"موتًا سريريًا".. هو الوصف الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ماكرون على "حلف الناتو"، لتأتي بعده موجة من التكهنات بشأن مستقبل الحلف، بعد حالة الانقسام الحادة التي يعيشها بعد "التمر التركي" على أعضائه من أجل توطيد العلاقة بروسيا على حساب المعسكر الغربي، والذي تجلى في انضمام أنقرة لمباحثات "أستانا" تارة، والإقدام على شراء منظومة الصواريخ الروسية "إس 400" تارة أخرى،.
ولعل الدعم الذي تقدمه تركيا للجماعات الإرهابية التي تشكل خطرًا على مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية فى منطقة الشرق الأوسط، يشير إلى سوء نية من أنقرة، وأنها باتت تتصرف على أنها عدو للحلف وليس عضوًا فيه.
تصريحات ماكرون أثبتت إنشاء جيش أوروبي موحد، بسبب حالة الركود التي يعيشها الحلف، والتي عبر عنها ماكرون في تصريحاته المثيرة للجدل ، حيث أكد أن الحلف منذ عقود لم يسعى لتطوير قدراته الدفاعية الجماعية .
ووافقه الرأي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي اعتبر أن حلف شمال الأطلسي بحاجة إلى النمو والتغيير ومواجهة تحديات الحاضر، وإلا سيعفو عليه الزمن، مشيرًا إلى أنه لا مفر من تزويد الحلف بالموارد التي يحتاج إليها، وإلا سيعفو عليه الزمن.
وتمثل الخلافات بين أعضاء الحلف حول الخطورة المتهورة من أردوغان بتدخله عسكريًا في سوريا بين مؤيد ومعارض، انهيار المشروع الأمريكي مع أوروبا، وعزز من تلك الفرضية إقدام أردوغان على شراء شِراء منظومات صواريخ دفاعيّة روسيّة “إس 400” رغم المعارضة الشرسة من الولايات المتحدة تجاه تلك الصفقة، التي تتعارض مع منظومات التسليح الأمريكية الأوروبية، على النحور الذي يعجل ويعزز من احتمالية انفراط الحلف.
الولايات المتحدة من جانبها أدركت خطورة الدور التركي، وظهر ذلك واضحًا في مواقفها الحاسمة من تصرفات أنقرة، سواء فيما يتعلق بتدخلها عسكريا في الشمال السوري، أو معارضتها ولهجتها الحادة تجاه صفقة s400، أو حتى حالة التبارز الدبلوماسي بين البلدين بشأن القس الأمريكي المعتقل في السجون التركية.
واعتبر خبراء أن الرئيس الفرنسي كان على صواب، في حديثه عن الحلف يعيش "موتًا سريريًا"، في إشارة إلى عدم جدواه في ظل انفراد بعض أعضاء الحلف في اتخاذ قرارات فردية تنعكس سلبًا على أعضاء آخرين.
ولكن على الجانب الأخر، لكن رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تصريحات ماكرون ووصفتها بـ“الراديكالية“، وأكد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج، أن الحلف ما زال قويًا، مشيرًا إلى أن أن الولايات المتحدة وأوربا تتعاونان معًا أكثر مما فعلتا منذ عقود.
الخبير العسكري الروسي إيغور كوروتشينكو، اعتبر أن نهاية حلف الناتو باتت حتمية، مشيرًا إلى مقاطعة أعضاء الحلف الأسلحة الأمريكية، يشير إلى وجود نار تحت الرماد بين أعضاء الحلف من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، حيث تنظر الأخيرة للحلف على أنه سوق تجاري واقتصادي لأسلحتها.
وأوضح الخبير، أن إيطاليا رفضت قبل عام تقريبا شراء المقاتلات القاذفة الأمريكية "إف-35"، وبعدها تجرأت تركيا وأعلنت رفضها شراء منظومات صواريخ "باتريوت" الأمريكية. وقبل أيام نقض الرئيس البلغاري صفقة شراء طائرات "إف-35" من الولايات المتحدة.
وأكد أن كل هذه المؤشرات تؤكد وجود انهيار تام في وحدة صف الحلف، على النحو الذي يعجل بنهايته، مشيرًا إلى أن النهاية حتى لو لم تكن في المستقبل القريب إلا أنها قادمة لا محالة.
ورغم كل هذه المخاوف والتي عززها العصيان التركي، إلا أن الحلف لا يمكنه الآن طرد تركيا من الناتو في ظل التوترات السياسية والعسكرية القائمة بين أعضاء الحزب.
فالحلف المؤلف من 29 عضوا سبق أن مر بتوترات حادة، بما في ذلك على خلفية أزمة قناة السويس وغزو العراق، لكنها لم تؤد إلى إقصاء أي عضو عنه.
بجانب ذلك، تمثل تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة، ويسهم استمرار عضويتها في الناتو باحتواء الخلافات القديمة بينها واليونان. كما يعول الناتو بشكل ملموس على قاعدة إنجرليك كمنطلق أساسي لأنشطته في الشرق الأوسط، فضلا عن وجود أسلحة نووية أمريكية في هذا الموقع العسكري.