في اليوم الثاني للعدوان.. الجيش التركي يواصل غاراته على أكراد سوريا.. وزارة الدفاع: نفذنا 181 غارة.. ونزوح 60 ألف مدني وسط مخاوف من أزمة إنسانية كارثية

مثلت الساعات الـ 48 الماضية علامة فارقة مهمة في الأزمة السورية المستمرة منذ تسع سنوات؛ حيث قتلت القوات التركية، خلال عدوانها على قرى ومدن شمال شرق سوريا، حتى الآن مالا يقل عن 23 مقاتلاً كردياً فضلاً عن نزوح آلاف المدنيين، فيما تقاوم القوات التي يقودها الأكراد بإطلاق النار عبر الحدود التركية، في تصعيد حاد للصراع بين أنقرة ومسلحي الأكراد الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية في الحرب ضد داعش شمال سوريا.

ودخل الهجوم التركي ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا يومه الثاني، حيث واصلت القوات التركية هجومها الجوي والأرضي على الجماعات الكردية، مما أسفر عن مقتل 23 كرديًا على الأقل، حسبما ذكرت جماعات حقوقية. 

وقالت وزارة الدفاع التركية إنه بحلول صباح اليوم الخميس نفذت قواتها 181 غارة جوية في المنطقة. كما استخدم الأتراك الرافعات لإزالة أجزاء من الجدار الحدودي الخرساني، مما يسمح للقوات التركية والفصائل المسلحة السورية الموالية لها والمركبات العسكرية بدخول الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا.

مزاعم الأتراك

بدوره، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن القوات التركية لا تخطط للذهاب أبعد من عمق 18 ميلًا داخل الأراضي السورية، وهي مسافة قال إنها ضرورية لمنع المقاتلين الأكراد من إطلاق الصواريخ على سوريا، على حد زعمه.

وادعى "أوغلو" أن تركيا تخطط في نهاية المطاف للسيطرة على ممر يمتد لمئات الأميال على طول الحدود التركية السورية لكنه لم يذكر متى. وقال في مقابلة مع التلفزيون التركي "سنفعل ذلك في الوقت المناسب".

فيما قال محللون عسكريون أتراك هذا الأسبوع إن الخطة الأولية كانت الاستيلاء على منطقة ضيقة فقط بين مدينتي تل أبيض ورأس العين.

من جانبهم، قال مقاتلو الفصائل المسلحة السورية المدعومين من تركيا إنهم استولوا على الأقل على قرية يسيطر عليها الأكراد على بعد أمتار قليلة من الحدود.

مأساة المدنيين

وعلى جانبي الحدود، استقل حشود من المدنيين السيارات والشاحنات الصغيرة بحثًا عن الأمان من القتال؛ حيث فر أكثر من 60 ألف سوري من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد منذ يوم أمس الأربعاء، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مراقب للنزاع مقره في بريطانيا، ومسؤولون في الأمم المتحدة.

مرحلة جديدة في الحرب السورية

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن هذا الهجوم، الذي بدأ أمس الأربعاء، يمثل مرحلة جديدة في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ثماني سنوات والتي بدأت كموجة من الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد، والتي تصاعدت منذ ذلك الحين إلى مجموعة من الصراعات المتداخلة التي تشارك بها جيوش أجنبية ومجموعة من الميليشيات المحلية بما في ذلك ضباط الحكومة السورية السابقة ومقاتلي داعش والقوميين الأكراد.

بدورها، تحالفت الولايات المتحدة مع ميليشيا يقودها الأكراد، وهي قوات سوريا الديمقراطية، لتطهير شمال شرق سوريا من مسلحين من داعش. اغتنمت الجماعات الكردية الفرصة لإقامة إقليم يتمتع بالحكم الذاتي في شمال شرق سوريا، ودعم الحدود التركية الجنوبية.

أثار الوجود الكردي، المتاخم للحدود التركية، غضب الحكومة التركية، التي تعتبر الميليشيا التي يقودها الأكراد جماعة إرهابية بسبب علاقتها بقوات حرب العصابات الكردية داخل تركيا.

لعدة سنوات، حافظت قوة أمريكية صغيرة على السلام بين الأكراد السوريين وتركيا، ذلك السلام الذي استمر حتى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ الأحد الماضي بسحب القوات الأمريكية من تركيا، على الرغم من القلق الذي أظهره ضباطه العسكريين ومسؤولي وزارة الخارجية، وانتقاد الجمهوريين هذه السياسة.

مزاعم أردوغان

وبعد ظهر اليوم الخميس، زعم رئيس تركيا رجب طيب أردوغان الغزو بأنه محاولة للحفاظ على سيادة سوريا على المدى الطويل وتطهير المنطقة ليس فقط من المقاتلين الأكراد ولكن أيضا من فلول داعش. وقال، في كلمته أمام حزبه السياسي: "الهدف من عملية "نبع السلام" هو المساهمة في وحدة الأراضي السورية والوحدة السياسية"، على حد قوله.

ورفض أردوغان المخاوف من أن فوضى الغزو ستخاطر بالسماح لآلاف من مقاتلي داعش الذين تحتجزهم الميليشيات التي يقودها الأكراد بالهرب؛ وقال: "سنُبقى في السجن الأشخاص الذين ينبغي إبقاؤهم في السجن وإرسال الآخرين إلى بلدانهم الأصلية، إذا قبلتهم تلك البلدان".

إدانة فرنسية

من جهته، أدان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الهجوم اليوم الخميس، ودعا تركيا إلى وضع حد له "بأسرع ما يمكن". وقال: "اليوم تناست تركيا أن أولوية المجتمع الدولي في سوريا هي محاربة داعش والإرهاب"، مضيفًا أن تركيا كانت تخاطر بأزمة إنسانية لـ"ملايين الناس".

وأضاف: "إن هذا الخطر المتمثل في مساعدة داعش على إعادة إحيائه، وهذا الخطر الإنساني، هو مسؤولية تركيا وحدها أمام المجتمع الدولي".

بدورهم، قال مسؤولون أتراك إن 109 مقاتلين أكراد قتلوا منذ أمس الأربعاء، رغم أن المراقبين المستقلين أبلغوا عن تقديرات أقل. وقالت جماعة مراقبة، إن 16 كرديا على الأقل قتلوا.

ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل أفراد من قوات سوريا الديمقراطية في منطقة تل أبيض ورأس العين في شمال شرق سوريا، إلى جانب ستة مهاجمين مجهولي الهوية. وذلك بعد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقتين الاثنين الماضي. وقالت المرصد إن 33 آخرين من أفراد قوات سوريا الديمقراطية أصيبوا.

"فكرة سيئة"

بعد أيام من شن العملية التركية، وصفها الرئيس الأمريكي بأنها "فكرة سيئة"؛ وقال هذا الأسبوع إن تركيا، حليف الناتو، ستواجه عقوبة اقتصادية إذا فعلت أي شيء اعتبره "خارج الحدود".

وفي بيان صدر الأربعاء، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن أهداف العملية كانت "ضمان أمن حدودنا وسلامة شعبنا"، ووصف الميليشيات الكردية ومقاتلي داعش بأنها تهديدات. تلا ذلك ست ساعات من الغارات الجوية للقوات البرية التركية والفصائل المتمردة المتحالفة معها على المدن الحدودية السورية.

وقال أحد عناصر الفصائل المسلحة السورية عبر الهاتف، لـ"نيويورك تايمز"، إن لواءًا مكونًا من حوالي 1000 مقاتل سوري تدعمهم تركيا سيطر على بلدة اليابسة بعد أن واجه مقاومة.

وأضاف الحارث دحدوني، 31 عاماً، وهو ممثل لجبهة الشامي، وهي ميليشيا سورية تدعمها تركيا: "استولينا على المدينة قبل ساعة دون أي اشتباكات، كانت المدينة خالية تمامًا، لافتاً إلى أنه على بعد دقيقة واحدة فقط من الحدود".

موجات نزوح

يهدد هذا القتال بإحداث أزمة إنسانية لمئات الآلاف من الأشخاص الذين عزلوا عن المساعدات السورية لسنوات؛ حيث يعتمد معظمهم على القوات الكردية ومنظمات الإغاثة للحصول على الخدمات الأساسية. وشوهد الآلاف من المدنيين على الطرق أثناء فرارهم مع ممتلكاتهم أمس الأربعاء.

وقال بانوس مونتيس، منسق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في سوريا في مكالمة هاتفية أجرتها "نيويورك تايمز" معه، إن تأثير الهجوم كان "أسوأ بكثير، وأكثر دراماتيكية مما تخشاه منظمات الإغاثة"، مضيفاً أن "حماية المدنيين هي الآن مصدر القلق الأكبر"، لافتاً إلى أن بعض منظمات الإغاثة سحبت بالفعل بعض موظفيها من المنطقة.

وأكد فيليبو جراندي، رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في بيان، أن مئات الآلاف من المدنيين "باتوا الآن في مأزق".

إلى ذلك، شددت هنريتا فور، المديرة التنفيذية لليونيسف، الأربعاء، على أن التصعيد العسكري سيكون له "عواقب وخيمة" على القدرة على تقديم المساعدات.

اقرأ أيضاً: الدفاع التركية تعلن تحييد 174 كرديًا خلال عمليتها العسكرية شمالي سوريا

وقالت: "أحث جميع الأطراف على حماية الأطفال والبنية التحتية المدنية التي يعتمدون عليها، وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي"، مشيرة إلى أن "استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان يتسبب في أضرار غير مقبولة للأطفال".

اقرأ أيضاً: دبابات ومدرعات.. تركيا ترسل تعزيزات عسكرية إلى الفصائل السورية الموالية لها (فيديو)

أكراد تركيا

داخل تركيا، بدأت العائلات أيضًا في تحميل أمتعتهم ومغادرة المدينة للسفر بعيدًا عن الحدود؛ وقالت "آيس كايا" وهي تكدس عائلتها في سيارة صغيرة: "نحن ذاهبون غربًا لأن الناس أصيبوا في الجانب الشرقي من المدينة".

اقرأ أيضاً: الآلاف من سكان مدن شمال شرق سوريا يتظاهرون احتجاجًا على العدوان التركي (فيديو)

لكن آخرين، بمن فيهم اللاجئون السوريون الذين يعيشون الآن في تركيا، كانوا أقل اهتمامًا؛ وقال مصطفى علي، وهو رجل مسن يرتدي ثوبا طويلا من القطن: "لقد رأيت هذا من قبل، أنا من سوريا، سأقوم بإعداد الشيشة، لقد جئت من حلب، ورأيت ذلك كثيرا في حلب".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً