بعد توسيع وجودها في الشرق الأوسط، وجدت طهران نفسها وحلفاءها واقعين ضمن دائرة الغضب لدى المتظاهرين العرب، وتمثل ذلك في احتجاجات هي الأكبر من نوعها، والتي لم تضرب العراق أو لبنان منذ عقود، وفي هذا الشأن تحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
بدأت "وول ستريت جورنال" تقريرها بالحديث عن تظاهرات كربلاء التي وقعت في وقت متأخر من يوم الأحد الماضي، حيث أحرق محتجون في مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، القنصلية الإيرانية بالمولوتوف، وسحبوا العلم العراقي على جدران القنصلية.
انقلب السحر على الساحر.. سلطة إيران ونفوذها يهددان إيران نفسها
خلال العقد الماضي، عززت إيران من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لتوسيع وجودها في المنطقة، لكن مع اكتساب الجماعات شبه العسكرية المدعومة من الجمهورية الإسلامية نفوذًا سياسيًا، فإن المتظاهرين يحمّلون طهران وحلفاءها المحليين المسؤولية مثل الطبقات السياسية الخاصة بهم عن سوء الحكم وعنف الدولة.
وقال إميل حكيم، محلل لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "كانت طهران تستفيد من التصور بأن خصومها هم الفاسدون وغير الفاعلين، لكن مع اكتساب شركاء إيران للسلطة، لا يمكنهم الهروب من حقيقة أنهم الآن يتحملون مسؤولية تدني أوضاع بلدانهم".
ففي ميدان التحرير ببغداد، هتف المتظاهرون "إيران برا برا"، وهدموا لوحات إعلانية مزينة بزعماء إيرانيين، وألقيت الأحذية على صور قاسم سليماني، القائد الأكثر شهرة في إيران وذو الوجود المتكرر في العراق.
كما استمر المتظاهرون بقوة غير منقوصة، حتى بعد إقالة رئيس الوزراء اللبناني ودفع زعيم العراق إلى حافة الاستقالة، ففي لبنان، عادت حشود ضخمة إلى الشوارع في عطلة نهاية الأسبوع، بعد فترة هدوء قصيرة أعقبت استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري الأسبوع الماضي.
واستهدفت الاحتجاجات، التي حشدت الدعم عبر الخطوط الطائفية، مجموعة واسعة من القضايا، لكن المشاعر المعادية لإيران كانت نقطة محورية للغضب الشعبي، وخاصة في جنوب العراق، حيث يلقي الكثير من المتظاهرين باللوم في الخدمات العامة المتدهورة في بلادهم، والنمو الاقتصادي البطيء، والفساد على قيادة سياسية يعتقدون أنها غالبًا ما تكون مملوكة لطهران.
ففي لبنان، يطالب المتظاهرون بتغييرات جذرية في النظام السياسي الذي رسّخ الطائفية والنفوذ الأجنبي، فالمناصب الثلاثة الأولى - الرئيس ورئيس الوزراء والمتحدث - مقسمة بالتساوي بين المسيحيين والسنة والشيعة.
وبحسب الصحيفة، فإن "حزب الله"، وهو مجموعة عسكرية وسياسية شيعية، هو أقرب شريك لإيران، ويحتل حصة كبيرة من الأصوات الشيعية بسبب النظام السياسي الطائفي، وكذلك دوره في الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل والمتطرفين في تنظيم داعش.
أما في العراق، فكان الهدف المشترك للمحتجين هو الميليشيات الشيعية، وكثير منها مدعوم من إيران، والتي حولت مكاسبها في ميدان المعركة ضد "داعش" إلى قوة سياسية، وهي تُعرف باسم قوات التعبئة الشعبية، وهي مسؤولة رسميًا عن الدولة ولكنها تعمل بدرجة كبيرة من الإفلات من العقاب، مما يمنح طهران قناة التأثير.
ووفقًا للتقرير، فقد سمحت هذه القوة والسيطرة الإقليمية للميليشيات بالظهور كقوة اقتصادية قوية، مستفيدة من كل شيء، من الضرائب إلى قبضتها المتزايدة على شركات البناء الحكومية، وكذلك، وفقًا للولايات المتحدة، فإنها تساعد إيران على تجنب العقوبات.
خوف إيران يجعلها تنأى بنفسها
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أنه يبدو أن طهران تنظر إلى الاحتجاجات بقلق، إذ أنها تقارن الاحتجاجات العربية بالاضطرابات الماضية في الداخل لديها والتي تسببت في قمعها بالقوة، وظهر ذلك حين اتهم المرشد الأعلى الإيراني "خامنئي" الأسبوع الماضي الولايات المتحدة وإسرائيل ودولا غربية أخرى بإثارة الاحتجاجات في العراق ولبنان.
وقال "خامنئي": "الأعداء تورطوا في نفس المؤامرات ضد إيران، لكن لحسن الحظ، تم التصرف في الوقت المناسب، وتم إلغاء الفتنة"، ويستخدم المسؤولون الإيرانيون كلمة "الفتنة" لوصف الاحتجاجات المحلية الكبيرة، مثلما حدث في الحركة الخضراء لعام 2009.
ولم تكن إيران البلد الوحيد الذي استهدفه الغضب الشعبي، حيث قام المتظاهرون في بغداد بإحراق الأعلام الأمريكية والإسرائيلية، وكذلك أعلام حزب البعث الذي أسسه صدام حسين، وقال محمد علي شعباني، الباحث في العلاقات الإيرانية العراقية: "يبدو أن الغضب موجه بالدرجة الأولى نحو النخب الحاكمة كالولايات المتحدة".
إيران تحمي حلفاءها.. حقيقة الاجتماع السري بين سليماني والصدر
وذكرت الصحيفة أيضًا أنه مع اشتداد الاضطرابات، تحركت طهران لحماية حلفائها السياسيين، فبعد أن عرض رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، الاستقالة، تدخل السيد سليماني، قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري، لإبقائه في منصبه، بحسب شخصين مطلعين على الاجتماعات السرية.
وخلال زيارة استغرقت أربعة أيام لبغداد، طلب سليماني من قادة أكبر كتلتين سياسيتين دعتا إلى الإطاحة برئيس الوزراء هادي العامري ومقتدى الصدر، لمواصلة دعم رئيس الوزراء، على حد قوله، وفي يوم الأحد، دعا عبد المهدي البلاد إلى العودة إلى طبيعتها دون ذكر عرضه السابق بالاستقالة.
لكن مسؤولا حكوميا إيرانيا رد على هذه المزاعم بقوله: "هناك أهداف وراء هذه التقارير لجعلها تبدو وكأن إيران تخبر العراق بما يجب القيام به، وعلى الرغم من بعض المشاعر المعادية لإيران في العراق، فمن المبالغة التلميح إلى أن إيران لاعب مزعج في العراق"، كما نفى صباح العجيلي، برلماني من كتلة مقتدى الصدر، وجود أي اتفاق لإبقاء رئيس الوزراء في مكانه، واصفًا ذلك الادعاء بأنه "هراء".
أيضًا اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش قوات الحشد الشعبي، وهي مظلة للمجموعات شبه العسكرية العراقية، وكثير منها تدعمها إيران، بإطلاق أعيرة نارية على المتظاهرين حتى لو كان ذلك للدفاع عن مكاتبهم.
وقد حث بعض المسؤولين العراقيين ذوي النفوذ، إيران على الابتعاد عن شؤونها الداخلية، فحذّر آية الله علي السيستاني، أكبر سلطة شيعية في العراق، يوم الجمعة من أنه "يجب ألا يتدخل أي حزب دولي أو إقليمي" في إرادة الشعب العراقي.
كذلك وصف زعيم حزب الله "حسن نصر الله" الاحتجاجات اللبنانية بأنها مؤامرة أجنبية ضد "محور المقاومة"، وهو مصطلح لتحالف مناهض للغرب ومعاد لإسرائيل، مكون من إيران وسوريا وحزب الله.
وقال محمد أبوزيد، الذي يعيش في جنوب لبنان، وشهد حزب الله يهاجم المتظاهرين في "صور" لـ"وول ستريت جورنال": حتى زعيم حزب الله يعترف بأنهم جنود لإيران، لديهم فقط مصالح وأجندات أجنبية".