منذ زمن ليس ببعيد والمملكة العربية السعودية تستهدف امتلاك سلاح نووي وتعمل على الوصول إلى تحقيق هذا الهدف بكل الوسائل والآليات؛ تجلى ذلك بإعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عام 2018 بأن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا ما أقدمت إيران على ذلك، مشبهًا المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي بـ"أدولف هتلر"، ومحذرًا من نوايا إيران تجاه المنطقة، وإلى أن يتم ذلك؛ فالقرار الاستراتيجي الذي اتخذته الرياض بشأن تطوير التكنولوجيا النووية السلمية يعد من أهم القرارات الصائبة التي تعزز التنمية المستدامة للاقتصاد؛ مثلما وصفه خبراء دوليون في شؤون الطاقة، وأن هذا القرار يُمكن السعودية من امتلاك مصدر موثوق للطاقة خال من الكربون، وقد يساعدها في ذلك امتلاك المملكة بعدة خيارات لنقل هذه التكنولوجيا النووية من عدة دول مختلفة.
والسؤال هنا الذي يفرض نفسه هل السعودية بحاجة إلى الطاقة النووية؟
بحسب المؤيدين للقرار السعودي من تخصيب اليورانيوم؛ فإنهم يعتبرون هذا القرار من القرارات الحاسمة والصائبة التي ستستفيد بها المملكة؛ حيث أنها مصدرًا غير متقطع للطاقة على عكس مصادر الطاقة غير المتجددة، ومن ثم سينعكس هذا على المزيد من تنوع الاقتصاد في السوق السعودي. ولكن هناك من ينظر إلى الموضوع بشكل مختلف أو معارض لأن بناء مفاعل أو اثنين مثلما فعلت السعودية لم يسهم بإحداث تغيير جذري في الاعتماد على النفط والغاز لتوليد الكهرباء لأن كمية الكهرباء المتولدة التي ستنتج نوويا يشكل نسبة صغيرة من احتياجات السعودية للطاقة ومن ناحية أخرى عامل التكلفة؛ فالطاقة النووية باهظة التكاليف مقارنة مع بدائل الطاقة من المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كما أن تخصيب السعودية لليورانيوم قد يدخل المنطقة في مرحلة جديدة وخطيرة من سباق التسلح النووي في منطقة هي بالأساس مشتعلة، إضافة إلى أن وجود عدد كبير من مفاعلات الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط يشكل سبب من أسباب عدم الاستقرار وتهديد الأمن في المنطقة بأكملها.
دوافع وأسباب امتلاك السعودية السلاح النووي:
1) دوافع اقتصادية: أعلنت السعودية أنها تريد الاستفادة من الطاقة النووية في الأغراض السلمية من أجل برنامجها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية والذي سيبدأ بمفاعلين؛ حسبما أعلن الأمير عبد العزيز، بمؤتمر الطاقة بأبوظبي وتشديده على أهمية قطاع الطاقة ودعم اقتصاد المملكة فى كل المجالات، وأيضا الاستفادة من هذه الطاقة للتخفيف من اعتماد المملكة على الوقود الأحفوري المحدود، وذلك وفقًا لخطة الحكومة المستقبلية "رؤية 2030" والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي.
2) دوافع سياسية وأمنية: وهذه تعتبر الدوافع الرئيسية وراء تخصيب السعودية لليورانيوم، وترى المملكة في تخصيب اليورانيوم وبناء المفاعلات النووية حق من حقوقها المشروعة نظرا لتعاملها مع الدول العظمى والوقوف أيضا ضد إيران التي تخطت حدود المعقول بالنسبة للدول التي تمتلك الطاقة النووية، وترى السعودية كذلك أنه إذا لم يتم منع إيران بالكامل من تخصيبها لليورانيوم فسيكون من حقها أيضا كدولة لها مقومات كبرى أن تمتلك استراتيجية نووية مثل طهران.
الجدير بالذكر أن الرياض تعمل على إنشاء محطتين نوويتين بطاقة إجمالية تصل إلى 2.8 جيجا وات، وتستهدف السعودية رفع طاقتها النووية إلى 17,6 جيجا وات بحلول 2032 وهو ما يعادل نحو 17 مفاعلا مما يجعلها واحدة من أقوى الدول في هذا القطاع.
استراتيجية العمل
تعد مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، الجهة المعنية بخطط الطاقة النووية في السعودية، وكشفت وكالة " بلومبرغ " الأمريكية أن السعودية أوشكت على الانتهاء من بناء أول مفاعل نووي على أراضيها، وطلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الرياض تقديم ضمانات حول أول مفاعل نووي يقام في المملكة يؤكد بموجبه عدم تحويل المواد النووية إلى استخدامات تتعلق بالأسلحة. وصرح وكيل الطاقة الأمريكي "ريك بيري"، أن الولايات المتحدة لن تزود السعودية بالتكنولوجيا النووية إلا إذا وقعت المملكة اتفاقية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسمح بإجراء عمليات تفتيش مفاجأة ومتعمقة، وأرسل الكونجرس الأمريكي رسالة واضحة بأنه لن يسمح للسعودية بالحصول على التكنولوجيا الأمريكية ما لم يتم التوقيع على بروتوكول إضافي، وأن هذا البروتوكول الإضافي - وهو ملحق لاتفاقيات الضمانات بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأعضاء فيها - يمنح لمفتشي الوكالة صلاحيات واسعة المدى بشأن التحقق من البرامج النووية لتلك الدول وأنها ذات طابع سلمي، وهي اتفاقية سارية في أكثر من 130 دولة لكن السعودية ترفض الانضمام لهذا النادي.
ووقعت السعودية على ما يعرف ببروتوكول "الكميات الصغيرة"، وهو تابع لوكالة الطاقة الذرية وهي مجموعة قواعد حول احتياجات واستخدامات الوقود النووي لكن هذه الإجراءات خالية من بنود حول السماح لمفتشين نوويين بالوصول للمواقع الحيوية التي يجري فيها التخصيب، وأثار ذلك قلق العديد من الخبراء والمراقبين حيال مخاطر استخدام الرياض لهذه التقنية دون التوقيع على الأحكام الدولية.
ردود فعل المجتمع الدولي على امتلاك السعودية للسلاح النووي
يخشى العديد من المشرعين الأمريكيين، وجود سباق تسلح نووي يهدد منطقة الشرق الأوسط حالما تمتلك السعودية أسلحة نووية، وذكرت مجلة "ناشيونال انترست" الأمريكية في تقرير لها نشر في 23 يونيو 2019، بأن العقبة الوحيدة التي تقف أمام السعودية هو الكونجرس الأمريكي، وأنه يجب عليه أن يتخذ خطوات استباقية لإيقاف الإجراءات التي من شأنها أن تجعل ولى العهد السعودي محمد بن سلمان، قادرًا على امتلاك كل ما يحتاج إليه لصناعة قنبلة نووية.
وأوضح "نيك تيلر"، الخبير البريطاني في شؤون الطاقة، أن اختلاف الأصوات في الكونجرس الأمريكي بشأن التعاون مع السعودية في مجال الطاقة النووية لا يعني نهاية المطاف، خاصة وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتعامل بإيجابية مع الرياض، مؤكدًا أن هناك خيارات أمام السعودية للحصول على تكنولوجيا الطاقة النووية من دول أخرى مثل روسيا وكوريا الجنوبية والصين والهند في حالة معارضة أعضاء الكونجرس لنقل التكنولوجيا النووية الأمريكية إلى السعودية.
وهناك عدد من الدول المتقدمة في مجال الطاقة النووية مهتمة بالتعاون مع المملكة في نقل تكنولوجيا الطاقة النووية في وقت تمتلك فيه السعودية على أراضيها ما يقرب من 6% من المخزون العالمي من اليورانيوم، أي أنها دولة مؤهلة لتصنيع الوقود النووى، وأن لديها سوق تنافسي جاذب لشركاء دوليين، فذلك يمد السعودية بعدة خيارات في حال تعثر نقل الطاقة النووية الأمريكية والاستعاضة عنها بتلك الدول سالفة الذكر.
وسبب رد فعل الكونجرس الأمريكي على قرار تخصيب اليورانيوم وهو رفضهم امتلاك غيرهم للقوة النووية، وأن هذا الأمر لا يتعلق بمسألة الحفاظ على دول الخليج، وإنما باعتبار أن أمريكا هي القوة العظمى في العالم. ومن الواضح أن هناك تخبط كبير من الكونجرس والإدارة الأمريكية الممثلة في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والدليل على ذلك تعالى الأصوات المطالبة داخل الكونجرس بشأن التحقيق في محادثات إدارة ترامب، مع السعودية بشأن نقل التكنولوجيا النووية الأمريكية إلى السعودية.
وبالنسبة لموقف إسرائيل؛ نجد أن اللوبي الإسرائيلي يحاول إثناء الرئيس الأمريكي ترامب، عن الموافقة على قرار السعودية بشأن تخصيب اليورانيوم، كما أن الإعلام الأمريكي متعاطف مع إسرائيل بزعم أنها قادرة (أي السعودية) على إنتاج يورانيوم مخصب قابل للاستخدام فى برامج عسكرية، وفى ذلك تعارض مع ضمانات الأمن القومي الإسرائيلي والذى تتعهد به أمريكا لإسرائيل في الحفاظ على أمنها القومي، وأعرب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فى حوار مع قناة "سي بي اس" الأمريكية، أن الإدارة الأمريكية لن تسمح للسعودية بأن تصبح قوة نووية تهدد إسرائيل وأمريكا.
وحذرت وثيقة منشورة على موقع المكتبة اليهودية "جيوش فيرتيال ليبرارى"، بعنوان "الانتشار النووي في الشرق الأوسط"، من وجود مخاوف من أن الدول العربية قد تحذو حذو إيران وتعمل على صناعة قنبلة نووية لحماية نفسها في ظل سباق التسلح النووي بين إسرائيل وإيران.
القرار السعودي بتخصيب اليورانيوم وأثره على الوضع في المنطقة
المملكة العربية السعودية تمارس دورا هاما وحيويا في المنطقة العربية، ولديها من علاقات التعاون والود والاخاء مع جاراتها، ومن ضمن الدول المجاورة للسعودية دولة إيران، وهي على علاقة عداء وخصومة معها يصل إلى صراع إقليمي بينهما مشتمل على مناطق عربية مثل سوريا واليمن ولبنان والعراق. ومنذ تبني طهران برنامجها النووى 2015؛ شكل هذا البرنامج تهديدًا كبيرًا لدى السعودية؛ لذا أعربت الرياض عن نيتها في بناء قوة نووية موازية لقوة طهران النووية وذلك حسبما صرح به ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 2018.
ختاما: السياسة السعودية الجديدة تقول للأمريكان والأوروبيين وخصوصا الذين لديهم مرونة تجاه إيران أن عليهم أن يعلموا أن الرياض لم تكتفِ بأي ضمانات في حال طورت طهران سلاحها النووي وأنها ستفعل الشيء نفسه من قبيل توازن القوى؛ لذلك على المجتمع الدولي العمل بحزم لمنع إيران من تطوير ترسانتها النووية، وبالتالي ستشعر السعودية والعالم بعدم وجود خطر نووي.
أما الخيار الثاني فيتمثل في الإقرار بحق السعودية فى الجاهزية لامتلاك سلاح نووي موازٍ لإيران، وهذا بالفعل ما قررته الرياض بالشروع في بدء برنامجها النووي لتوقف تطلع طهران لامتلاك أسلحة نووية من شأنها تهديد منطقة الشرق الأوسط بأكملها؛ فالمبرر السعودي لامتلاك السلاح النووي هو احتواء إيران وردعها، والاستراتيجية السعودية ألا تحقق إيران مشروع سلاحها النووي من خلال الضغوط والمفاوضات الدولية، والاعتماد في ردعها على المجتمع الدولي والذي نعرف أنه لا يمكن الاعتماد عليه.
ومما لا شك فيه أن التنافس النووي في الشرق الأوسط أصبح يمثل هاجسًا لدى السعودية مما نتج عنه التفكير جديًا في امتلاك سلاح ردع نووي لموازنة القوى مع إيران وإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تسعيان لتدمير أي تحرك عربي فعال وتصويره على أنه تهديد للأمن والسلام في المنطقة.