة ينتظرون العدالة والتعويضات منذ أكثر من عقد من الزمان منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول أمر بالقبض عليه".