يتمتع الأقباط، في عهود مصر المختلفة، بمكانة كبيرة في قلوب المصريين، أما على مستوى بابا الكنيسة وعلى الصعيد السياسي، فاختلفت علاقة الباباوات بالحكام، خاصة فيما بعد تأسيس الجمهورية المصرية.
وكأول رئيس للجمهورية المصرية، حرص الرئيس الراحل محمد نجيب، على التقرب من الكنيسة، وأصبح أول رئيس للجمهورية يزور الكاتدرائية، وذلك بعد ثورة 23 يوليو، بعام واحد.
الكاتب الصحفي في حياة محمد نجيب، محمد ثروت، وثق في كتابه "محمد نجيب.. الأوراق السرية لأول رئيس لمصر"، الصادر عن دار الجمهورية ضمن سلسلة كتاب الجمهورية، ومؤلف سيناريو فيلم عن محمد نجيب، ويقول:" أول رئيس حضر قداس الليل في أعياد الميلاد اللواء محمد نجيب، وتم توثيق ذلك في كتاب الكنيسة المصرية والعام الأول لثورة يوليو إصدارات الأهرام".
وكانت جمعية التوفيق المسيحية، استطاعت أن تحتفل عيد النيروز وهو عيد الشهداء الأقباط وبداية السنة القبطية، في الثامن من يناير ذلك العام، واستطاعت أن تجعله عيدًا وطنيًا تحتفل به مصر، وكان يحضره الكبار مثل سعد زغلول والنحاس، وبعد ثورة 52 حرص محمد نجيب على حضور أول عيد نيروز، ومعه عدد من الضباط الأحرار والسياسي السابق علي ماهر، واستقبلهم قداسة البابا يوساب الثاني الـ 115 وعدد من رؤساء الطوائف المسيحية وكذلك أراخنة الاقباط من اعضاء جمعية التوفيق القبطية العريقة.
وألقى عباس محمود العقاد قصيدة للتهنئة بالعيد والثورة ومما قاله فيها: يا صحبة التوفيق وقفتم الي النهج السديد.. حييتم النيل المبارك واحتفيتم بالصعيد، كما ألقيت الكلمات والترانيم الروحية، وفي نهاية الحفل غنت السيدة أم كلثوم.
ولم تكن تلك المناسبة هي الظهور الوحيد للبابا في عهد نجيب، ففي عام 1654م، وفي ظل احتدام الصراع بين عبد الناصر ونجيب، ففي يوم من أيام يوليو عام 1654، أقدم خمسة من شباب الأقباط بهجوم مسلح على المقر البابوي، واقتحموا بوابة دار البطريركية بكلوت بيه، وجردوا عمال البوابة والنظافة من عصيهم وقيدوهم، ووصلوا إلى غرفة البابا يوساب واختطفوه.
واستسلم البابا للمسلحين، ولكنهم أبرزوا مجموعة من الأوراق وطلبوا أن يوقع عليها والمسدس مصوب إليه ووضعوا أمامه ثلاث ورقات، تحتوي على ثلاثة قرارات بالغة الخطورة وأجبروه على التوقيع عليها وهي: تنازل البطريرك عن العرش البابوي وتعيين الأنبا ساويرس مطران المنيا بدلا منه، دعوة المجمع المقدس والمجلس الملي العام لانتخاب بطريرك جديد، وتوصية لتعديل لائحة انتخاب البطريرك بحيث يشترك في انتخابه جمهور رعاياه من العلمانيين.
ثم اقتادوه إلى أديرة وادي النطرون، وأمروا رهبان الدير باحتجاز البابا، فإنه يريد التفرغ للصلوات والعبادة المنفردة لأنه تنازل عن العرش البابوي.
وعادت المجموعة بسرعه للقاهرة لتصدر بياناً كانوا جهزوه من قبل أرسلته إلى الكنائس والصحف وبعض الجهات الرسمية في الدولة تعلن فيه أن البابا تنازل عن العرش وإقراراً موقعاً بالفساد المستشري في الكنيسة، وتطلب من الشعب القبطي أن يقوم بانتخاب بطريركا آخر، وتحذر الدولة من التدخل في شئون الأقباط الداخلية.
وهنا قررت الدولة التدخل، رغم انشغال محمد نجيب وجمال عبد الناصر بالصراعات السياسية بينهما،
فأرسلت الحكومة وزير التموين القبطي جندي عبد الملك إلى المقر البابوي للتفاوض مع الجماعة التي قامت بالعملية، وكانت الحكومة وقتها تعتقد ان الأمر يتعلق بمسألة قبطية داخل الكنيسة.
وبعد زيارة الوزير القبطي، وعندما رأى الوضع أبلغ بأن هذه ليست مشكلة كنسية، وأبلغ وزير الداخلية بأن عملية الاختطاف التي تمت للبابا عملية جنائية، وتحركت الشرطة إلى المقر البابوي واقتحمت المبنى وألقت القبض عليهم، ثم تم تحرير البابا وإعادته إلى المقر البابوي.