شهر من الكر والفر.. العراقيون يواصلون تظاهراتهم لإسقاط الحكومة اعتراضا على سوء الأداء.. عشرات القتلى ومئات المصابين في مواجهات مع الشرطة.. خبيرة بالعلاقات الدولية: المهدي لم يستطع استيعاب المطالب

شهد العراق منذ مطلع الشهر الحالي عددا من الاحتجاجات بعدما قرر العراقيون بشكل مفاجئ التعبير عن غضبهم وإسماع صوتهم للحكومة والمسؤولين فيها، لكن تطورت الاحتجاجات ورافقها عدد من الأحداث والمواجهات التي أودت بحياة 13 شخصًا، وإصابة 865 في فض اعتصام كربلاء.

البداية

خرجت المظاهرات في البداية مطالبة بتحسين الخدمات ومكافحة الفساد، ليرتفع سقف المطالب إلى إقالة الحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي احتجاجًا على أداء حكومة عادل عبد المهدي التي فشلت، وفقًا للمحتجين، في تنفيذ برنامجها الحكومي، خلال عام من عمرها.

وقال المتظاهرون إن الحكومة لم تنجز أي شي مهم في الملفات الكبيرة كتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات.. كما فشلت، في تقديرهم، في تكليف وزير للتربية خلال عام كامل، ناهيك عن تدهور قطاع الصحة وضعف أداء الأجهزة الأمنية.

وتأتي هذه التظاهرات، التي انطلقت في بغداد ومحافظات البصرة وذي قار ومدن أخرى، بعد أيام من دعوات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض إقالة القادة الميدانيين الذين حاربوا تنظيم داعش، ومن بينهم رئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي.

احتجاجات متجددة

بشعار "باقون حتى إسقاط الفساد"، استمر المحتجون في ساحة التحرير العراقية رافضين العودة إلى منازلهم حتى تتحقق مطالبهم، وقد وقع بتلك الساحة عدد من الإصابات بين المدنيين، وقوات الأمن، وقد تسبب الغاز المسيل للدموع في إصابة 17 شخصًا في اليوم الأول من الاحتجاجات.

واستمرت الاحتجاجات تتجدد يومًا بعد اليوم، وأخذت تستشري في محافظات العراق المختلفة، من كل الفئات، لكن فئة الشباب خاصة الطلاب، كانت ظاهرة بشكل واضح خلال تلك الاحتجاجات.

اقرأ أيضًا.. العراق.. المتظاهرون يحتشدون في ساحة التحرير بعد أنباء عن فض الاعتصام بالقوة

كما شهدت المظاهرات العديد من أعمال العنف والشغب وإحراق السيارات وإغلاق الشوارع والميادين، حيث قتل اثنان، وأصيب 300 شخص في اليوم الثاني من الاحتجاجات حصيلة ضحايا قمع التظاهرات في العاصمة بغداد، ومدن وسط وجنوب العراق، أغلبهم من المتظاهرين، وبينهم عدد من الأجهزة الأمنية، وهو اليوم الذي أعلنت فيه وسائل إعلام عراقية اقتحام المتظاهرين لمبنى مجلس محافظة بابل.

وفي اليوم الثالث للاحتجاجات توافد المحتجون سيرًا إلى ساحة الطيران واستمروا كذلك في ساحة التحرير بالرغم من حظر التجول الذي كانت حكومة المهدي قد فرضته آنذاك وهتف المتظاهرون مطالبين بإسقاط النظام ورحيل الحكومة الحالية، وحمَّلوا إيران مسؤولية الوصاية والهيمنة على العراق، على حد تعبيرهم.

أما في اليوم الرابع فقد ارتفع عدد القتلى إلى 65 قتيلًا، ووصل عدد المصابين إلى 1188 مصابًا، وفي يومها الخامس ارتفع عدد القتلى إلى 72 شحصًا، كما تواصلت حالة الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن لليوم السادس على التوالي.

وفي اليوم السابع الموافق السابع من أكتوبر أفاد شهود عيان بإصابة 44 آخرين بجروح، ومقتل 4 في مركز محافظة ميسان جنوبي العراق، إثر استخدام الأجهزة الأمنية، الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع في قمع التظاهرة من أمام مبنى الحكومة المحلية، كما شهد اليوم السابع أيضًا استهداف لـ6 قنوات فضائية محلية وعربية بقصف صاروخي، وهجمات، وتهديدات وإغلاق، على يد مسلحين مجهولين.

الموجة الثانية من الاحتجاجات "خروج طلابي وإضرابات"

وفي تحدِ آخر لحظر التجوال الذي فرضته الحكومة العراقية مرة أخرى، تأججت الاحتجاجات مرة أخرى يوم الجمعة الموافقة 25 أكتوبر في محافظات العراق منددة بفساد حكومة المهدي، لكن برزت مشاركة فئة الشباب هذه المرة؛ إذ توافد آلاف الطلاب إلى شوارع مدن عدة في العراق من بغداد إلى البصرة جنوبي البلاد، ليسقط يوم الجمعة فقط 40 قتيلًا.

اقرأ أيضًا.. ماذا يحدث في العراق؟ بغداد يفرض حظر التجول ويوقف الإنترنت بينما تتحول الاحتجاجات الكبرى إلى عنف

وأعلن المجلس المركزي لنقابة المعلمين العراقيين، الإضراب العام في عموم مدارس العراق لمدة أربعة أيام تضامنا مع المتظاهرين، والتحقت نقابات مهن مختلفة بينها نقابة المحامين، التي أعلنت إضرابًا لمدة أسبوع، ونقابة المهندسين بالاحتجاجات، رغم الإجراءات الأمنية التي تعرقل الوصول إلى أماكن الاعتصامات والتظاهرات، وقد وصل عدد قتلى تجدد الاحتجاجات في العراق إلى 82 قتيلًا.

اعتصام كربلاء

شهدت مدينة كربلاء اعتصامًا واسعًا، حتى أن المحتجين قاموا بنصب الخيام، حيث نصب عشرات المتظاهرين يوم الجمعة خيم الاعتصام في ساحة التربية وسط مدينة كربلاء الواقعة جنوبي العاصمة العراقية بغداد.

صباح اليوم، تدوالت وسائل الإعلام أنباء عن فض اعتصام كربلاء بالقوة من قِبل الأجهزة الأمنية العراقية، مما تسبب في مقتل 13 شخصا وإصابة 865 آخرين نتيجة إطلاق الشرطة النار على المتظاهرين، كما تداول نشطاء عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة عنيفة سمع فيها صيحات مصابين، وأزيز الرصاص الحي.

كما أظهرت مقاطع أخرى فض الاعتصام بالقوة، ومحتجين على الأرض يسيل الدم من أجسادهم، وهو مانفته شرطة كربلاء في بيان لها جاء فيه أن ما تم نشره في وسائل الإعلام عار عن الصحة ولا يوجد أي قتيل لا من القوات الأمنية ولا من المتظاهرين، عدا حادث قتل شخص واحد بحادث جنائي بعيدا عن مكان المظاهرات شرق المدينة حوالي 2 كم".وأضاف البيان: "بإمكان أي شخص الذهاب إلى الطب العدلي في مستشفى الحسيني أو الإخوة الإعلاميين ونشر الحقائق، ونؤكد نفينا وبشكل قاطع ما ينشر في وسائل الإعلام من فبركة في الأخبار وأن الفيديوهات التي نشرت غير صحيحة".وأشار البيان إلى أن "ما أشيع من مقاطع فيديو هدفه تأجيج الشارع الكربلائي، ونحن مستعدون لمرافقة القنوات الإعلامية إلى الطب العدلي وعرض أي استمارة تشريح ليوم أمس، حيث لا توجد أي استمارة عدا الحادث الجنائي المذكور وبإمكانهم إجراء اللقاءات مع مدير الطب العدلي للوصول إلى الحقيقة"، وتابع: "سنقاضي أي وسيلة إعلامية تحاول الإساءة لسمعة مدينة كربلاء دون الرجوع إلى المصدر الرئيسي قبل النشر".كيف تعاملت حكومة المهدي مع الاحتجاجات؟أصدرت الحكومة العراقية خلال الاحتجاجات عددا من القرارات للتعامل مع الاحتجاجات، ففي الأيام الأولى للاحتجاجات تم تقييد الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي، كما تم قطع الانترنت عن عدة مناطق بالعراق بينها العاصمة بغداد، كما تم فرض حظر التجوال باستثناء الإسعاف والحالات المرضية والمسافرين والعاملين بالمستشفيات والكهرباء، والذى لم يهتم له المتظاهرون، مما دفعها إلى قطع الطرق الرئيسية، التى تربط بين أحياء العاصمة بغداد، ووعد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بوظائف للخريجين وأوعز إلى وزارة النفط والهيئات الحكومية الأخرى بتضمين حصة بنسبة 50 ٪ للعمال المحليين في العقود اللاحقة مع الشركات الأجنبية.وفي اليوم السادس من الاحتجاجات الأولى أصدر مجلس الوزراء العراقي حزمة قرارات وصفت "بالمهمة" خلال جلسة استثنائية دعا إليها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، والتي ضمت 17 قرارا، تستهدف بالتحديد المجال الاجتماعي، مثل توزيع القطع والأراضي السكنية، وتقديم منح شهرية لبعض العاطلين عن العمل.اعتبر عراقيون القرارات الصادرة السبت "غير كافية"، وقالوا إن المطالب أكبر من ذلك بكثير، مشيرين إلى أن تنفيذها قد "لا يحدث" لعدة أسباب، وخلال الاحتجاجات الثانية، قرر مجلس الوزراء العراقي إعلان حظر التجول في بغداد من 12 ليلا إلى 6 صباحا بالتوقيت المحلي.التظاهرات التي بدأت بالمطالبة بتحسين الخدمات الأساسية وتوفير فرص عمل، ارتفع سقف مطالبها ليصل إلى رحيل حكومة عبد المهدي وتغيير النظام برمته، وطالب زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تشرف عليها الأمم المتحدة وتخلو من الأحزاب السياسية الحالية.وفي أول رد فعل له، رفض رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لاستقالته من منصبه، وقال عبد المهدي في رسالة للصدر، إن تحول الحكومة العراقية لحكومة تصريف أعمال سيعطل الإصلاحات.وقال المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي، في تصريح صحفي، إنه طالما البرلمان موجود حاليًا وحسب الدستور فلا يمكن إجراء انتخابات مبكرة إلا في حال حل البرلمان نفسه، وهو من صلاحية البرلمان وليست صلاحية رئيس الوزراء“، وأضاف أنه فيما يخص تعديل قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة، فإن الحكومة قررت مسبقًا المضي في ذلك.وبشأن أحداث العنف التى شهدها العراق على مدار الأيام الماضية، كان "عبد المهدى"، قد ألقى باللوم على مجموعة مشاغبين وصفهم بـ"المندسين"، كما أوضح أن القوات الأمنية تحرص على أمن وسلامة المتظاهرين، وأكد أنه سيتم التحقيق فى حوادث التظاهرات.وقد أقر تقرير لجنة التحقيق في استهداف المتظاهرين في العراق، التي شكلها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بناء على طلب المرجع الديني الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، بالاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين من قبل القوات الأمنية.وأكّد التحقيق، الذي نشرته أمس، اللجنة التي ترأسها وزير التخطيط نوري الدليمي، والتي ضمت وزراء الدفاع والداخلية والصحة والعدل وقادة عسكريين كبارًا، أن 157 مواطنين قتلوا، وجرح 3458 آخرون، وأوصى التقرير بإحالة قادة عسكريين وأمنيين كبارا، من بينهم قائد عمليات بغداد وقائد عمليات الرافدين وقادة الشرطة في بغداد وميسان وواسط وذي قار والديوانية، إلى التقاعد، وصدق رئيس الوزراء على ذلك.متخصص في العلاقات الدولية: الوضع العراقي قابل للتصاعد والمواجهة الأمنية ليست حلاالدكتورة سماء سليمان، المتخصصة في العلاقات الدولية، علقت، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر" على الأزمة العراقية وأداء الحكومة خلال الاحتجاجات، قائلة: "بدأت المظاهرات في 1 أكتوبر كأول مظاهرة حاشدة ضد حكومة عبد المهدي بعد نحو عام من تشكيلها، وقد بدأت في شوارع بغداد وعدة مدن في جنوب العراق، احتجاجًا على تردِّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة، ووصلت مطالب المتظاهرين إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة".وأضافت: من الملاحظ أنه لم تصدر دعوة صريحة من أي جهة سياسية أو دينية للتظاهر، كما لوحظ عدم وجود لا رايات ولا صور ولا شعارات حزبية، ولاحقًا، دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنصاره إلى تنظيم "اعتصامات سلميّة" و"إضراب عام".اقرأ أيضًا.. محافظ كربلاء: مصرون على حماية التظاهرات السملية وهناك دخلاءوتحدثت سماء سليمان في تصريحاتها عن كيفية تصرف الحكومة مع المتظاهرات، قائلة، إن رئيس الوزراء لم يستطع استيعاب المطالب، كما لم تحظ وعوده في 6 أكتوبر برضا شعبي، وخاصة تلك المتعلقة بتنفيذ حزمة قرارات لمكافحة الفساد، وتوزيع قطع أراضٍ سكنية، وتوفير رواتب للعوائل التي لا معيل لها، وفتح باب التطوع في الجيش.وأضافت أن المتظاهرين لم يرتضوا بنتيجة تقرير لجنة التحقيق في مقتل المتظاهرين التي شكلتها الحكومة في 22 أكتوبر، والذي كشف عن مقتل 149 مدنيا وثمانية عناصر من الشرطة، فضلا عن إصدار الحكومة قرارات بإعفاء قادة للشرطة في محافظات بغداد وذي قار والديوانية وبابل والنجف وواسط وميسان وتحويلهم للتحقيق، وقد كان لعدم كشف اللجنة عن أسماء القناصين الذين استهدفوا المتظاهرين وعدم إدانة الفصائل المرتبطة بالحشد الشعبي والتي اتهمت بقمع التظاهرات أثره، فقد أدى ذلك إلى استمرار التظاهرات في مختلف المحافظات وتجديد طلبة مدارس وكليات وجامعات بغداد تظاهراتهم ومشاركتهم في اعتصام.واختتمت "سليمان" قائلة" يمكن القول إنه حتى لو كان لدى الحكومة قناعة بأن هذه التظاهرات بسبب دعم خارجي فإنه يصعب إنكار أن المطالب التي خرج من أجلها المتظاهرون ثم انضم إليها باقي فئات الشعب في كافة محافظات الدولة بحاجة لحلول ولإعادة الثقة بين الحكومة والشعب، وأن الحلول الأمنية في مواجهة المظاهرات ليست الحل الأمثل، ولكن يجب التعامل بحكمة مع المطالب لأن الوضع مرشح للتصاعد وليس للتهدئة لو استمرت المعالجة الأمنية فقط من قبل الحكومة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً