"اسمي ناجي العلي ولدت وين اتولد المسيح عليه السلام" تلك الكلمات كانت علي لسان الشاعر الراحل ناجي العلي الذي اغتالته يد الغدر في مثل هذا اليوم لتعلن عن رحيل اسطورة في الشعر العربي لن تتكرر وتترك سؤال لا اجابة له من قتل ناجي العلي؟.
أصبح واحدًا من أهم الفنانين الفلسطينيين، لما لا ويمتلك 40 ألف رسم كاريكاتوري قبل أن يتعرض للاغتيال على يد شخص مجهول في لندن يوم 29 أغسطس عام 1987
شكلت حياة «العلي» سلسلة ضخمة ومتصلة من التحدي منذ أن فتح عينيه على نكبة أبناء شعبه عام 1948، ولم يتجاوز العاشرة من عمره، وهم يتركون بيوتهم وأحلامهم ويلجئون إلى الدول العربية المجاورة، فلجأ مع عائلته إلى لبنان، وتحدى الفقر والجوع، لتأمين لقمة العيش، وبالرغم من هذه المعاناة فإن إيمانه كان يتجدد دوما بحتمية الانتصار مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات.
وبالرغم من مرور أكثر من ربع قرن على رحيل «العلي»، إلا أن مازال رمزًا لـ«خبز الفقراء»، ولا تزال ريشته الفنية تعبيرا عن واقع الأمة بكل حالات فرحها وحزنها، فـ«فاطمة» في رسوماته رمزا للمرأة الفلسطينية، وهي شخصية لا تهادن، رؤيتها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها، وردها يكون قاطعا وغاضبا بعكس شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، طويل القدمين واليدين، في إيحاء إلى خشونة عمله والذي يمثل رمزًا للقهر الدائم.
ولعل المتابع لهذا الرسام الكبير، يلاحظ أنه دائما ضحية لصراع الذئاب والمهاترات الموزَّعة عبر مساحة الجراح، وكثيرا ما ينكسر في العديد من رسوماته الكاريكاتورية، كما كان لوجهه المهموم نصيبا من هذه الرسومات، وصار مجرد صورة الواقع المتصدع المتردّي، كمثال الكاريكاتير، الذي يقول فيه زوج «فاطمة» باكيا: «سامحني يا رب، بدي أبيع حالي لأي نظام عشان أطعمي ولادي، فترد فاطمة: الله لا يسامحك على هالعملة».
ولم تسلم «القيادات الفلسطينية والأنظمة العربية الحاكمة» من نقده اللاذع برسوماته، فكانت «الشخصية البدينة ذو المؤخرة العارية التي لا أقدام لها تعبيرا عن هذه القيادات» المرفهة والخونة الانتهازيين. هذا بالإضافة إلى «شخصية الجندي الإسرائيلي»، والتي جسدها بطول الأنف وفي أغلب حالته يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال، وخبيثا وشريرا أمام قياداته الانتهازية، أما «الخنازير البشرية» فهي إيحاء بصورة القبح لكل المحايدين، الذين أسهموا بسكوتهم وخنوعهم في ازدياد قتامة الموقف.
«لو بقيت على قيد الحياة فسوف أفضح هذا الواقع العربي على الحيطان»، كانت هذه أبرز الكلمات التي رددها «العلي» على مدى سنوات حياته.
أما عن «أبجديات العلي الكاريكاتيرية»، فجميعها ثرية وثمينة ومنها: «العلم والقلم والأرقام» و«بيروت» تلك العاصمة اللبنانية التي كان يرى فيها «العلي» خط الدفاع الأول عن فلسطين، أما «الكوفية» فذلك «الرمز الفلسطيني» الذي استخدمه في اتجاهين متناقضين الأول كستار لـ«الشخصيات السمينة» حتى تمرر أعمالها المشبوهة، والثاني لـ«الصالحون» وهم «حنظلة وفاطمة وزينب والزلمة»، وعندما تستخدمها هذه الشخصيات فإن «الكوفية» تغدو عنوان فلسطين، ورمزًا للعمل المسلح.
وما بين هذا وذاك كان «العلي»، دائما ما كان يرى نفسه «جنديا متواضعًا» حاول أن يدلي بدلوه في معركة المصير حتى لحظة استشهاده، فأصبح رمز من رموز النضال العربي الحديث.