هو واحد من أجمل وأعرق المساجد، التي بقيت في مصر شاهدًا على حقب تاريخية هامة، إنه مسجد الحاكم بأمر الله، الذي يقع في بداية شارع المعز لدين الله بالقرب من بوابتي الفتوح والنصر.
والمسجد أتم جزء كبيرا من بنائه العزيز بالله، حيث خطب فيه وصلى الجمعة في الرابع من رمضان سنة 381 هـ (991م)، إلا أنه توفي قبل أن يكتمل البناء، ولما تولى ابنه الحاكم بأمر الله الخلافة أمر وزيره يعقوب بن كلس أن يتم بناء الجامع وانتهى البناء سنة 403ه.
علي الجانب الآخر، يعتبر مسجد الحاكم بأمر الله بمثابة "الكعبة" التي يقصدها أبناء طائفة البهرة، حيث تم تخصيص مساحة لهم داخله لأداء صلواتهم الخاصة، كما يحتفلون فيه بمولد سلطانهم محمد برهان، حيث تقام احتفالات على مدار أسبوع كامل، ويزدحم المسجد بالبهرة مرتدين زيهم الباكستاني المميز، حيث يؤدون الصلاة دون تفريق بين الرجال والنساء ويرددون الترانيم ويطوفون بضريح الحاكم بأمر الله في صحن المسجد، حيث يحجون إليه كل عام ويمثل قبلة البهرة في مصر، ليتدافعوا بعد ذلك يشربون من بقعة من أرض الجامع يعتقدون أن الحاكم بأمر الله شرب منها قبل أن يطوفوا رافعين الرايات والاعلام في شارعي المعز لدين الله الفاطمي والجيوشي والعودة مرة أخرى الى المسجد ليؤدوا صلاة الظهر، وبعدها يخرجون الى الشارع يوزعون الصدقات والأموال على الفقراء طالبين منهم الدعاء للسلطان محمد برهان الدين بالعمر المديد.
وكذلك يعتقد البهرة أن المهدي المنتظر أو الحاكم بأمر الله سيبعث من أحد الآبار السبعة داخل مسجده، وذلك على الرغم من الروايات التاريخية العديدة التي تؤكد أن الحاكم لم يكن سوى "خليفة مجنون"، لما أصدره من قرارات غريبة في فترة حكمه، منها صلاة التراويح فى مصر لمدة عشر سنوات، كما منع المصريين من أكل الملوخية والجرجير وقصرهما على نفسه وبلاطه ومعاونيه، أى إنها أصبحت أكلة أرستقراطية وذلك كان بلا مبرر واضح أو سبب مقنع، أيضًا أمر بأن يؤذن لصلاة الظهر فى أول الساعة السابعة ويؤذن لصلاة العصر فى أول الساعة التاسعة، ومنع بيع الأحذية للسيدات حتى يجبرهن على التزام منازلهن، كما أمر بألا يباع شىء من السمك بغير قشر، وألا يصطاده أحد من الصيادين.
أما أبرز ما يميز مسجد الحاكم بأمر الله، هي الستائر الخضراء التي توضع به، حيث تعتبر صلاة المغرب يوم الخميس هي الصلاة المقدسة لدى طائفة البهرة، وعند حلولها يحاط المسجد بالستائر الخضراء من جميع الاتجاهات، وتتوافد جموع المصلين على المسجد قبيل الآذان، حيث يرتدي الرجال جلابيب قصيرة وسراويلا وطاقيات مزركشة، ويجلسون جميعا للوضوء، ليس في المكان المخصص للوضوء بل يتجمعون حول بركة ماء في صحن المسجد، وعندما ينتهي المصلون، يبدأ البهرة صلاتهم.