"رُضع تحت رحمة الشوارع".. تعددت المصطلحات فمنهم من ينعتهم بـ"مجهولي النسب" ومنهم ما يصفهم بـ"اللقطاء"، لكن مهما تعددت الأسماء تبقى الحقيقة واحدة لا يختلف عليها وهى أنهم بشر من "لحم ودم" لا ذنب لهم فيما فعلت الحياة بهم ليعيشوا ضحايا يدفعون طول حياتهم ثمن علاقات خاطئة ليس لهم فيها ذنب من قريب أو من بعيد، يعصف بهم ألف سؤال وسؤال لا يجدون لها إجابات شافية.
تحت أرصفة الشوارع، وبجوار المقابر والمستشفيات أو دورات المياه العامة، وأيضاً بالقرب من نفايات القمامة، أطفال وضعوا من قبل بشر لا يعرفون للرحمة عنواناً، نٌزعت من صدورهم قلوبهم ووضعت مكانها أحجار من الصوان الصُلب، يحرمون أطفالا من حقهم في أن يعيشوا كباقي الأطفال بأمن وأمان دون أن تفارق وجوههم ابتسامة الطفولة.
وفى ظل انتشار هذه الظاهرة، يرصد "أهل مصر" ظاهرة "التخلص من الرضع" التى باتت منتشرة داخل معظم مدن وقرى محافظة الشرقية، كما يتواصل مع عدد من الخبراء ورجال القانون؛ لمحاولة معرفة وفهم أسباب انتشار الظاهرة.
في 9 سبتمبر الجارى، شهد هذا التاريخ واقعتين مأساويتين لطفلين مختلفين.. البداية كانت بعثور أهالى قرية البيوم على طفل رضيع، بمدخل شارع مؤدى لمقابر القرية، وتبين أن الطفل بصحة جيد، والثانية كانت بعثور عدد من الأهالى على طفل رضيع، ملقى على شاطئ مصرف بقرية بالشرقية، تم إيداعمها فى حضانة.
اقرأ أيضا: النيابة تطلب سرعة التحريات حول العثور على طفل رضيع بالجمالية
" النظرة القانونية"
قال المحامي أيمن محفوظ"، ان الدولة أولت للطفل رعايته الكاملة واوصت له حقوق ورعاية خاصة و سنت عقوبات على أي انتهاك لحقوق الطفل وأصدرت قانونا خاصا بحماية الطفل وهو "قانون الطفل المصرى"، رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008.
وقال "محفوظ" فى تصريحات خاصة لـ" اهل مصر"، إن القانون لم يجرم عقوبة إهمال الأسرة فى حق الأطفال، واكتفى فى مادته الثامنة بمعاقبة كل من يرتكب انتهاكا فى حق الطفل بالحبس من 6 أشهر وحتى 3 سنوات، بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وعفت من العقوبة الوالدين في حالة الإهمال الذي ينشأ عنه وفاة الطفل فلا عقوبة عليه حفاظا على حالة الوالدين النفسية من فقد طفلهما.
وتابع: أما من يعرض حياة الطفل للخطر فنص القانون على "كل من عرض للخطر طفلًا لم يبلغ سنه سبع سنين كاملة وتركه فى محل خال من الآدميين أو حمل غيره على ذلك يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين".
واختتم محفوظ، بطلب يُوجه إلى التشريعيين بضرورة سن قوانين أكثر ردعا وبعقوبات تصل للإعدام بجرائم إلقاء الأطفال في الشارع حتي لا تتكرر تلك الحوادث المؤسفة التي ازدادت في الآونة الأخيرة.
"وجهة نظر علماء النفس والاجتماع"
الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي، قال: الموضوع أصبح منتشرا جدا، ولكن لا يجب نعته بـ"الظاهرة"، فلو بات ظاهرة لأصبح هناك نسبة ٢٥% من البنات يقدمن على فعل ذلك الأمر وترك أطفالهن في الشوارع.
وأشار "فرويز" فى تصريحات خاصة لـ" أهل مصر"، إلى وجود عدة أسباب وراء انتشار الأطفال مجهولي النسب في مجتمعنا، أهمها انتشار الفقر وتفشي العلاقات غير الشرعية بين الجنسين، واستمرار بعض العادات الجاهلية لدى بعض الناس ونظرة متخلفة لعدم الاعتراف بالإناث والتخلص منهن.
واستطرد قائلاً: الموضوع ليس على وجه الحداثة، بل أصبح متفشيا بين أنحاء المحافظات أن تنشأ علاقة غير شرعية بين جنسين بسبب ضيق الظروف الاقتصادية تدفعهم إلى ترك الطفل أمام مسجد أو كنيسة حسب ديانته خوفا من الفضيحة والبحث له عن من يتولاه بصورة أفضل.
وأضاف فرويز: فى الآونة الأخيرة تفشى الموضوع بصورة غير طبيعية مما جعل الدولة تفتح دور الرعاية أي "الملاجئ"، ولكن القائمين عليها للأسف موظفون وهذه المهنة تحتاج عاطفة قوية، فالأم البديلة مجرد موظفة تؤدي وظيفة مقابل أجر.