قالت وكالات الإغاثة إن الصومال يواجه أزمة إنسانية جديدة حيث أصبح أكثر من مليوني شخص مهددون الآن بالجوع الشديد، فيما تشير آخر التقييمات إلى أن 3 ملايين شخص غير متأكدين من حصولهم على الوجبة التالية.
تأتي حالة الطوارئ الجديدة هذه بعد عامين من تجاوز تهديد كارثة كبرى في الدولة الواقعة في شرق إفريقيا، وذلك بمساعدة من المجتمع الدولي في الوقت المناسب.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية على موقعها الإلكتروني، فإن الخبراء يصفون الأزمة بأنها "حالة طوارئ مناخية"، ويقولون إن القرى والمجتمعات في هذا البلد لا تزال تكافح من أجل التعافي من الجفاف الطويل الذي انتهى عام 2017.
وحتى الآن، وعد المانحون بأقل من نصف المليار دولار الذي تقول الأمم المتحدة والوكالات الأخرى إنه ضروري للتقليل من حدة الأزمة.
إلى ذلك، يقول مسؤولو المساعدات إن متوسط عدد الأشخاص الذين تم الوصول إليهم من خلال المساعدات الغذائية من يناير إلى مايو من هذا العام كان أكثر بقليل من نصف العدد الإجمالي خلال الأشهر الستة السابقة، حيث أُجبرت العديد من الوكالات على تقليص عدد المناطق المستهدفة بالمساعدات؛ لأن عملية استئناف الإغاثة الإنسانية إلى الصومال لم يكن لها التمويل الجيد.
من جانبه، قال ريتشارد كراذرز، المختص بالشأن الصومالي في لجنة الإغاثة الدولية: "يجب على المجتمع الدولي أن يكثف من استجابته الآن، وإلا فإن الكثير من الأطفال في الصومال، وخاصة الأطفال دون سن الخامسة، سوف يموتون من الجوع".
ووفقاً لـ"الجارديان"، فإن الأزمة تفاقمت بسبب استمرار الصراع بين حركة الشباب، تلك الحركة المتطرفة التي تقاتل منذ أكثر من عقد من الزمان لفرض حكم ديني صارم على الصومال، والقوات الحكومية، التي تدعمها القوات الإقليمية والقوات الجوية الأمريكية.
هربت شريفو علي محمود، 30 عامًا، من مسقط رأسها في شابيل الوسطى، إحدى المناطق الزراعية في الصومال الأكثر تضرراً من الجفاف، في فبراير الماضي.
تقول محمود، التي سافرت لمدة ثلاثة أيام مع أطفالها السبعة للوصول إلى العاصمة مقديشو، حسبما نقلت عنها "الجارديان": "ضرب الجفاف قريتنا، اعتدنا على زراعة الذرة في المزرعة لكنها أصبحت جافة، لم يكن لدينا شيء نأكله".
وأضافت: "الحياة صعبة للغاية هنا، لا نحصل على ما يكفي من الماء والطعام، وإذا عدت إلى قريتي، أخشى أن تكون حالة الجفاف القاسية مريرة".
اقرأ أيضاً: "الشباب" الصومالية تستهدف قاعدة عسكرية بسيارتين مفخختين جنوب البلاد
وأفاد تقرير الصحيفة البريطانية بأن الفترة الممتدة من أبريل إلى يونيو تعد واحدة من أكثر الفترات جفافًا منذ أكثر من 35 عامًا. وفي السنوات الأخيرة، زاد تواتر ومدة نوبات الجفاف هذه. وجاء موسم الأمطار في أعقاب ظروف حارة وجافة بصورة غير طبيعية منذ شهر أكتوبر من العام الماضي وتسببت جزئيا في الأعاصير في جنوب المحيط الهندي.
ووفقاً للتقرير، فإن ثلثا سكان البلاد يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون اعتمادًا كليًا على الأمطار في زراعة محاصيلهم وتربية ماشيتهم.
قال نور علي إبراهيم، المزارع البالغ من العمر 53 عامًا وأب لـ11 ولد، من منطقة شابيل الوسطى، إنه سافر إلى مخيم للنازحين في حي عبد العزيز بمقديشو لأن أسرته لم تعد قادرة على البقاء على قيد الحياة عندما جفت مزرعته ولم تعد أي محاصيل تنمو".
كانت المنطقة المحيطة بقرية إبراهيم، والتي هي على بعد حوالي 40 كم إلى الشمال من مقديشو، خاضعة لسيطرة حركة الشباب، مما يجعل من الصعب على المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات هناك.
من جانبها، تحث دولة كينيا الأمم المتحدة على إدراج حركة الشباب تحت نفس العقوبات المفروضة على تنظيم القاعدة وداعش، لكن المانحين الأجانب يقولون إن هذه الخطوة قد تمنع وصول المساعدات إلى الملايين.
اقرأ أيضاً: ضربة جوية أمريكية تقضي على منسق عمليات "داعش" في الصومال
ولكن، بحسب ما ذكر التقرير، يمكن أن يدخل الإدراج المقترح حيز التنفيذ اليوم الخميس، وقد يعني ذلك أن المنظمات التي لديها أي تفاعل مع المتطرفين ستواجه عقوبات خطيرة.
بدوره، قال إريك شوارتز، رئيس منظمة اللاجئين الدولية: إن "مثل هذا الإجراء سيكون له أثر في تجريم المساعدات الإنسانية، وأي إجراء من شأنه أن يؤثر على تقديم المساعدات سيكون له آثار خطيرة وكبيرة للغاية".
وذكر التقرير أن حركة الشباب مستهدفة بالفعل بموجب عقوبات أوسع نطاقا فرضتها الأمم المتحدة على الصومال، التي تعتمد بشدة على المساعدات بعد ثلاثة عقود من الصراع والخراب الاقتصادي.
حاليًا، تُعفى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من هذه العقوبات، التي تمكنها من تقديم مساعدات عاجلة دون مقاضاة عندما تغامر بالدخول إلى مناطق تسيطر عليها حركة الشباب.
لطالما حاولت تلك الجماعة المتمردة المرتبطة بتنظيم القاعدة توزيع المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها، وتسعى غالبًا، وفقاً لتقرير "الجارديان"، إلى فرض ضرائب على المنظمات غير الحكومية.
قال إبراهيم إن المساعدات الغذائية لم تصل إلى قريته لأن حركة الشباب طلبت أموالاً من المنظمات التي أرادت إيصالها.
وأضاف: "اعتقلت حركة الشباب بعض العاملين في المنظمات غير الحكومية. أخبرونا الناس أننا إذا بقينا هنا، فلن تأتي أي مساعدات غذائية بسبب حركة الشباب".
تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف مليون نازح موجودون الآن في مقديشو، وفقاً للجنة الوطنية الصومالية للاجئين والمشردين داخلياً (NCRI).
وقال نورو إسماعيل، مسؤول تنسيق المساعدات في (NCRI): "نحن قلقون من أن الوضع سيكون أسوأ إذا لم يتم توسيع التنسيق بين الحكومات المحلية ومنظمات الإغاثة في الأشهر القليلة المقبلة".
غادرت موهوبو عدن، 41 عامًا، من بلدة ونلوين، الواقعة على بعد 90 كم من العاصمة، عندما ماتت جميع ماشيتها. وقالت: "بعد نفاد جميع حيواناتنا، لم يكن لدينا شيء نأكله ونفد مالنا، ثم أخبرنا جارنا بالذهاب إلى مقديشو للحصول على مساعدات غذائية. أختي كانت مريضة جدا وضعيفة بسبب سوء التغذية. لقد تركنا ونلوين في الصباح ولكن مرضها ازداد سوءًا وتوفيت".
وأضافت: "إذا استطعت استعادة بقراتي، فلن أقيم هنا في المخيم؛ فأتمنى أن أكسب حياتي كراعٍ بدلاً من البقاء في مخيم للنازحين بشكل يائس ولا أحصل على أي شيء".