ادعى تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن العالم العربي سادته حالة من الصمت تجاه تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن تعهده بضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت فضلاً عن المستوطنات اليهودية داخل الضفة الغربية، للسيادة الإسرائيلية.
وذكر التقرير أنه في الماضي كان إذا حدث وتعهد أي رئيس وزراء لإسرائيل بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة، فإن هذا التعهد كانت يقابل بغضب شديد في جميع أنحاء العالم العربي. وذلك على خلاف حالة الصمت العربي التي أعقبت تصريحات "نتنياهو" الأخيرة.
وأفاد التقرير أن أسباب هذا الصمت كانت كثيرة، منها أنهم اعتبروا هذه التصريحات مجرد لعبة يلعبها رئيس الوزراء الإسرائيلي مع ناخبيه اليمينيين، وأن إسرائيل لديها بالفعل سيطرة فعلية على هذه الأرض، أو لأن القضية الفلسطينية لم تعد تثير المشاعر في جميع أنحاء المنطقة العربية كما كانت تفعل من قبل.
اقرأ أيضاً: أول تعليق من الأردن على تعهد "نتنياهو" ضم ثلث الضفة
قال الصحفي الفلسطيني "داود كتّاب": "قد يكون هناك اهتمام من العرب في البلدان الأخرى، لكن هل سينقلون قواتهم؟ لا، هل سيقومون بسحب أموالهم من البنوك الأمريكية؟ لا".
ويأتي تعهد "نتنياهو" بعد التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط التي دفعت القضية الفلسطينية إلى أسفل قائمة أولويات العديد من القادة العرب. كما يأتي بعد موافقة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على عدد من الخطوات أحادية الجانب من جانب إسرائيل تجاه المناطق المتنازع عليها الأخرى.
في جميع أنحاء المنطقة، لا تزال الدول العربية مثل سوريا واليمن والعراق تعاني من آثار انتفاضات الربيع العربي والكفاح ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، وأصبحت أكثر تركيزًا على القضايا الداخلية. وبالنسبة لممالك الخليج العربي مثل المملكة العربية السعودية، التي دعمت الفلسطينيين بقوة، أصبحت الآن أكثر قلقًا بشأن النفوذ الإقليمي لإيران، وهو مصدر قلق تتشاطره إسرائيل.
ووفقا لتقرير الصحيفة الأمريكية، فلقد تركت هذه التغييرات للفلسطينيين عددًا أقل من الحلفاء العرب الذين هم على استعداد للدفاع عن قضيتهم.
من جانبه، قال خالد الجندي، عضو هيئة تدريس بمعهد "بروكينجز" الأمريكي ومؤلف كتاب عن التدخل الأمريكي في هذا الصراع: "بالنسبة لمعظم الدول العربية، فإن القضية الفلسطينية تراجعت على جدول أعمالهم.
وزعمت "نيويورك تايمز" أن القادة العرب قد يتجنبون إدانة "نتنياهو" وخططه لأنهم غير مستعدين أو غير قادرين على مواجهته.
اقرأ أيضاً: خبير سياسي يكشف سبب رغبة نتنياهو في ضم "غور الأردن" (فيديو)
قال "الجندي": "إنه لأمر يثير الترقب إذا قالوا مثلاً: "نحن نعارض هذا، وهذا أمر فظيع"، وعندها ستتوقع الشعوب العربية بأنهم سيفعلون شيئًا حيال القضية الفلسطينية.
وأضاف: إن هذا لا يعني أن الشعوب العربية لا تهتم، بل يظل دعم فكرة الدولة الفلسطينية مسألة ما زالت تمثل إجماعًا واسعًا في جميع أنحاء العالم العربي، حتى لو لم يكن الناس يظهرون ذلك.
وأضاف التقرير أن القضية حساسة بشكل خاص بالنسبة للأردن، الذي هو حليف وثيق للولايات المتحدة، ولديه معاهدة سلام مع إسرائيل، لكنه يتشاطر السيطرة مع الضفة الغربية على نهر الأردن وغوره، وهي تلك الأراضي التي يسعى "نتنياهو" إلى ضمها.
من جهته، انتقد أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، أمس الثلاثاء، على موقع تويتر، تعهد نتنياهو باعتباره "تصعيدًا خطيرًا يقوض جميع جهود السلام". وكتب يقول: "سيؤدي ذلك إلى مزيد من العنف والصراع".
بدوره، لعب ترامب دوراً داعمًا لا لبس فيه لإسرائيل ضد الفلسطينيين، أفاد تقرير الصحيفة الأمريكية بأنه وفي الوقت الذي سعى الرؤساء الأمريكيون السابقون إلى الحفاظ على جو من النزاهة الأمريكية وكثيراً ما التقوا بالمسؤولين الفلسطينيين كجزء من الجهود المبذولة لدعم حل الدولتين، التقى "ترامب" بالكثير من الإسرائيليين. ولم يلتق بزعماء فلسطينيين وأمر بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، فقد غير "ترامب" السياسة الأمريكية من خلال تأييد الأعمال الإسرائيلية الأحادية تجاه المناطق المتنازع عليها، فاعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل مقر السفارة الأمريكية إلى هناك، ما يعد خروجاً عن موقف الولايات المتحدة السابق المتمثل في ضرورة تحديد وضع المدينة المقدسة من خلال المفاوضات. في الوقت الذي يرى الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المأمولة على أراضي الضفة الغربية وغزة.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يحذر نتنياهو: ضم غور الأردن يقوض فرص السلام بالمنطقة
كما اعترف "ترامب" بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل من سوريا خلال حرب عام 1967.
من جانبها، قالت "لينا الخطيب"، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتام هاوس" الأمريكي: "نظرًا لأن رد الفعل العربي على هذه التحركات كان صامتًا، فمن غير المرجح أن يثير وعد "نتنياهو" بشأن غور الأردن موجات غضب في المنطقة".
وأضافت: "إن العالم العربي سيتعامل مع هذا التعهد على أنه مجرد دعاية انتخابية في الفترة التي تسبق الانتخابات الإسرائيلية المقبلة التي يحتاج فيها "نتنياهو" إلى فوز حاسم يسمح له بتشكيل حكومة".
وغور الأردن هو أرض سهلية منخفضة على الجانب الغربي من نهر الأردن في الضفة الغربية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
تضم المنطقة الآن حوالي 11 ألف إسرائيلي يعيشون في مستوطنات يهودية وحوالي 65 ألف فلسطيني يعيشون في مدينة أريحا وفي مجتمعات زراعية ورعوية، وفقاً لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية.
اقرأ أيضاً: "نتنياهو" يطلق تصريحات استفزازية: غور الأردن سيبقى تحت سيادتنا إلى الأبد
وتقول المنظمة الحقوقية إن 90 في المائة من الأراضي تخضع بالفعل للسيطرة الإدارية والعسكرية الإسرائيلية، ويمنع الفلسطينيون من الدخول أو استخدام حوالي 85 في المائة منها.
ادعت إسرائيل منذ فترة طويلة بأن السيطرة على غور الأردن ضرورية لأمنها، وقد وصفها "نتنياهو"، أمس الثلاثاء، بأنها "حدود إسرائيل الشرقية".
وعلى الجانب الآخر، يقول الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان والعديد من الدول الأخرى إن إسرائيل لا يمكنها ضم الأراضي بشكل قانوني، تلك الأراضي التي يحتاجها الفلسطينيون لقيام دولتهم المأمولة.
من جهته، كان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قال في بيان، إن "جميع الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل والالتزامات المترتبة عليها ستنتهي" إذا ضمت إسرائيل الأرض.
وأشار آخرون إلى أن ضم إسرائيل فعلياً لغور الأردن سوف يترك معظم المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية محاطةً ومحاصرة، وربما يدق المسمار الأخير في نعش مبادرة "حل الدولتين".
قال الصحفي الفلسطيني "كتّاب" إنه لا يزال يؤيد فكرة الدولة الفلسطينية ولكن أطفاله قد تخلوا عن هذا الأمل، وشعروا بأن إسرائيل قد استولت بالفعل على الكثير من الأراضي الأمر الذي يجعل من حلم قيام دولة غير ممكناً.
واختتم: "إنهم يقولون إنه مع وجود الكثير من المستوطنات في الضفة الغربية، لا يوجد سبيل لإقامة دولة، لذا فإن الحل الأفضل على المدى الطويل هو الكفاح من أجل المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على تلك الأرض".