فى تماهٍ واضح مع النظرية التوسعية الصهيونية التى طبقتها إسرائيل فى الأراضى العربية، تقوم تركيا حاليا بالتأسيس لمنطقة حزام أمنى فى شمال سوريا، ولكن بشكل أكثر امتدادا، تحت اسم مناطق خفض التصعيد. والمفارقة أن مناطق خفض التصعيد فى شمال تركيا تم الاتفاق عليها بموجب تفاهم تركى -روسي- إسرائيلى بدون أن يكون للحكومة السورية ولا حتى للفصائل السورية العملية لتركيا أى دور فى هذا الاتفاق، وهو ما أدى لغضب بين صفوف الفصائل السورية، التى شعرت لأول مرة بأن حليفها التركى وجَّه لها صفعة مؤلمة، بعد أن استغلها فى احتلال مناطق واسعة من الأراضى السورية؛ بحجة خفض التصعيد. وتقع "مناطق التصعيد" فى مقدمة محادثات السلام الحالية فى جنيف، وقد صممت روسيا الأمر حسب الاحتياجات الجيوسياسية لكل أصحاب المصلحة المتورطين فى الأزمة؛ مما أدى فعليا إلى تقسيم غرب سوريا.
يدعو الاتفاق الموقع بين روسيا وتركيا وإيران إلى إنهاء الأعمال العدائية بين المعارضة والقوات الحكومية؛ لخفض التصعيد فى أربع مناطق، فهناك صفقة تهدف إلى الحد من العنف فى سوريا مرة أخرى، حيث تجتمع القوى الإقليمية فى كازاخستان؛ من أجل العثور على محادثات خامسة تهدف إلى إنهاء حرب دموية الآن فى عامها السابع.
لا تزال المناقشات جارية حول تفاصيل الصفقة، ولكن فى الوقت الحالى يمكن أن تحصل تركيا على دور مباشر فى التأثير على الديناميات المحلية فى منطقة إدلب الشمالية الغربية، على طول الحدود التركية.
يمكن للأردن أن يكسب شرعية إضافية للسيطرة على المناطق الجنوبية الغربية من درعا والقنيطرة، على حدود مرتفعات الجولان، التى تسيطر عليها إسرائيل والمملكة الهاشمية.
كضامن للاتفاقية سيكون لروسيا وإيران، إلى جانب الحكومة السورية وحزب الله، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران، اليد العليا غير المسبوقة لاحتواء جيوب المعارضة الرئيسية الأخيرة وهزيمتها تدريجيا فى شرق دمشق وريف حمص الشمالي.
يمكن لإيران تعزيز هدفها المتمثل فى تأمين المناطق الوسطى والجنوبية على طول الحدود اللبنانية وقرب مرتفعات الجولان. فقد أبدت الجمهورية الإسلامية أيضًا اهتمامًا بتوسيع نفوذها الثقافى والسياسى فى مدينة حلب وحولها، فى حين أن روسيا يمكن أن تعزز قبضتها على طول الساحل والمناطق المركزية الحيوية التى تربط محافظة حماة وتدمر فى حمص بالعاصمة دمشق.
وفى مايو وقعت إيران وروسيا، بتفاهم إسرائيلي، اتفاقا لإنهاء الحرب فى سوريا. وتدعو الخطة إلى وقف الأعمال القتالية بين الجماعات المعارضة والقوات، التى تقاتل نيابة عن حكومة بشار الأسد فى أربع مناطق تسمى "مناطق التصعيد" فى المناطق التى تسيطر عليها المعارضة فى البلاد، مع روسيا وتركيا وإيران.
تغطى الصفقة أربعة مجالات عامة:
المنطقة 1:
محافظة إدلب، وكذلك المناطق الشمالية الشرقية من محافظة اللاذقية، والمناطق الغربية من محافظة حلب والمناطق الشمالية من محافظة حماة، ويوجد أكثر من مليون مدنى فى هذه المنطقة، وتسيطر فصائل المعارضين على تحالف مرتبط بالقاعدة.
المنطقة 2:
جيب الرستن والتلبيسة فى محافظة حمص الشمالية، ويوجد حوالى 180ألف مدنى فى هذه المنطقة، وتشمل شبكتها من الجماعات المعارضة مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة.
المنطقة 3:
الغوطة الشرقية فى ريف دمشق الشمالي، ويسيطر عليها جيش الإسلام، وهو فصيل متمرد قوى، كان يشارك فى محادثات الآستانة، وهو موطن لحوالى 690 ألف مدني، ولا تشمل هذه المنطقة منطقة القابون المجاورة المحاصرة من قبل الحكومة.
اقرأ أيضا..موسكو: الضربات الأمريكية في إدلب تهدد وقف إطلاق النار
المنطقة 4:
الجنوب الذى يسيطر عليه المتمردون على طول الحدود مع الأردن، ويشمل أجزاء من محافظتى درعا والقنيطرة. ما يصل إلى 800 ألف مدنى يعيشون هناك.
وقد حدد الاتفاق المناطق التى يجب على المعارضين والقوات الحكومية وقف القتال فيها، بما فى ذلك الغارات الجوية، لمدة ستة أشهر، ويعتقد أن أكثر من 2.5 مليون شخص يعيشون فى تلك المناطق.
سوف تستمر روسيا فى التحليق فوق المناطق، لكن الامتناع عن القيام بغارات جوية سيسمح للحكومة السورية بتقديم مساعدات إنسانية "غير معاقة" إلى المناطق التى يسيطر عليها المعارضون، وسيتم استعادة الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء، حيث تم قطعها.
انخفض العنف بشكل ملحوظ فى جميع المجالات الأربعة فى الأسابيع الأولى بعد الإعلان عن الصفقة، على الرغم من تصاعدها فى درعا.
لكن الأطراف فشلت فى الوفاء بالموعد النهائى المحدد فى 4 يونيو؛ لتحديد الحدود الدقيقة للمناطق، ولا يزال من غير الواضح كيف سيتم ضبط الشرطة ومن سيقومون بها.
من المتوقع أن تساعد قوات الدول الثلاث فى تأمين المناطق الآمنة، لكن مسؤولاً فى هيئة الأركان العامة للجيش الروسى قال إن الدول الأخرى قد يكون لها دور فى نهاية المطاف فى فرض مناطق خفض التصعيد.
فتركيا، التى ضاقت أجندتها فى سوريا بشكل كبير خلال العام الماضى، داعم رئيسى للمعارضين، وقواتها تحتل مساحة كبيرة من الأراضى فى شمال البلاد.
وقد دفعت تركيا بتعزيزات عسكرية فى مناطق خفض التصعيد فى سوريا، خاصة إدلب، عبر نقاط المراقبة، وفى تفاصيل بشكل أكبر أدخل الجيش التركى رتلين إلى إدلب، فيما رافقت دورية عسكرية تركية عناصر من المعارضة السورية، كذلك انتشر جنود أتراك قرب قرية "الكماري" جنوب حلب.
وتستغل أنقرة الهدنة الهشة فى مناطق خفض التصعيد، خاصة إدلب؛ لتعزز وجودها من خلال نقاط المراقبة المنتشرة فى المنطقة، حيث بدأت الخطة بدخول رتل عسكرى من الحدود التركية، عبر معبر كفر لوسين، بعدها دخل رتل تركى جديد إلى إدلب.
كما قام الجيش التركى بتسيير دورية عسكرية تتكون من أربع آليات، وتحمل نحو 25 جنديا، كانت هذه الدورية على طريق دمشق- حلب الدولى شمال البلاد، ترافق عناصر من المعارضة السورية المسلحة.
بحسب مراقبين، فإن هذه التحركات التركية تعكس رغبة أردوغان فى التوغل أكثر فى العمق السورى بمحافظتى إدلب وحماة، بعد سيطرته على جرابلس وإعزاز وعفرين.
أما دبلوماسيا، فقد أعلنت موسكو تمسكها بالاتفاق حول إقامة منطقة منزوعة السلاح فى إدلب، وهو مطلب تستعجله تركيا، لكنها تخرقه بتوغلاتها العسكرية.
وقال "محمد عطوان" المحلل السياسى فى الشأن السورى فى تصريح خاص لـ"أهل مصر" إن الهدف الأساسى الأول لمناطق تخفيض التصعيد هو احتواء المعارضة المسلحة كما فعلوا فى الفترة بين فبراير وإبريل فى إدلب وريف حماة، ومدينة درعا والغوطة الشرقية.
وأضاف: بعد ذلك يمكن أن يساعد الاتفاق رسميا فى إضفاء الشرعية على الاستراتيجية الروسية الإيرانية السورية؛ لتطويق المسلحين وهزيمتهم فى نهاية المطاف فى الغوطة وريف حمص الشمالي، كما يمنح الاتفاق تركيا والأردن وحلفاءهما دورًا أكثر وضوحًا فى احتواء مجموعات المعارضة المحلية والسيطرة عليها فى دائرة نفوذها المنفصلة.
قد تواجه تركيا صعوبات فى إدلب، حيث يكون تأثير أنقرة العسكرى والسياسى أقل رسوخًا، ويجب التفاوض عليه مع قطر والسعودية، وهى نقطة استراتيجية على طريق حماة حلب السريع، آخر طريق يسيطر عليه المعارضون، ويربط درعا وحلب، بالقوات الموالية، غير أن الأمر الواضح هو أن القضية ستكون فى مقدمة المفاوضات، التى يتم تقديمها كوسيلة لتخفيف معاناة المدنيين.
نقلا عن العدد الورقي.