تعالت الأيام القليلة الماضية آلاف الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي منادية بتفعيل هاشتاج "إعدام راجح " للتأثير على كلمة القضاء الأخيرة، بل وامتلأت الشوارع بلافتات حملت نفس المطلب بل ونقشت على الحيطان وأبواب المحال في مسقط رأس الجاني، وهي جميعها في النهاية مشاعر غاضبة عبر عنها أصحابها تأثرا بواقعة مقتل الشاب محمود البنا ابن شبين الكوم على يد الجاني زميل دراسته وجاره في نفس الوقت محمد راجح.
ربما قسوة المشاهد التي تناقلها هؤلاء الأشخاص بعدما سجلتها كاميرات المراقبة، والتي أوضحت كيف غدر الصاحب بصاحبه وكيف خطط للانتقام منه واستدرجه بحجة حل خلاف بينهما وما أن أمن له المجني عليه غافله الجاني وشل حركته بمادة كيميائية حارقة أفقدته القدرة على النظر ما سهل للجاني وأعوانه ارتكاب جريمتهم في قرينهم وأخذوا يتناوبون عليه بأسلحتهم البيضاء وهو لا يملك إلا أن يهرب بعيدا عنهم وعيناه مغلقتان يتحسس طريقا آمنا، لكنهم لم يمهلوه وأردوه قتيلا في الحال.
ربما قسوة المشاهد هذه هي ما جعلت الهاشتاج يدوي على مواقع التواصل وعلى أرض الواقع أيضا، ووصل إلى حد التظاهر بأعداد غفيرة بمحيط أولى جلسات محاكمة الجاني وأعوانه، للتأثير على قرار هيئة المحكمة وإطلاق الحكم بالإعدام على الجناة من الجلسة الأولى، فهنا تناقش"أهل مصر" إمكانية العمل بنظام هيئة المحلفين في القضاء المصري من عدمه، كعامل مساعد للقاضي حتى يطلق حكما يطمئن إليه قلبه، خاصة وأن قضية راجح وضحيته محمود البنا ليست هي الأولى ولا الأخيرة.
ناقشت "أهل مصر" مجموعة من فقهاء القانون والدستوريين والمصادر القضائية، وجاءت آراؤهم ما بين مؤيد ومعارض.
القانون المصري يتعارض مع "الإنجلو الأمريكي"
أوضح مصدر قضائي أن مبادئ القضاء الذي تقوم عليه المحاكمات في مصر منذ زمن طويل هي نفسها مبادئ القضاء الفرنسي وتعمل به كافة الهيئات القضائية عند نظرها مختلف القضايا، وبناء على توصياته وأسسه يوقع القاضي الجزاء والعقوبة على المتهم، وهو يختلف تماما عن قضاء المحلفين أي قضاء "الإنجلو الأمريكي" وهو نظام قضاء يعمل به كل من إنجلترا وأمريكا، والذي يعتمد على أخذ القاضي لآراء ما يقرب من 13 شخص من مختلف أطياف المجتمع في القضية المنظورة أمامه بعد عزلهم عن المجتمع لعدم التأثير عليهم من قبل الرأي العام ووسائل الإعلام والصحافة، ويأخذ برأيهم في إذا كان المجني عليه القائم أمام هيئة المحكمة مذنب أو غير مذنب وإذا انتهى المحلفين للإجماع على أن المتهم مذنب يوقع القاضي العقوبة حسب تدرجها في القانون على المتهم كلا على حسب جريمته، وإذا اجتمع المحلفين على أن المتهم غير مذنب يعلن القاضي براءته.
ثقافة المجتمع تعرقل "هيئة المحلفين"
وعن إمكانية تطبيق قضاء المحلفين في نظر القضايا في مصر، كشف المصدر القضائي عن صعوبة تطبيق نظام قضاء المحلفين في مصر معللا ذلك بعدة أسباب، أولها أن ثقافة وتكوين الأشخاص في المجتمع المصري تختلف تماما عن ثقافة وتكوين المجتمع الإنجليزي والأمريكي، فالفرد في تلك المجتمعات نشأ وتربى وباتت عقيدته راسخة جيلا بعد جيل بما لا يدع مجالا للشك أن مصلحة المجتمع مفضلة على مصلحته الشخصية دائما وأبدا، وأنه إذا تعارضت مصلحة الشخص مع مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه، فإنه حتما ولا بد سيختار مصلحة المجتمع، وأنه لا مجال للمجاملة ولا الميل إلى حديث النفس والهوى، لذلك يرتاح القاضي لآراء المحلفين ويأخذ بها عند نطر القضية والنطق بالحكم.
قيم وتقاليد المصريين تمنعهم من الحيادية
وثانيا فإن المجتمع المصري يختلف فيه ثقافة الفرد من منطقة لأخرى، وهناك احتمالية أن تأتي آراء بعض المحلفين منهم حسب أهوائه وميوله وأعراف وتقاليد بيئته فعلى سبيل المثال ما يراه أهالي الصعيد حق لهم وغير محرما مثل جرائم قتل النفس للثأر بسبب ترسخ عقيدة الحفاظ على الهيبة والرجولة أمام الأهل والعشيرة يختلف الوضع عنه في مناطق أخرى، وكذلك القياس على كافة الأمور فكيف لقاضي أن يطمئن إلى رأي أحد المحلفين وهو يعلم توجهاته وميوله وأعراف وتقاليد محيطه الاجتماعي.
الرشوة تهدد نزاهة المحلفين
ثالثا أوضح المصدر القضائي أنه من المحتمل فتح باب الفساد في حالة تطبيق قضاء المحلفين، كأن يعرض رشوة على أحدهم وهم ليسوا أنبياء معصومين من الخطأ، ولذلك قد يغير رأيه ليخدم المتهم والذي يرى القانون إدانته وخير دليل على ذلك "سبوبة شهود الزور" الذي يستعين بها وكلاء المتهمين لتغير مجرى القضية لصالحهم رغم إثبات اقترافهم للجريمة أيا كان نوعها.
المحلفون يعرضون أنفسهم للخطر
رابعا ينهي المصدر القضائي أسباب صعوبة تطبيق نظام قضاء المحلفين في مصر لإمكانية قيام طرف من المدانين الماثلين للمحاكمة بتهديد أحد المحلفين كخطف زوجته أو أحد أبنائه ما يضطره للشهاده في حق المتهم بشكل مخالف للحقيقة خوفا على أفراد أسرته أو تجارته أو ما شابه.
"راجح" قاتل بالأدلة يقينا لدى النيابة
وحول محاكمة قاتل الشاب محمود البنا، أكد المصدر أن جميع إجراءات تقديم المتهم للمحاكمة تمت بأقصى سرعة، بل وأدانت النيابة الواقعة وعادت لتصدر من جديد بيان رسمي تأكدها بما لا يدع مجال للشك من ثبوت قيام الجاني بقتل المتهم ووثقت قناعتها بالأدلة المادية من محادثات هاتفية وتهديدات من هاتف الجاني إلى المجني عليه وكذلك تفريغ الكاميرات بمحيط الواقعة.