تنامي الضغوط.. الاحتجاجات العراقية وتداعياتها داخليًا وخارجيًا

زينب مصطفى رويحة

شهدت العاصمة العراقية بغداد، الثلاثاء الماضي الأول من أكتوبر، مظاهرات كبيرة انطلقت من ميدان الطيران حتى ساحة التحرير وشملت الاحتجاجات مختلف المدن العراقية شارك فيها فئات مختلفة من الشعب معبرة عن غضبها من سوء الأحوال ومناهضة لحكومة عادل عبد المهدي الذي شكل الحكومة منذ أكتوبر 2018، ولم يثبت مرور سنة على حكمه أي تطورات ملموسة ومرضية سوى المزيد من الفقر والبطالة، وواجهت قوات الأمن تلك الاحتجاجات بإطلاق الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى سقوط 44 قتيلًا بالإضافة إلى إصابة المئات من المتظاهرين.

أسباب الاحتجاجات نتيجة للأحوال المتدهورة التي وقعت البلاد تحت إثرها فترات طويلة إبان الحرب الأهلية الطائفية والحرب مع داعش وتخليص البلاد من سيطرتهم؛ حيث عانى الشعب العراقي بمختلف طوائفه مشاكل البنية التحتية المتدهورة وأوضاع اقتصادية غاية في السوء، الأمر الذي تسبب في تزايد مشاعر الغضب من المواطنين.

على الجانب الحكومي؛ فإن حكومة عبد المهدي التي جاءت في وضع أمني مستقر نسبيًا، ووعدت ببرامج تنموية واصلاحية لم ينفذ منها أي مشروع؛ بالتزامن مع ذلك يقترب عدد سكان العراق إلى ما يزيد عن 40 مليون نسمة ويعاني المواطنين البطالة والتهميش وتركيز المناصب في أيدي الأشخاص القريبة من السلطة ولا تحقق مطالب المواطنين.

وعلى خلفية هذه الأحداث توالت الدعوات للتظاهر والتي استجاب لها المواطنين برغبة شعبية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي نظمها ناشطين وحقوقيين، وتشارك فيها كل أفراد الشعب بمختلف فئاتهم وانتمائتهم من الوسط والجنوب الذي يغلب عليه الشيعة، ويشير إقبال الأفراد ونزولهم للاحتجاج إلى عدم الرضا عن الأوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات وانعدام العدالة في توزيع الوظائف وارتفاع معدل البطالة حيث بلغت 25% بين الشباب، بالإضافة إلى المطالبة بمحاربة الفساد والمسئولين عنه؛ حيث احتلت العراق المرتبة 12 في قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، وتوالت سلسلة من الإدارات بسرقة ما يصل إلى 450 مليار دولار من أموال الدولة، ولذلك جاءت الهتافات تطالب بإسقاط الحكومة والنظام.

يضاف إلى تلك الأسباب الرفض الجماهيري للهيمنة الإيرانية المتزايدة على الدولة وتدخلها في تشكيل الحكومة، والمطالبة بوضع حد للنفوذ الإيراني في العراق وإنهاء تبعية الحكومة وهو ما ظهر خلال هتافات المواطنين وحرقهم أعلام إيران؛ حيث تتزامن تلك التظاهرات مع موسم الحج الشيعي (مسيرة الأربعين) المقرر حدوثه بعد أيام قليلة والذي يسير إليه ما يصل إلى 20 مليون من المصلين.

وعلى المستوى الرسمي تأتي تلك الاحتجاجات عقب توتر دبلوماسي بين الدولتين بعد سلسلة من التصريحات على لسان مسئولين إيرانيين وصفها مسئولون عراقيون بأنها "تمثّل خرقًا للسيادة العراقية"، فضلًا عن قرار وزارة الخارجيَّة العراقية بـإغلاق قنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية واستدعاء السفير الإيراني للاحتجاج على إهانة دبلوماسييها في عقب واقعة اعتداء الأمن الإيراني على دبلوماسيين عراقيين والذي يمثل تعدي على السيادة العراقية.

تداعياتها على الوضع الداخليأثارت تلك الاحتجاجات قلق الحكومة خاصة أنها المظاهرات الأولى في عهد حكومة عبد المهدي منذ توليها في أكتوبر الماضي، وجاءت بمشاركة العديد من مختلف المحافظات والطوائف، واستخدمت قوات الأمن العنف لتفريق المتظاهرين؛ حيث أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وأطلقت النيران على المتظاهرين وبلغ عدد الضحايا ما يربو من 2000 بين قتيل وجريح، كما قطعت القوات الأمنية العراقية يوم الخميس (اليوم الثالث للمظاهرات) الطرق الرئيسية بين الأحياء في العاصمة العراقية، وفرضت حظر التجوال في بغداد وهو ما رفضت بعض المناطق الاستجابة له، كما أقر مجلس محافظة بغداد تعطيل العمل الخميس في كل الدوائر التابعة له، كما انتشرت المدرعات العسكرية والقوات الأمنية عند المداخل والطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء، كما قامت بتعطيل وسائل التواصل الاجتماعي وقطع الانترنت.

وجاء الرد من قبل رئيس الوزراء "عادل عبد المهدي" في بيان بثه تليفزيون الدولة، مستكينًا لاحتواء غضب المتظاهرين ورغبة في تهدئة الأوضاع وأكد أنه يتابع الاتصالات المستمرة بممثلين عن المتظاهرين السلميين للنظر بالمطالبات المشروعة، ودعا إلى الهدوء لإعادة توزيع المناصب الحكومية بعيدًا عن تأثير الأحزاب والجماعات الكبيرة. قائلا «نطالب مجلس النواب والقوى السياسة الالتزام الكامل بمنح رئيس مجلس الوزراء صلاحية استكمال تشكيلته الوزارية وإجراء تعديلات وزارية بعيدًا عن المحاصصة السياسية».

وأضاف عبد المهدي: «لا يوجد حل سحري لمشكلات الحكم واستغلال السلطة المزمنة في العراق، لدينا مشروع سنقدمه إلى مجلس النواب خلال الفترة القصيرة لمنح راتب لكل عائلة لا تمتلك دخلًا كافيًا، بحيث يوفر حدًّا أدنى للدخل يضمن لكل عائلة عراقية العيش بكرامة». كما أعلنت (رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان) تشكيل لجنة مشتركة للتعامل مع مطالب المتظاهرين، فيما دعت "تنسيقيات ثورة الغضب العراقي" الشعب في كل المحافظات إلى الاستعداد والتهيؤ، لإعلان العصيان المدني الكامل لإسقاط الحكومة، كما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يمثل أحد التيارات الشيعية في العراق، الحكومة والبرلمان إلى تلبية مطالب المتظاهرين وحمايتهم والتأكيد على مبادئ الحريات، والتحقيق في وقوع ضحايا إثر تلك الاحتجاجات. وهذا ما أكده "علي السيستاني" المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق في خطبة الجمعة؛ حيث حذر من التداعيات الخطيرة لاستعمال العنف، كما أدان الاعتداءات على المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية.

وأدانت المعارضة النصرية برئاسة حيدر العبادي، والحكمة برئاسة عمار الحكيم في البرلمان الإفراط في استخدام القوة مع المتظاهرين، مع التشديد على حق التظاهر، وتلبية مطالب المتظاهرين. وعلى الحكومة إما أن تسمع وتستجيب للشعب، أو ترحل وتترك الخيار للشعب في انتخابات مبكرة، أما "جبهة الإنقاذ والتنمية" برئاسة نائب الرئيس السابق أسامة النجيفي، فرفضت استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين وأن هذا ليس من آليات الديمقراطية، وطالبت بدراسة الأسباب التي دفعت الجماهير للخروج في تظاهرات كبيرة للمطالبة بالحقوق.

الاحتجاجات وإيرانتسعى إيران بصورة مستمرة إلى تثبيت أذرعها في المنطقة من خلال الاقتراب من السلطات الحاكمة وخاصة وأن التيار الشيعي الرسمي في العراق ترجع مركزيته إلى إيران، كما استغلت فوضى الأوضاع الأمنية المتدهورة سابقًا أثناء محاربة داعش للتغلغل في أنحاء البلاد لممارسة نفوذ واسع؛ حيث اعتبرت العراق بمثابة ساحة لمواجهة القوات الأمريكية، ومن خلال تعميق الخلافات الطائفية، قدمت طهران الدعم السياسي والدعم اللوجستي والتمويل المالي لعملائها بهدف تقوية دورها كمنافس إقليمي قوي في المنطقة.

وبعدما أغلق معبر "جذابة " أدى تصاعد المظاهرات إلى إغلاق معبر خسروي الحدودي الرسمي الذي يستخدمه مئات الآلاف من الإيرانيين لدخول العراق، وهو ما يثير القلق خاصة مع اقتراب الزيارة الأربعينية بمشاركة ثلاثة ملايين ونصف إيراني لإحياء زيارة الأربعين في أكتوبر الجاري في كربلاء جنوب العراق، وأوضح رئيس المقر الخاص للأربعين الحسيني ”جعفر همتي“ أنه تم إغلاق المعبر حرصا على سلامة الزوار الإيرانيين الذين يريدون التوجه إلى العراق للمشاركة في زيارة الأربعين، وأن بلاده ستبذل كل الجهود لإعادة فتح منفذ خسروي“.

ومن المتوقع في حال استمرار المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام وإيقاف التبعية لإيران، أن تعلن الحكومة عن خطة إصلاح شاملة تراعي فيها مطالب الشعب وتقنن علاقتها مع طهران، وهو ما يهدد نفوذ إيران في المنطقة.

مواقف دوليةأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مراقبتها للأحداث. وأصدرت بيان أوضحت فيه أن "التظاهر السلمي هو حق أساسي في جميع الأنظمة الديمقراطية ولكن لا مجال للعنف في التظاهرات من قبل أي من الأطراف". داعية "الأطراف كافة إلى نبذ العنف مع ضبط النفس في ذات الوقت"، كما عبرت عن "الأسى على الأرواح التي زهقت" وقدمت تعازيها "لذوي الضحايا متمنين الشفاء العاجل لجرحى القوات الأمنية والمحتجين"، وعبرت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق "جينين هينيس بلاسخارت" عن قلقها البالغ من العنف الذي رافق التظاهرات في بغداد ومحافظات أخرى، داعية إلى "توخي ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات لضمان سلامة المتظاهرين السلميّين مع الحفاظ على القانون والنظام وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة".

في الختام؛ يتوقف الوضع حاليًا على قدرة الدولة على احتواء المتظاهرين وإمكانية الاستجابة لمطالبهم وسرعة الاستجابة وقدرتها على التخلي عن النظام الإيراني والتصرف بعيدًا عن القوى الأجنبية، كما أن استخدام العنف يزيد من غضب المواطنين ويحثهم على البقاء في الميادين والاستمرار في التظاهر وصولًا بإسقاط النظام.

المراجع:https://www.reuters.com/article/us-iraq-protests/death-toll-climbs-unrest-spreads-in-iraq-in-days-of-protests-idUSKBN1WI0IIhttps://www.theguardian.com/world/2019/oct/04/iraq-police-open-fire-protesters-baghdad-fourth-day-unresthttps://aawsat.com/home/article/1930576/%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%AC%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%9F

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً