اعتبر موقع "ميدل إيست آي"، في تقرير له، قرار أمريكا سحب قواتها من شمال سوريا تحسبا لهجوم تركي ليس سوى خيانة جديدة يواجهها الأكراد، مسترجعاً المقولة الكردية الشهيرة: "لا أصدقاء لنا سوى الجبال"، ومستشهدًا بدلائل ووقائع تاريخية تثبت تعرض الأكراد لحالات مماثلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اندلاع الحرب الأهلية السورية 2011.
وأفاد الموقع، الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقراً له، بأنه ومنذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، وعندما كانت بوادر الاستقلال تلوح في الأفق أمام أعينهم، دخلت الجماعات القومية الكردية في تحالفات مع دول قومية قوية والتي تخلت عنها لاحقًا عندما حققت مصالحها قصيرة الأجل.
استمرت دورة الوعد والخذلان هذه لقرن من الزمان، وباستثناء إنشاء الحكومة الإقليمية الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق، فقد استمر إحباط الطموحات القومية والسياسية والثقافية الكردية.
إن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس الاثنين، بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا تحسبا لغزو تركي ليس سوى الحلقة الأحدث في سلسلة طويلة من الخيانات.
معاهدة سيفر ومعاهدة لوزان
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، احتل الحلفاء الأناضول وبدأت عملية نحت الإمبراطورية العثمانية المتهالكة فيما بينها وبين حلفائها. كانت معاهدة سيفر، الموقعة في عام 1920- بما في ذلك من قبل الحكومة العثمانية في إسطنبول- ستشهد تنازل جزء من الأناضول لإنشاء كردستان مستقلة، بما في ذلك مدينة ديار بكر التي تقع في جنوب شرق تركيا الحديثة.
ومع ذلك، أغضبت المعاهدة القوميين الأتراك الذين سرعان ما شنوا حرب الاستقلال التركية. وتحت قيادة بطل الحرب مصطفى كمال باشا (المعروف لاحقًا باسم كمال أتاتورك)، سيطرت القوات القومية التركية على الأناضول ولم تنفذ معاهدة سيفر أبدًا. وبدلاً من ذلك حلت محلها معاهدة لوزان عام 1923.
حددت الاتفاقية الثانية الحدود الحالية لجمهورية تركيا- بصرف النظر عن المناطق المتنازع عليها في الموصل وهاتاي- وستدرج كلمة "كردستان" قريبًا في الكتب المدرسية التركية على الرغم من أنها كانت منطقة معترف بها للإمبراطورية العثمانية.
لطالما كانت الاتفاقيتان رمزا للمأساة الوطنية للقوميين الأكراد بطريقة مماثلة لإعلان بلفور بالنسبة للفلسطينيين، ذلك الوعد الذي أدى في النهاية إلى إقامة دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية.
الحرب العراقية الكردية الثانية
في أبريل 1974، حاول مصطفى البرزاني- زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني والد الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود البرزاني- إطلاق صراع مسلح من أجل الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق.
قدمت كل من إيران وإسرائيل، اللتين كانتا حليفتين في ذلك الوقت من أجل مصلحتهما المشتركة في تقويض الحكومة التي يسيطر عليها البعثيون في العراق، الدعم المادي للأكراد العراقيين في قتالهم، كما فعلوا في الحرب العراقية الكردية الأولى بين عامي 1961 و1970. أرادت إيران، على وجه الخصوص، أن تصارع من أجل الحصول على تنازلات إقليمية من العراق.
وفي عام 1975، بعد أن قدمت بغداد تنازلات إقليمية لإيران، سحبت الأخيرة فجأة دعمها للأكراد- إلى جانب إسرائيل- وسحق العراق التمرد بسرعة.
كانت هزيمة الحزب الديمقراطي الكردستاني فاجعة كبيرة بالنسبة للقوميين الأكراد، واستشهد بها البعض كقوة دافعة لإنشاء حزب العمال الكردستاني اليساري (PKK) عام 1978.
انتفاضات 1991
وكمثال نادر على قصة نجاح طويلة الأجل للأكراد، شهدت انتفاضات 1991 التي اجتاحت العراق بعد حرب الخليج الكارثية الخطوات الأولى للأكراد العراقيين نحو إنشاء منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي.
إلى ذلك، تم سحق الانتفاضات ضد الحكم الاستبدادي للرئيس السابق صدام حسين بوحشية في جنوب البلاد، مع مقتل الآلاف انتقاما. لقد عانى الأكراد من الإبادة الجماعية في ظل نظام البعث، والمعروفة باسم حملة الأنفال.
عام 1991، فرضت الولايات المتحدة منطقة حظر طيران سمحت للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) بالحفاظ على السيطرة على إقليم كردستان وإنشاء إدارة مستقلة بحكم الواقع. وعام 2005، بعد الإطاحة بصدام حسين على يد تحالف بقيادة الولايات المتحدة، تم كتابة هذا الحكم الذاتي ليصبح قانونًا، مما أدى إلى إنشاء حكومة إقليم كردستان.
كان دعم الولايات المتحدة للجماعات الكردية خلال الانتفاضة بداية لتحالف رسمي بين الأمريكيين والأكراد العراقيين الذي استمر إلى حد كبير حتى يومنا هذا، والذي يبدو أكثر استقرارًا بكثير من التحالف الذي تم تشكيله مع الأكراد السوريين، لأسباب منها العلاقات الجيدة لحكومة إقليم كردستان العراق مع تركيا.
طرد أوجلان من سوريا
في عام 1979، بعد وقت قصير من إنشاء حزب العمال الكردستاني، انتقل زعيمه عبد الله أوجلان إلى سوريا، والتي ستصبح قاعدة عملياته الأساسية خلال الـ 19 عامًا القادمة.
لطالما اعتبر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد زعيم حزب العمال الكردستاني "أوجلان" أداة مفيدة لاستخدامها ضد تركيا، حيث كانت هناك نزاعات عديدة حول الأراضي والموارد، وكذلك كانا على طرفين متعارضين إلى حد كبير خلال الحرب الباردة.
وفي عام 1998، أصبح وجود "أوجلان" في سوريا والهجمات المستمرة لحزب العمال الكردستاني على تركيا، دفعا أنقرة إلى التهديد بغزو سوريا إذا لم يتم التعامل مع الزعيم الكردي.
ولكونه غير مستعد للمخاطرة في صراع مع ثاني أكبر جيش في "الناتو"، طرد الأسد أوجلان من البلاد. وبعد فراره إلى عدد من الدول، تم القبض على أوجلان في نهاية المطاف في كينيا من قبل أجهزة الأمن التركية عام 1999 وظل في السجن في تركيا منذ ذلك الحين.
التوغلات التركية
منذ بداية الحرب السورية عام 2011، سعى حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهي جماعة لها صلات أيديولوجية وتنظيمية بحزب العمال الكردستاني، إلى إقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال سوريا، في خطوة أثارت قلق تركيا، التي تعتقد أن وجود هذا الكيان سيصبح منصة انطلاق للهجمات على حدودها.
وفي عام 2016، شن الجيش التركي والقوات السورية المتحالفة معه عملية "درع الفرات" ودخلوا شمال سوريا بهدف صريح هو هزيمة ما يسمى تنظيم داعش(IS) الذي ما زال يسيطر على أجزاء من البلاد. ومع ذلك، قال حزب الاتحاد الديمقراطي إنهم كانوا الهدف النهائي من العملية التركية.
منذ عام 2015، دعمت الولايات المتحدة الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو وحدات حماية الشعب الكردية(YPG)، في الحرب ضد داعش، ورأت أنها القوة القتالية الأكثر فعالية على أرض الواقع. وباعتبارها المكون الرئيسي لقوات سورية الديمقراطية (SDF)، تمكنت وحدات حماية الشعب من القضاء على الكثير من السيطرة الإقليمية لداعش في الشمال، بما في ذلك الاستيلاء على "عاصمته"، الرقة.
اقرأ أيضاً: تركيا تعلن الانتهاء من جميع الاستعدادات لعمليتها العسكرية في سوريا
ومع ذلك، فإن أي شخص كان يأمل في أن يشمل دعم الحكومة الأمريكية الحماية من تركيا، أصيب بخيبة أمل كبيرة؛ حيث حذر نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وحدات حماية الشعب من التوسع غرب نهر الفرات إذا أرادوا الحفاظ على دعم واشنطن لهم، الأمر الذي منع فعليًا إنشاء كيان متجاور يربط "الكانتونات" الكردية في الشمال الشرقي والشمال الغربي من البلاد ببعضها.
اقرأ أيضاً: ترامب مهددا تركيا: لن نتخلى عن الأكراد
شهدت عملية "غصن الزيتون" عام 2018 دخول الجيش التركي وحلفائه إلى منطقة عفرين الشمالية الغربية والإطاحة بوجود وحدات حماية الشعب الكردية هناك، مما أدى إلى انعدام القانون على نطاق واسع، كذلك أدى إلى نزوح ديمغرافي للسكان الأكراد، كما قال البعض.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تكذب ترامب: لن ندعم تركيا في عدوانها على أكراد سوريا
ورغم أن الولايات المتحدة قالت إنها "قلقة للغاية" بشأن العملية، فإن وزير الدفاع "جيمس ماتيس" زعم أن تركيا لديها "مخاوف أمنية مشروعة".