يبدو أن استكبار المسئول وعناده، ورغبته في إشباع غروره بفرض نفوذه، هم الأهم لدى البعض من مصلحة المواطنين وقضاء حوائجهم والتغلب على آلامهم وأوجاعهم.
هذا المعنى هو ما جسده موقف أحد مسئولي "صحة قنا" قبل خمسة أعوام، حيث اتخذ قرارا بإغلاق "مستشفى الرمد"، وهو المستشفى الأول المتخصص في أمراض العيون على مستوى صعيد مصر، لا لسبب إلا لفرض إرادته على الأطباء بالمستشفى، حتى لو تسبب ذلك في الإضرار بالمواطنين، وهو الضرر الذي لا يزال واقعا بهم حتى اليوم.
انتزع منه الضمير والرحمة، ولم يبال للوجع الذي أصاب به الغلابة من أبناء محافظته والمحافظات المجاورة، ولم يدري كم مريضاً تأذى بعناده، ولم يدرك العبء الذي ألقي على كاهل مرضى العيون غير القادرين على تكاليف العلاج الباهظة في العيادات الخاصة.. فقط لم يفكر سوى في سلطته وأنه صاحب منصب وإدارة، فأمر بغلق "مستشفى الرمد" بقنا بحجة التطوير، وذلك بسبب خلاف بينه وبين أطباء الرمد، ولمعارضتهم لأحد قراراته.
ما وراء الغلق
أكد مصدر لـ"أهل مصر"، أنه في عام 2014 حدث خلاف بين الأطباء وأحد المسئولين بصحة قنا، حيث كان بمستشفى الرمد كثافة في عدد الأطباء، فأراد المسئول توزيع الأطباء بين مستشفى الرمد ومستشفى اليوم الواحد حيث يقضي كل طبيب بكل مستشفى 3 أيام فقط، ولاقى هذا القرار رفضا من قبل جميع الأطباء بمستشفى الرمد وذلك لبعد مستشفى اليوم الواحد، فلم يرض اعتراضهم المسئول، ولم يكن في استطاعته إجبارهم، فاتخذ القرار بغلق مستشفى الرمد بحجة صدور قرار إزالة للمبنى وإعادة تطويره، وقام هذا المسئول بتوزيع الأطباء والعاملين بمستشفى الرمد على مستشفى اليوم الواحد، ومستشفى قنا التخصصي، ومستشفى قنا العام، فيما لم يتم ظهور أي أوراق خاصة بقرار إزالة أو تطوير للمستشفى.
كما أمر المسئول أيضاً بنقل مهام مستشفى الرمد إلى مستشفى اليوم الواحد بجوار مصنع الغزل والنسيج، وبافتتاح قسم الرمد بها، وهي منطقة صحراوية ليس لها مواصلات متاحة إلا المواصلات الخاصة، فوقع قراره على قلوب مواطني محافظة قنا والمحافظات المجاورة كالكارثة، لبعد المسافة، ولأنه حول صرحا كاملا إلى غرفة بمستشفى، فهو لم يغلق مكانا بل أغلق صرحا وتاريخا وتراثا للمحافظة ولم يؤنبه ضميره قط، ومؤخراً تم نقل قسم الرمد من مستشفى اليوم الواحد إلى مستشفى قنا العام، في غرقة لا يتوافر بها الأطباء باستمرار.
تقول "عجيبة. ك"، مسنة، من مركز الوقف بقنا، إنها مريضة عيون تعاني من استغلال أطباء العيون بالعيادات الخاصة وتطلق عليهم " جزارين" لما يفعلونه من استغلال في ثمن الكشف والأدوية بالاتفاق مع الصيدليات للتجارة بالمواطن، وأنها لا تستطيع تحمل الانتظار للكشف بغرفة صغيرة بمستشفى قنا العام، ويكون الكشف بسرعة البرق وتأدية واجب فقط، بينما كان مستشفى الرمد يقدم خدمات متكاملة وبه عدد كاف من الأطباء لمساعدة المرضى من أدوية وإجراء عمليات جراحية لكل من يحتاج لها.
وقال عصام أبوزهرة، عامل، ولديه والدته مريضة عيون، إنه لا يذهب إلى قسم الرمد بمستشفى قنا العام بوالدته لسوء الخدمة والإهمال، وإنما يضطر للذهاب إلى قسم الرمد بالمستشفى العسكري، ولكن أسعارها مثل الخاص فهي لا تتبع وزارة الصحة فكل مواطني محافظة قنا يعانون منذ غلق مستشفى الرمد حتى الآن، ولا يوجد ما يثبت أنه أغلق للتطوير، أو البدء في ترميمه، وكل الأمر أن هناك يافطة "مغلق للتطوير".
يذكر أن مستشفى الرمد بقنا، تم وضع حجر الأساس له عام 1921 من قبل الملك فؤاد، عندما زار محافظة قنا وكانت تسمى "الزيارة السلطانية" وبصحبته أعضاء الحكومة وذلك لتفقد عدة مشروعات من ضمنها مستشفى الرمد، وكان المستشفى الأول المتخصص في أمراض العيون على مستوى الصعيد، والذي تم بناؤه بالجهود الذاتية من قبل مواطني محافظة قنا من مركز أبوتشت حتى إسنا بالأقصر حالياً، وفي ذلك الوقت تبرع أهالي قنا بمبلغ 7680 جنيه لإنشاء المستشفى وخدمة المواطنين بالمجان.
ظل مستشفى الرمد يخدم كافة المواطنين بالمجان وصرف الأدوية لهم بأسعار بسيطة، وكان يجرى به العديد من العمليات بالمجان لغير القادرين، وكان يد العون لكبار السن والغلابة، وفي عام 2014 تم غلق مستشفى الرمد بحجة التطوير، ونقلت مهامه إلى مستشفى اليوم الواحد بقنا، ومنذ عام 2014 حتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء خاص بالمستشفى سوى تعليق "يافطة" مغلق للتطوير.