كلما نتقدم في شيء نفتقد شيء آخر من تراث آبائنا، فتظهر حرف وتنتهي مهن، حتى أوشكت الحرف اليدوية على الاندثار، فكلما زادت الأجهزة الآلية قلت الأيدي العاملة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حرفة "المنجد البلدى" حرفة لها تاريخ كبير وقديم، وكان المنجد له مكانة كبيرة ويعلم أهل بلده اسمه وموقع عمله، والآن انقلب الحال كما انقلب في الكثير المهن اليدوية القديمة مثل صناعة الفخار، والقفاص، والسمكرى الإفرنجى.
قال إسلام على الديب منجد بلدى، يسكن بمركز المنشأة جنوب سوهاج: إن مهنة التنجيد تعلمتها عن أبي وأبي تعلمها عن جدى، فكان المنجد عندما يأتي به أحد الأشخاص إلى منزله تدق الطبول وترفع الزغاريد، ابتهاجا وسعادة بقدومه، لأنه عندما يأتي حتما تكون هناك مناسبة سعيدة، بالإضافة إلى تقديم المال إلى المنجد بعيدا عن الإيجار المتفق عليه ويسمى ذلك بـ"النقطة".
وأضاف "علي" أن ظهور المراتب الإسفنجية، والمراتب الفيبر، والألحفة الفيبر هن السبب الأول في ضعف الإقبال على المراتب القطنية، رغم أنها صحية وعملية، فالمرتبة المصنوعة من القطن، تستطيع في أي وقت إعادة تصنيعها بنفس القطن مع تغيير القماش الخارجى فقط، وقد قمنا بتنجيد مراتب ترجع عمرها لأكثر من 40 عاما، ولكن المراتب الحديثة إذا حدث بها أي خلل انتهت ولا جدوى منها إلا إلقائها فى المهملات، وارتفاع أسعار القطن أيضا له دور مهم، أدى إلى زيادة العبء علينا فى المقام الأول، وأنا الآن أقوم بتأجير هذا المكان منذ القدم لمباشرة حرفتي وصنعتي فيه "اتعايش فيه"، والآن أعمل طوال الشهر ولا أجد مالا يغطى إيجار المكان، وأنتظر بالشهر الكامل ولم يأت سوى واحد أو اثنين على الأكثر.
وأشار "على"، إلى أكبر خطأ قد ارتكبه، هو تعلمه هذه المهنة، فتعلمها والآن "الحال انتوا شيفينه أيام سوداء على المنجدين، أيام عمرنا ما شوفناها خالص"، توقف الحال وأنا لم أعمل عملا غيرها، ولا أستطيع أن أعمل دونها، فهي إرث أبائي وأجدادي وعملى طوال حياتى.