هزيمة زلزلت الأرض من أسفل أقدام العدو، وألحقت العار بهم إلى يومنا هذا، ونصر ترتفع به الرأس العربي في كل عام تمر بنا ذكراه، وتمر بنا الآن الذكرى السادسة والأربعون لنصر أكتوبر المجيد.
في كل عام وبالتزامن مع ذكرى النصر اعتادت الصحف الإسرائيلية أن تنشر بعض من الوثائق أو التسجيلات الخاصة بالحرب، والتي تكون بمثابة اعتراف على الهزيمة التي لحقت به، والمدوّية في أرجاء العالم أجمع، وهاهي روايات تبرز "بكاء العدو" وحسرته.
فمع مرور الذكرى الـ46 للحرب نشرت صحيفة "ذا جيويش نيوز" اليهودية تقريرًا على لسان أحد الأطباء الميدانيين الذين كانوا في ساحة المعركة، وهو الطبيب "إيتان ميلامود" الذي كان في مستشفى رامبام في حيفا عندما وقعت الحرب، وحين تم استدعائه اتجه في طائرة شحن عسكرية من تل أبيب إلى قاعدة جوية في سيناء، قائلًا:" لم أستطع أن أصدق ذلك في البداية، كل ذلك كان بمثابة صدمة، وقد تكبدت إسرائيل خسائر فادحة في الجبهة الجنوبية، فقد عبر المصريون إلى شبه جزيرة سيناء التي تسيطر عليها إسرائيل واستولوا على عدد من المواقع العسكرية، وعلى الجبهة الشمالية، هاجم الجيش السوري مرتفعات الجولان، وعرفنا أننا سنتعرض للهجوم طوال الوقت".
وأضاف:" كانت القوات تنقض علينا في مركبات عسكرية، وتوقفت بشكل متكرر خلف القوات الإسرائيلية بقيادة آرييل شارون الذين كانوا يقاتلون للسيطرة على القناة".
اقرأ أيضًا.. نصر أكتوبر.. أسماء أول مجموعة فدائيين مدنيين في حرب 73 (فيديو)
ووصف ميلامود شكل الجنود الإسرائيليين قائلًا:" على عكس الجنود المحاصرين في الجيش الأمريكي، كان العديد من الإسرائيليين في المعركة لهم سوالف وشوارب داكنة وسميكة، وكان بعضهم يتمتعون بشعر طويل ومجعد، وكانت الطائرات المصرية على بعد حوالي نصف ميل، وقُتل ثلاثة جنود بصواريخ من طائرات ميج الروسية الصُنع".
ونشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية المذكرات التي كتبها الجنرال الإسرائيلي، ديفيد أليعاذر، والتي تشير إلى أنه لم يفعل مايكفي لمنع الحرب الفتاكة رغم التحذيرات التي تلقاها، وكان ديفيد قائداً لجبهة الجولان في حرب 1967، ورئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر عام 1973.
وقد نشر أرشيف الجيش الإسرائيلي أجزاء من هذه المذكرات وامتنعت عن الإشارة إلى أن أليعاذر قد تم فصله من منصب رئيس الأركان بعد التحقيق الذي ألقى باللوم عليه في إخفاقات العمليات والاستخبارات في الفترة التي سبقت الحرب.
وورد في المذكرات أنه في الساعة 5:30 صباحًا، عقد اجتماعًا لقادة مختلف الفروع العسكرية وقال لهم: "هناك مؤشرات عسكرية وأعمال وتقارير يجب أن تؤخذ على محمل الجد"، وفي نهاية الاجتماع، قال: أوافق على السماح للفرع التشغيلي باستدعاء الاحتياطيات، حتى تتمكن الفروع المختلفة من إكمال الاستعدادات"، وافترض أن المصريين سيشنون الحرب في السادسة مساءا، وذكر في مذكراته أنه لاحظ أن موشيه ديّان عارض في ذلك الوقت الضربات الوقائية، وقال إذا لم تتم الموافقة على ضربات وقائية في منتصف النهار، سنكون في حالة تأهب للإنذار الفوري بعد ظهر هذا اليومز.. أنا على دراية بالقيود السياسية العظيمة لهذه المسألة، لكن عندما نكون متأكدين من وقوع حرب، من المهم أن نرى كيفية الفوز بأسرع وقت ممكن".
لاحظ أليعاذر في مذكراته أن وزير الدفاع في ذلك الوقت، موشيه ديان، عارض في تلك المرحلة ضربات وقائية، وأضاف:" إذا لم تتم الموافقة على ضربات وقائية في منتصف النهار، سنكون في حالة تأهب للإنذار الفوري بعد ظهر هذا اليوم.. مضيفًا أنا على دراية بالقيود السياسية لهذه المسألة، لكن عندما نكون متأكدين من وقوع حرب ، من المهم أن نرى كيفية الفوز بأسرع وقت ممكن".
وعندما سأل دايان عن الاحتياطيات، قال ماذا يحدث إذا لم تفتح مصر وسوريا النار؟ متى سيتم إطلاق سراح جميع جنود الاحتياط؟"
وفي حديثه لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية في يوم 29 أكتوبر 1973 قال ديفيد أليعاذر أيضًا:"لقد توقع شارون المغرور أن الجزائريين بأسلحتهم البدائية سيفرون بمجرد رؤية دباباته، لكنهم نصبوا له الفخ، فخسرنا في يوم واحد 900 قتيل من أفضل رجالنا وفقدنا 172 دبابة، ألم أصرخ في وجه ديان الذي قال إن هذه النقطة ، ويقصد بها موقع القوات الجزائرية، هي الأضعف على القناة؟، ألم أخبره أمام القادة بأن نظريته المرتكزة على جهل الجزائريين بطبيعة المكان وأسلوب القتال معنا نظرية هشة، لقد أخطأ ديّان هو وتلميذه المعتوه شارون حينما خططوا بتفاؤل لإبادة هذه القوات أثناء انكشاف خطوط الدعم المصرية عنها وانشغال المصريين بالقتال على رؤوس الجسور، أما جولدامائير فقد كللت أخطاءها من قبل بمخالفة تعاليم التوراة وترك وصايا بن غوريون، حينما سمحت للعرب طوال ست سنوات كاملة للاحتشاد تحت قيادة موحدة، إنها تتحدث اليوم عن خطة تشتيت العرب وتفريق كلمتهم لمدة 50 سنة مقبلة، قائدة "إسرائيل" ملت من تحميل الآخرين نتيجة أخطائها، لتضع خططا لا تعدو أن تكون أحلاما موهمة الشعب الإسرائيلي أنها انتصرت، أو على الأقل لن تتكرر الهزيمة.
وقال هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، وفقًا لإحدى الوثائق المنشورة عن أرشيف الأمن القومي الأمريكي:" استيقظت الساعة السادسة صباح يوم السبت 6 أكتوبر وأخبرونى أن الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب قد تكون وشيكة وأن علينا استخدام نفوذنا لوقفها..أذكر هذا هنا لأنه كانت هناك العديد من الروايات بأننا منعنا الهجوم الوقائى الاسرائيلى ضد المصريين، وأن نكستهم ترجع إلى حثنا لهم على عدم القيام بأى هجوم وقائى وهذا هراء».
وأوضح أنه كان هناك خلافات كبيرة بين تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية والتى أكدت أغلبها أن الهجوم العربى على إسرائيل كان من غير المحتمل لكنه لم يخبر إسرائيل أو يطلب منها عدم توجيه ضربات استباقية ويؤكد كسينجر خلال الاجتماع إلى أنه حتى لو نفّذت إسرائيل ضربات وقائية صباح يوم 6 اكتوبر لم يكن ذلك ليغير بأى حال من الأحوال نتيجة المعركة ويتابع كيسنجر قائلا: "العرب تعلموا من الحرب فى 67 أكثر مما فعل الإسرائيليون" مشيرًا إلى أن اتباع المصريين لاستراتيجيات جديدة جعلت لهم الأفضلية ومنها الاعتماد الكبير على صواريخ "SAM" المضادة للطائرات التى نجحت بشكل كبير فى تجنيب سلاح الجو الإسرائيلى خلال المعركة، وأيضا الاعتماد الشديد على الأسلحة المضادة للدبابات، والتى دمرت عددا هائلا من الدبابات الإسرائيلية.
وأشار كسينجر إلى أن الإسرائيليين استخدموا نفس الإستراتيجية التى اتبعها الألمان خلال الحرب العالمية وهو استخدام الطائرات والمدفعية، لإحباط هجمات المصريين لكنه وصفها بأنها لم تكن فعالة أمام الخطة المصرية أما رئيس المخابرات بوزارة الخارجية الأمريكية، راى كلاين فقال:"كانت الصعوبة التى واجهناها هى أن إسرائيل أقنعتنا بقدراتها العسكرية الرهيبة وغسلت أدمغتنا رغم أنهم من قاموا بغسل أدمغتهم أولا.