بعد إعلان حكومي مفاجئ عن زيادة كبيرة في أسعار الوقود في أوج أزمة اقتصادية، خرج المواطنون الإيرانيون في مظاهرات ومسيرات ووقفات احتجاجية في معظم المحافظات الإيرانية، تحولت إلى احتجاجات مناهضة للنظام برمته، تخللتها اشتباكات مع قوات الأمن التي انتشرت بكثافة لقمع هذه الانتفاضة، التي شهدت إحراق مقار حكومية وهتافات مناهضة لأبز الرموز السياسية والدينية في البلاد، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وهو الدعوة لإسقاط المرشد الأعلى نفسه.
وقُدم هذا الإعلان على أنه إجراء ستوزع أرباحه على العائلات التي تواجه صعوبات، في بلد نفطي يفترض أن يواجه اقتصاده الذي تخنقه عقوبات أمريكية، انكماشا نسبته 9 بالمئة. لكنه أثار على الفور انقسامات خصوصا على شبكات التواصل الاجتماع وفي صفوف الطبقة السياسية التي تنتقد خصوصا توقيت الإجراء قبل أشهر من الانتخابات التشريعية المقررة في فبراير المقبل.
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، إن التظاهرات كانت "كبيرة" في مدينة سيرجان (وسط) حيث "هاجم أشخاص مستودعا للوقود في المدينة وحاولوا إحراقه"، لكن الشرطة تدخلت لمنعهم، موضحة أن احتجاجات "متفرقة" جرت في مدن بينها مشهد (شمال) و بيرجند (شرق) و بندر عباس (جنوب) وكذلك في غشسارات والأهواز وعبدان وخرمشهر وماهشهر (جنوب غرب)، لافتة إلى أن الاحتجاجات اقتصرت على تعطيل حركة السير موضحة أن التظاهرات توقفت بحلول منتصف ليل الجمعة السبت.
عبء على كاهل الشعب
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد حاول في ديسمبر 2018 زيادة أسعار الوقود، لكن مجلس الشورى عرقل تبني القرار بينما كانت تهز البلاد تظاهرات غير مسبوقة نجمت عن فرض إجراءات تقشفية. وقال روحاني إنه لم يستجب لدعوات داخل الحكومة الى زيادة سعر البنزين الى مستويات تقارب الزيادة في دول أخرى في المنطقة، مؤكدا أن من شأن ذلك أن يزيد التضخم.
من جانبه، أكد السياسي المحافظ أحمد توكلي عبر تويتر أن هذه الزيادة "ستنقل فقط عبء عدم كفاءة الحكومة الى كاهل الشعب". واعتبر الإصلاحي مصطفى تاج زادة أن زيادة سعر البنزين تزامنا مع تنامي التضخم والبطالة والعقوبات هو خيار سيئ.
وانتقد اثنان من المراجع الدينية في إيران وهما صافي كلبايكاني وعلوي جرجاني رفع أسعار البنزين، وطالبا بإلغاء القرار وعدم ممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
وبدأت إيران أمس الجمعة تقنين توزيع البنزين ورفعت أسعاره بنسبة 50 بالمئة أو أكثر، في خطوة جديدة تهدف إلى خفض الدعم المكلف الذي تسبب بزيادة استهلاك الوقود وتفشي عمليات التهريب، وفقا لتصريحات رسمية؛ حيث أفادت الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط أنه سيكون على كل شخص يملك بطاقة وقود دفع 15 ألف ريال (13 سنتًا) لليتر لأول 60 ليتراً من البنزين يتم شراؤها كل شهر. وسيُحسب كل لتر إضافي ب30 ألف ريال. وكان سعر ليتر البنزين المدعوم من الدولة، يبلغ 10 آلاف ريال (أقل من تسعة سنتات).
وتقرر الإجراء من قبل المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي الذي يضم الرئيس ورئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائية.
وتبلغ نسبة التضخم في إيران أكثر من 40 بالمئة حاليًا بينما يتوقع صندوق النقد الدولي بأن ينكمش الاقتصاد بنسبة تسعة بالمئة هذا العام وأن تكون نسبة النمو معدومة (0 بالمئة) في 2020. وازداد التهريب في وقت انخفض الريال مقابل الدولار منذ تخلّت واشنطن بشكل أحادي عن اتفاق 2015 النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع طهران وأعادت فرض عقوبات مشددة عليها العام الماضي.
خامنئي يحترق
وفي ساحة الاحتجاجات، حرق المتظاهرون اليوم، صورة المرشد الإيراني علي خامنئي في إسلام شهر والتي تبعد 12 كيلومترا عن العاصمة طهران، وذلك تزامنا مع إضرامهم النار في محطتي بنزين في مدينة إسلام شهر، كما أحرقوا حاجزا للشرطة في مدينة أصفهان. وفي مدينة رباط كريم جنوب طهران، أضرم المحتجون الغاضبون النار في مصرف.
"الموت للدكتاتور"
كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لتظاهرة على أوتوستراد حكيم في العاصمة طهران، حيث ردد المحتجون شعار "الموت للدكتاتور"، في إشارة للمرشد علي خامنئي، فيما هتف آخرون في آرياشهر في طهران "الموت لخامنئي".
تهديد المحتجين
من جهته، وصف المدعي العام الإيراني محمد جعفر منظري الاحتجاجات بأنها "أعمال شغب"، مهددا بمواجهة المحتجين، مضيفا أن قرار تعديل قيمة البنزين تم اتخاذه على أساس القانون ورأي الخبراء، مرجعا سبب الانتفاضة إلى أن "بعض الأفراد (المُخلين بالأمن) استغلوا الظروف الحالية لإحداث اضطرابات والتسبب بمشاكل في النظام العام".
محاولة لاحتواء الغضب
وفي محاولة لامتصاص غضب المتظاهرين، اجتمع المجلس الاقتصادي الأعلى في البلاد، في وقت سابق اليوم، بحضور الرئيس الإيراني حسن روحاني ورؤساء السلطات الثلاث، ولكنه لم يخرج بنتيجة حول مآلات رفع أسعار البنزين وركز فقط على أن عائدات رفع أسعار النفط سيتم توزيعها على الفقراء بأسرع ما يمكن.
وأفاد ناشطون بأن الإنترنت انخفضت سرعته في معظم المناطق أو مقطوعة بالكامل في المناطق الملتهبة خاصة في مدن إقليم الأهواز.
وأفاد ناشطون عرب بأن هناك اشتباكات مستمرة في الأهواز حيث قام محتجون بإحراق مبنى للبلدية. كما في مدينة المحمرة اشتبك شبان بالسلاح الناري في منطقة الطويجات قرب الجسر الجديد، وتم تدمير محطة غاز الخراساني في المحمرة. وتفيد أنباء أخرى بأن متظاهرين في ميناء ديلم المطل على الخليج العربي قاموا بقطع الطريق بين محافظتي الأهواز وبوشهر. وبث ناشطون مقاطع تظهر المتظاهرين في شيراز وهم يهتفون: "المدفع والدبابة وكل الأسلحة لم تعد تخيفنا".
"برلمان لا يمتلك قراراً"
بدورها كتبت النائبة الإصلاحية في البرلمان الإيراني عن العاصمة طهران، براونه سلحشوري، أن "القرار تم اتخاذه من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى ورؤساء السلطات الثلاث في تجاهل تام للبرلمان"، وطالبت الناخبين بإلقاء اللوم على البرلمان لأنه لا يمتلك قراره، حسب تعبيرها.
وفي تصاعد للاحتجاجات ضد رفع أسعار الوقود على نحو لافت، أحرق المتظاهرون فرع للمصرف الوطني، بالتزامن مع مطالب بإسقاط نظام المرشد ورفض تدخل طهران في شؤون الدول العربية؛ ففي مدينة بهبهان، جنوب غربي إيران، أضرم محتجون النار في "المصرف الوطني"، بينما طالب المتظاهرون في مدينة "كرج"، وسط البلاد، بإسقاط نظام المرشد علي خامنئي.
وردد متظاهرون في عدة مدن إيرانية هتافات رافضة لتدخل بلدهم في شؤون الدول العربية، وطالبوا بتحسين أحوالهم المعيشية، بحسب مصادر في المعارضة الإيرانية. وأضافت المصادر أن قوات الأمن لجأت إلى القوة أثناء تفريق متظاهرين في بوشهر جنوبي البلاد، بينما استنكر متظاهرون في طهران إنفاق عائدات البلاد على قوات الباسيج.
وذكر ناشطون أن القوات الأمنية في مدينة بوشهر، جنوب إيران، استخدمت المياه لتفريق المتظاهرين. وفي محافظة خوزستان الغنية بالنفط في إيران، يظهر مقطع مصور الشرطة وهي في مواجهة حشود من المحتجين. وفي مشهد، ثاني أكبر مدن إيران والتي تضم ضريحا شيعيا شهيرا، ترك عشرات المتظاهرين سياراتهم وسط حركة المرور تعبيرا عن احتجاجهم، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا).
وأظهرت تسجيلات أخرى ترديد المتظاهرين هتافات ضد رموز النظام الإيراني، ردد المتظاهرون خلالها: "روحاني! عار عليك! أترك البلد وحده". وهتف آخرون: "الموت للديكتاتور" في إشارة إلى المرشد علي خامنئي. كذلك هتف المتظاهرون ضد تدخلات نظام طهران في شؤون المنطقة؛ ورددوا شعار "لا غزة لا لبنان.. روحي فدا إيران".
وعمد عدد من المحتجين، في طهران، إلى قطع "أوتوستراد همت"، و"أوتوستراد حكيم" عبر إطفاء محرك السيارات بغية الاحتجاج على رفع أسعار الوقود. كما أغلق آخرون أحد الطرق الرئيسية في مدينة أصفهان (وسط إيران) بالسيارات، رفضاً لتلك الزيادات المفاجئة. كذلك، شهدت مناطق "شيراز، وسلطان آباد، عاصمة محافظة فارس جنوب ايران، إغلاقا للطرق، حيث عمد بعض المحتجين إلى إحراق الإطارات.
اقرأ أيضاً: إيران.. جرحى في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعدة مدن
انتقام من "الباسيج"
وقبل ذلك، أفاد ناشطون إيرانيون، أمس الجمعة، بحرق مراكز لقوات الباسيج التابعة للحرس الثوري في طهران، وأظهر فيديو متداول حرق مقرات الباسيج واندلاع النيران فيها.
اقرأ أيضاً: متظاهرو إيران يحرقون صورة المرشد الأعلى علي خامنئي في إسلام شهر
"إيران ليست العراق ولا لبنان"
ولم يفوت مسؤولوا إيران فرصة توجيه الاتهامات لأيادي خارجية، وعلى رأسها أمريكا، وقال حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني، اليوم، إن "المتربصين بالبلاد ارتكبوا أخطاء استراتيجية"، مضيفا، في تغريدة نشرها عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "إيران ليست العراق ولا لبنان؛ والسفارة الأمريكية (في البلاد) مغلقة لعدة سنوات"، مؤكدا: "نحن الإيرانيين لن نسمح لوسائل الإعلام العميلة أن تقرر لنا المصير".
اقرأ أيضاً: "الموت لخامنئي".. متظاهرو إيران يرفعون شعارات معارضة للمرشد الأعلى والرئيس (فيديو)
ونتيجة لأعمال العنف التي مورست من جانب قوات الأمن تجاه المتظاهرين، سقط أكثر من 20 قتيلا في يومين من الاحتجاجات، كانت مدينتا شيراز وطهران ذات النصيب الأكبر من هؤلاء الضحايا. حسبما أفادت مصادر إيرانية محلية.