شاركت المرأة اللبنانية في المظاهرات الواسعة التي تشهدها مدن لبنان احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية واستشراء الفساد، حتى أصبحت أيقونة لها، ووقفت أكثر من 30 سيدة جنبًا إلى جنب مع جموع المتظاهرين في ساحة رياض الصلح بالعاصمة بيروت، مشكلةً جدارًا بشرياً يفصل المحتجين عن الأسلاك الشائكة وشرطة مكافحة الشغب التي أغلقت مدخل السراي الكبير، مقر الحكومة اللبنانية.
وقالت ريم الرفاعي، 22 عامًا، لصحيفة "ديلي ستار" البريطانية، أمس الأحد: "وقفنا في الصف لساعات... نحاول الحفاظ على سلميتنا"، مضيفةً أنه "في كل مرة يحاول شخص ما عبور الخط أو تهديد الاحتجاج السلمي، فإننا نطرده".
ليلة الجمعة الماضية، تحول ما بدا كظاهرة منظمة في أحد الميادين المركزية في بيروت إلى الأسوأ عندما أطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين دون سابق إنذار. ومع فرار الحشد وتشتته في الشوارع المجاورة، انتهزت مجموعة صغيرة من المتظاهرين الفرصة للقيام بأعمال تخريب وتحطيم واجهات المتاجر ونهب ما بداخلها.
ونتيجة لذلك، تعرض العديد من المتظاهرات للضرب الوحشي على أيدي قوات الأمن، بغض النظر عما إذا كانوا يتظاهرون بشكل سلمي أو يشاركون في أعمال التخريب.وقالت حنين ناصر، 30 عاماً، وهي تراقب المتظاهرين وهم يجلسون على مدرج خرساني صباح السبت الماضي: "بالطبع، هناك بعض الأشخاص الذين يريدون تخريب الممتلكات، لكننا ضد التخريب"، مضيفةً أنها بدلاً من ذلك، قررت الانضمام إلى التجمع لإظهار "الوجه السلمي" للمظاهرة ضد الفقر والفساد و"الفوضى" في بلدها.من جانبها، قالت الطالبة نور عسيران، 20 عامًا، والتي وقفت إلى جانب "الرفاعي" في خط المواجهة المكون من السيدات، مساء السبت الماضي، إن النساء قد أصبحن أشبه بقوات حفظ سلام، بشكل غير مقصود، بين الآلاف من المحتجين مساء السبت"، مضيفةً: "نحن النساء، نحن الجنود، ولدينا قوتنا الخاصة التي أظهرناها في تلك الليلة".
أي شخص اطلع على الاحتجاجات منذ أن بدأت ليلة الخميس الماضي، سوف يرى الصورة المذهلة للمرأة التي أصبحت أيقونة لها؛ ففي الصورة، التي أعيد تجسيدها منذ ذلك الحين في الرسوم الكاريكاتورية واللوحات، شوهدت امرأة لبنانية شجاعة وهي تركل رجلاً مسلحًا في فخذه، ما أجبره على الابتعاد عن المحتجين. وذلك في الوقت الذي أطلق أحد الحراس الشخصيين لوزير التعليم، أكرم شهيب، النار عشوائياً في الهواء مساء الخميس الماضي، بينما كان محاطًا بالمتظاهرين السلميين، في محاولة واضحة لإفساح الطريق أمام موكب الوزير.
وعبر نساء لبنان عن غضبهن وإحباطهن من الحكومة بعدة طرق؛ ففي حين قاتل البعض وهتفن بشعارات ثورية عبر مكبرات الصوت، وضع آخرون كراسي على جانب الطريق ووزّعوا الحلوى على زملائهن المحتجين.وقالت كوليت، 54 عامًا، وهي معلمة بإحدى المدارس الفرنسية: "نحن قادمون لنرى ما يمكننا القيام به، إنها المرة الأولى التي أقوم فيها بهذا ولكن أطفالي شجعوني على الخروج".
بعد الأجواء المضطربة التي شهدتها ليلة الجمعة، حيث اشتعلت النيران في وسط بيروت، وكان الشباب يستقلون الدراجات النارية ويحطمون نوافذ البنوك، كان من الممكن ألا ينضم الناس إلى مظاهرات اليوم التالي. ومع ذلك، لم يكن هذا ما حدث؛ حيث ازداد عدد المتظاهرين يوما بعد يوم، فتدفق الرجال والنساء والأطفال على الساحات والطرق السريعة والأماكن العامة في البلاد بعشرات الآلاف.وقالت هيا خوري، 25 سنة: "المظاهرات كانت رائعة، وكانت النساء أحرارا في ارتداء ما يريدن، ولم تكن هناك مضايقات، ولم أشعر أنني كنت امرأة؛ شعرت أنني كنت شخصًا آخر في الاحتجاجات".واتفقت معها شقيقتها "هانيا"، 28 عامًا، قائلة "أهم شيء هو أن الجميع كانوا هناك لهدف واحد وهو تحرير لبنان".مثل الرجال في الاحتجاجات، فإن مطالب النساء ومظالمهن متنوعة، من الدعوة الموحدة لسقوط الحكومة وعودة الأموال العامة "المسروقة"، إلى قضايا خاصة بنوع الجنس، مثل حقوق الجنسية والأجر المتساوي.
وقالت "مها"، 40 عامًا، والتي رغم خبرتها في التعليم الجامعي، وسنوات من الخبرة في التدريس، تكافح للعثور على عمل: "هناك الكثير من القضايا في لبنان، مثل ضعف الرعاية الصحية ودعم التقاعد، لكن الضغوط الاقتصادية تؤثر على النساء بشكل خاص".اقرأ أيضاً: مسلحو "حركة أمل" يعتدون بالضرب على المتظاهرين في لبنان (فيديو)وبحسب الـ"ديلي ستار"، فإن المرأة لا تزال في جميع أنحاء العالم ممثلة تمثيلا غير متكافئ اقتصاديا؛ فووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للنساء، فإنهن ممثلات تمثيلا زائدا عالميا في العمالة الضعيفة، وأقل حظا في الحصول على الحماية الاجتماعية المناسبة، مثل استحقاقات البطالة وحماية الأمومة.اقرأ أيضاً: متظاهرو لبنان يطالبون بحمايتهم عقب اقتحام أنصار حزب الله لساحات الاحتجاجاتاحتل لبنان المرتبة 138 من بين 145 دولة في تقييم الفجوة بين الجنسين ومشاركة العمال في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2015؛ وقالت "علا"، الطالبة البالغة من العمر 16 عامًا، لصحيفة "ديلي ستار"، صباح أمس الأحد، أثناء مشاركتها في الاحتجاجات الممطرة في ساحة الشهداء في بيروت: "للفتيات، مثل الصبيان، الحق في المطالبة بحقوقهن".اقرأ أيضاً: رئيس وزراء لبنان الأسبق: استمرار التظاهرات ليس في مصلحة أحد (فيديو)إلى ذلك، أحضرت العديد من النساء أطفالهن للتظاهر معهن في الشوارع، هؤلاء النساء اللواتي ألوحن بحماس بالأعلام ورسمن على وجوههن ألوان العلم اللبناني الأحمر والأبيض والأخضر. وقالت المعلمة "ناها"، 28 عامًا: "أعتقد أنه بعد هذا الذي رأيته، فإن للنساء دور أكبر من الرجال في هذه الاحتجاجات؛ فإنهن أمهات، ومدرسات، إنهن ينشئن الجيل القادم".