بعد دعم عرب الكنيست "جزار غزة".. كيف ستتورط "القائمة المشتركة" في جرائم إسرائيل المستقبلية بحق الفلسطينيين؟

تناول أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري بجامعة كولومبيا بنيويورك، جوزيف مسعد، في مقال له نشره موقع "ميدل إيست آي" الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرًا له، كيف أن أعضاء تحالف القائمة العربية المشتركة بالكنيست الإسرائيلي سيتورطون في الجرائم التي سترتكب في حق الفلسطينيين، وذلك بعد دعمهم رئيس الأركان العامة السابق بجيش الاحتلال "بيني جانتس" لتولي منصب رئيس وزراء إسرائيل.

واستهل الكاتب مقاله بقوله: كانت إحدى ميزات النظام الانتخابي الإسرائيلي منذ عام 1948 هي أن جميع الأحزاب السياسية التي تتنافس يجب، بموجب القانون، أن تدعم القوانين العنصرية والأساس العنصري في إسرائيل، والتي تم وضعها لحماية السيادة اليهودية.

وأوضح الكاتب: أولاً، استخدموا لوائح الطوارئ البريطانية لقمع النشاط السياسي الفلسطيني، وسنوا لاحقاً المادة 7 من القانون الأساسي لإسرائيل، والتي فرضت حظراً على الأحزاب المعادية للصهيونية، وتجريمها ومنعها من المشاركة.

وأشار الكاتب إلى أنه لا يزال هذا هو الحال اليوم، منذ أكثر من 70 عامًا على تأسيس مستعمرة المستوطنين اليهود.

وتابع جوزيف مسعد: بعد قيام إسرائيل بطرد 85 في المائة من السكان الفلسطينيين من مناطق فلسطين حيث أقامت دولتها، منح المؤسسون حق الاقتراع لبقية السكان الفلسطينيين- الذين وضعوهم تحت الأحكام العرفية حتى عام 1966- حيث أن العدد الضئيل من الفلسطينيين المتبقين لم يعد تهديدا ديموغرافيا.

خيارات محدودة

ولفت الكاتب إلى أنه خلال هذه الفترة، كان لحزب "الماباي" الحاكم احتكار فعلي للبلاد، بما في ذلك المجتمعات الفلسطينية التي كانت تعيش في ظل نظام الفصل العنصري العسكري، مما مكن "ماباي" من الحصول على أصواتهم مقابل خدمات اجتماعية- بما في ذلك التصاريح العسكرية التي تسمح لهم بحرية محدودة في الحركة- وجعل الأمر أكثر صعوبة على الأحزاب السياسية الأخرى أن تفعل الشيء نفسه.

وأفاد السياسي الأكاديمي، في مقاله، بأن اختيار الناخبين الفلسطينيين اقتصر على الأحزاب الصهيونية التي استندت برامجها إلى إقامة دولة يهودية استعمارية على أرض الفلسطينيين، بما في ذلك حزب مناحيم بيجن اليميني "هيروت" (الذي أصبح لاحقًا العنصر الرئيسي في ائتلاف الليكود). وبناءً على العنصرية المعلنة، رفضت هذه الأحزاب قبول الفلسطينيين كأعضاء، وكانت مفتوحة حصريًا لليهود فقط.

وذكر أستاذ السياسة العربية الحديثة أن إسرائيل شرعت في تشريع المزيد من القوانين لضمان التفوق اليهودي والدونية الوطنية الفلسطينية.

وأشار الكاتب إلى أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي كان أقل الأحزاب هجومًا على الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل، وهو الحزب الوحيد الذي سمح للفلسطينيين بأن يكونوا أعضاءً، رغم أنه كان ملتزمًا بنفس القدر بالصهيونية. ومع ذلك، دعا الحزب الشيوعي إلى إنهاء الحكم العسكري على الفلسطينيين. وحصل في كثير من الأحيان على أقلية من أصوات الناخبين الفلسطينيين، والتي ذهبت أغلبيتها إلى "قوائم الأقمار الصناعية" العربية الداعمة لـ"ماباي" خلال هذه الفترة.

وتابع الخبير السياسي: كانت المفارقة أن حزب بيجن "هيروت"، إلى جانب الحزب الشيوعي، كانا القوة الرئيسية في الكنيست الإسرائيلي في عام 1960 خلال المطالبة برفع الحكم العسكري وإلغاء قوانين الاجتياز العنصرية، بحيث يمكن أن تتاح لـ"هيروت" فرصة كسر الاحتكار الانتخابي لـ"ماباي". ولكن حكومة "ماباي" رفضت القيام بذلك حتى عام 1966.

"ماباي"، الذي أصبح العنصر الرئيسي في تحالف العمل عام 1968، استمر في حكم إسرائيل لعقد آخر دون منافس. وفي عام 1977 نجح "بيجن" وائتلاف الليكود في الفوز في الانتخابات الوطنية.

النظام العنصري

في غضون ذلك، غزت إسرائيل مصر وسوريا والأردن عام 1967، واكتسبت عددًا كبيرًا من السكان الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، بالإضافة إلى السوريين الباقين الذين أخفقوا في طردهم من مرتفعات الجولان. حسبما أفاد الكاتب في مقاله.

وأضاف أستاذ السياسة العربية الحديثة: على عكس عام 1948، عندما كان الإسرائيليون قادرين على منح حق الاقتراع لبقايا الشعب الفلسطيني، لم يكن هذا الخيار ممكناً هذه المرة، لأنهم كانوا فقط قادرين على طرد مئات الآلاف من الأشخاص من الضفة الغربية وغزة.

ووفاً للكاتب، فإنه نظرًا لأن العدد الضئيل من السوريين الباقين في مرتفعات الجولان لم يهدد التفوق الديموغرافي اليهودي، ضمت إسرائيل الجولان عام 1981 ومنحتهم حق الاقتراع. ولكن لا يمكن القيام بنفس الشيء في غزة والضفة الغربية.

يتألف النظام العنصري ثلاثي الطبقات في إسرائيل اليوم من الناخبين اليهود الذين يمكنهم انتخاب قادة ملتزمين بالاستعمار اليهودي لأرض الفلسطينيين. والناخب الفلسطيني داخل إسرائيل يُسمح له فقط بانتخاب قادة يدعمون أو لا يجب أن يعارضوا الاستعمار المستمر لشعبهم وأراضيهم؛ فيما مُنع السكان الفلسطينيون من حق الاقتراع تماماً، والذين تعرضوا مع أراضيهم للاستعمار اليهودي المستمر منذ عقود.

لقد تغير الوضع بالنسبة لمواطني إسرائيل الفلسطينيين عام 1966 مع زوال الحكم العسكري- مما سمح لعدد أكبر منهم بالتصويت لصالح حزب شيوعي جديد وهو حزب (الراكة)، والذي انفصل عن الحزب الصهيوني(ماكي) وشمل المزيد من الفلسطينيين في قائمة مرشحيه.

لقد تغير الوضع مرة أخرى في الثمانينيات وأكثر في التسعينيات، عندما بدأت "الأحزاب العربية" تتشكل من تلقاء نفسها أو كجزء من تحالفات مع الأحزاب الصهيونية التي تتحدث بلغة المساواة في الحقوق. وذلك حسبما ذكر"جوزيف مسعود" في مقاله.

ضمان التفوق اليهودي

في هذا السياق، انفصل "عزمي بشارة" عن الحزب الشيوعي وشكل حزبًا جديدًا عام 1995، أطلق عليه اسم الجمعية الوطنية الديمقراطية (NDA)، التي دعت إسرائيل إلى أن تصبح "دولة مواطنيها" وليس دولة يهودية.

لم يستطع حزب "بشارة" أن يعلن قانونًا معارضته للأسس الصهيونية للدولة، وفقًا للمادة 7 من القانون الأساسي لإسرائيل، لكن يمكنه أن يشكك في الالتزامات اليهودية العابرة للحدود التي ألغت التزاماتها تجاه مواطنيها، وهو ما فعله علنًا.

لم يكن رد فعل النظام الإسرائيلي على هذه المطالب سريعًا في عدائه فحسب، بل شرع أيضًا في سن مزيد من القوانين لضمان التفوق اليهودي والدونية الوطنية الفلسطينية، وكان أحدثها ومثيرها هو قانون الدولة القومية لعام 2018.

كانت انتخابات هذا الشهر استمرارًا لهذا النهج؛ حيث تنافس زعيمان إسرائيليان، سجلهما كارثي على نحو مروع بالنسبة للشعب الفلسطيني؛ حيث يلتزم بنيامين نتنياهو وبيني جانتس بنفس القدر بالسياسات الاستعمارية المستمرة لإسرائيل وبقوانينها العنصرية، بما في ذلك قانون الدولة القومية، الذي يدعمه "جانتز" بتعديلات بسيطة.

لقد أعرب الزعيمان علانية عن مواقفهما العنصرية تجاه المواطنين الفلسطينيين والأسرى الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. ومع ذلك، فإن القادة الممثلين للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يشكلون تحالف "القائمة المشتركة" بالكنيست اختاروا الشرير الذي يزعمون أنه أقل شر، جزار غزة، رئيس هيئة الأركان العامة السابق بالجيش الإسرائيلي "جانتس".

استراتيجية فرق تسد

ذكر الكاتب أن هذه الاختيارات الخاطئة والقاسية كانت دائمًا فخًا للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، تهدف إلى توريطهم هيكليًا وسياسيًا كمتعاونين مع القيادة الإسرائيلية في اضطهادهم وفي قمع مواطنيهم الأقل حظًا في الضفة الغربية وغزة، أو في المنفى. لقد كان هذا دائمًا جزءًا من استراتيجية فرق تسد التي تتبناها إسرائيل، ولهذا السبب عارض الكثيرون المشاركة في الانتخابات الأخيرة (فلم تتجاوز نسبة المشاركة الـ 60٪).

اقرأ أيضاً: أول تعليق لـ"نتنياهو" على دعم القائمة العربية بالكنيست لأبرز منافسيه

ولفت الكاتب إلى أن عرب 48 لم يدعموا من قَبل مجرم حرب على حساب آخر من أجل أن يصبح رئيس وزراء إسرائيل، وكان حزب التجمع الوطني الديمقراطي هو الطرف الوحيد في القائمة المشتركة_ التي تضم أربع أحزاب عربية_ الذي رفض القيام بذلك هذا الشهر.

اقرأ أيضاً: كلاكيت ثالث مرة.. نتنياهو يكرر دعوته إلى جانتس بتشكيل حكومة وحدة

وفي عام 1992، دعمت كتلة من أعضاء الكنيست الفلسطينيين حكومة "إسحاق رابين" في مقابل، من بين أمور أخرى، تعهده بعدم تدمير المنازل الفلسطينية في جبل أبو غنيم بالقدس المحتلة- لكنهم لم يقدموا توصية للرئيس الإسرائيلي لاختيارة رئيساً للوزراء.

اقرأ أيضاً: "جانتس" يهاجم "نتنياهو" عقب تكليفه تشكيل الحكومة: لن أجلس مع متهم

ووفقاً للكاتب، فقد أدرك الأعضاء بالقائمة المشتركة أن الاختيار بشكل تقليدي بين المرشحيْن، نتنياهو وجانتس، ليس خيارًا على الإطلاق. وتابع متسائلاً: فكيف ستهرب القائمة المشتركة من التورط في هجوم إسرائيلي مستقبلي على غزة، أو توغل في قرى الضفة الغربية، أو اعتداء على مواطنين فلسطينيين يتظاهرون ضد سرقة أراضيهم من قبل الحكومة الإسرائيلية؟

اقرأ أيضاً: رئيس القائمة العربية بالكنيست يكشف مخطط "جانتس" لإسقاط نتنياهو

واختتم الكاتب مقاله بقوله: إذا انتهى الأمر بـ"جانتس" أن أصبح رئيس وزراء إسرائيل المقبل أو جزء من ائتلاف حاكم مع حزب الليكود بزعامة نتنياهو، فإن أعضاء القائمة المشتركة الذين اختاروه سيكونون متورطين في جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لسنوات مقبلة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً