"تأجير الرحم"، أو ما يُعرف بـ"الأم البديلة"، ظاهرة لم تكن معروفة في مصر؛ إلا أنها خلال الأونة الأخيرة أصبحت منتشرة في العديد من محافظات مصر، والتي منها محافظة البحيرة، حيث تضطر بعض السيدات إلى تأجير أرحامهن للحصول على أموال يخرجهن من دائرة الفقر، وتمكنهن من الإنفاق على أسرهن.
ويُعرف الدكتور عادل فتحي النعام، أخصائي العقم وأمراض النساء والولادة، عملية "تأجير الأرحام"، بأنها: "عبارة عن حقن الأرحام بتقنيات التخصيب المجهرى، بهدف إنجاب أطفال لمن لم يتمكنوا من الإنجاب، وتعد عملية تأجير الأرحام أحد طرق الاستثمار التى تمكن بعض السيدات من الإنجاب عبر الأمهات البديلات، وهذا النشاط غير متداول بكثرة في الشرق الأوسط وبالأخص في مصر، ولكن في الأونة الأخيرة بدأ ينتشر بين الأطباء ومراكز العقم بهدف استغلال النساء الفقيرات، فى محاولة الإنجاب للسيدات التي لا تستطيع الإنجاب بالطرق الطبيعية".
وأضاف النعام: "على مدار عملي في مجال الطب، تخصص العقم، هناك أساليب محددة يتم اتباعها علي السيدات غير القادرة على الإنجاب، وذلك من خلال عمليات الحقن المجهري، ولكن لنفس السيدة وليس لسيدة أخرى، وتظل تحت الملاحظة لمدة 9 شهور حتي تتم العملية بنجاح، ولكن عملية تأجير الأرحام ظهرت عندنا منذ 3 شهور فقط؛ عندما قامت سيدة من المتابعين لديّ في المستشفى بعد فقدها كافة الطرق و الوسائل التي تجعلها تنجب أطفال، بعرض فكرة تأجير الرحم و عندما طلبت منها توضيح الفكرة أكثر، قالت: إنها قامت بالفحص الطبي في العديد من المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة وآخرها في مركز مشهور في القاهرة، وعرض عليها طبيب فكرة تأجير الرحم، وشرح لها الفكرة بأنها توفر سيدة قامت بالإنجاب قبل ذلك وتكون غير مقتدرة ماديًا وتجري العملية بمقابل مادي و بعد الإنجاب تأخذ الطفل".
وتابع أخصائي العقم وأمراض النساء والولادة: "على الفور قمت بامتصاص حزنها بسبب عدم الإنجاب، ومناقشتها في الأمر من حيث الجانب الديني والطبي ومدى الخطورة التي تتم من خلال هذه العملية وقد تؤدي في بعض الأحيان إلي الإجهاض ووفاة الأم البديلة، إلا أن لم تقتنع وظلت الفكرة عالقة في ذهنها على أمل أن تقوم بتنفيذها لدى الطبيب الذي قام بالاقتراح عليها بعد فشلها في إقناعي بإجراء العملية".
الهروب من لقب "عانس"
وتقول "أحلام. و. ر"، سيدة تبلغ من العمر 45 عامًا، مقيمة في قرية دنشال التابعة لمركز دمنهور بمحافظة البحيرة: "قطار الزواج فاتني بسبب مرض والدتي وإصراري على عدم الزواج قبل شفائها، وظلت تعاني من المرض فترات طويلة حتي توفت عقب أن أتممت 35 عامًا، وفي عادات وتقاليد الريف الفتاة التي تبلغ 25 عامًا دون زواج تعتبر عانس، وبعد وفاة والدتي استمر حزني عليها ورفضت الزواج، حتى قام شقيقي الأكبر باقناعي من الزواج من شخص يبلغ من العمر 55 عامًا، ويعيش بمفرده بعد وفاة زوجته التي كانت تعاني من العقم طوال حياتها، و أكد شقيقي أن حالته المادية مستقرة وأنه يمتلك العديد من العقارات، وبالفعل قبلت الزواج منه، وكانت حياتي مستقره و عوضني الله بعد هذا العمر بزوج صالح يتقي الله، ولكن بعد مرور سنة ونصف على زواجي بدون إنجاب، طلب الزوج عرضي على الطبيب للفحص ومعرفة أسباب عدم الإنجاب".
وتابعت أحلام: "حين ذهبنا إلى الطبيبة، طلبت عمل تحاليل وفحوصات، واكتشفت أن لديّ مشكلة في التبويض، وطلبت مني الاستمرار في أخذ الأدوية لمدة محددة ثم إعادة التحليل و الفحوصات لمعرفة النتيجة، ولكن ظلت النتيجة كما هي بسبب تأخر سن الزواج وبعض المشاكل الصحية، وكل هذا جعل فرصة الإنجاب قليلة جدًا إلم تكن مستحيلة، وعندما طلب منها زوجي عمل حقن مجهري وشراء حقن من الخارج تساعد على الإنجاب بصورة أسهل وأضمن، رغم إرتفاع تكلفة هذه الحقن ولكن أصر زوجي علي شرائها، رفضت الطبيبة إجراء هذه العملية بسبب إرتفاع نسبة خطورتها على حياتي، وهنا تغيرت حياتي من النعيم إلى الجحيم في كل شيء سواء من جانب المعاملة السيئة من زوجي وأهله، وحين سألته عن سبب تغير معاملته معي؟ قال لي: أنا تزوجك بهدف الخلفة، بعد حرماني من الأطفال 55 عامًا بسبب مرض زوجتي السابقة، وتفاقمت بيننا المشكلات حتى افترقنا بالطلاق".
الفقر.. السبب
وأوضحت "حسنية. م. م"، مقيمة في حوش عيسى بالبحيرة، أنها تزوجت منذ 20 عامًا، وكان زوجها صنايعي وأنجبت من 3 فتيات وولد، وتوفي منذ 8 سنوات إثر حادث انقلاب سيارة ميكروباص على الطريق الصحراوي، وحتى تتمكن من الإنفاق على أبنائها عملت في تنظيف المنازل، ولكن العائد المادي لم يكن كافيًا لتوفير متطلبات أسرتها، وهو ما اضطرها للبحث عن عمل آخر ولم تتمكن من هذا بسبب عدم إكمال تعليمها.
وأضافت حسنية: "بعد ذلك قمت بخدمة سيدة عجوز، كانت تقيم بمفردها في مركز دمنهور، بعد سفر أولادها الثلاثة إلى إحدى الدول العربية للعمل في مجال البترول، وفي يوم أثناء عملي معها استدعتني وسألتني عن أولادي وعن فترات الحمل بين كل طفل منهم؟ وبعد أسبوع تحدثت معي عن أن ابنها عقيم وغير قادر على الإنجاب، وأنه في حاجة إلى سيدة توافق على تأجير رحمها مقابل 100 ألف جنيه، وقالت لي: فكري في الموضوع، أنا عارفه إنك محتاجه فلوس، وأنتِ أولى من الغريب".
وتابعت: "بدأت أفكر في قبول تأجير رحمي لابن السيدة التي كنت أعمل عندها، والسبب أنني كنت في حاجة إلى الأموال التي تمكنني من الإنفاق على أبنائي، وفي اليوم التالي سألتها: العملية دي حلال ولا حرام؟ فأكدت لي أنها حلال، فقلت لها: أنا موافقة، وعقب يومين ذهبنا إلى المستشفى لعمل الفحوصات الطبية اللازمة، وتم تحديد موعد للسفر إلي الدولة العربية التي كان يقيم بها ابنها لإجراء العملية؛ إلا أنه قبل سفرنا بيومين توفي إبني، واعتبرت وفاته رسالة من الله، ورفضت استكمال إجراءات العملية".
نقلا عن العدد الورقي