تشغل قضية الجنة والنار حيزا كبيرا من الخطاب الديني لدرجة أن خطباء المساجد لا يتوقفون عن استخدام ثنائية : الجنة/ النار لإقناع المسلمين بعمل الطاعات والبعد عن المعاصي، ولكن في حقيقة الأمر وعلى أرض الواقع فمهما أفرط خطباء المساجد في استخدام ثنائية : الجنة/ النار فلا يتوقف الناس عن المعاصي وكأن كثير من المسلمين لا يخافون من عذاب جنهم أو أن الخطاب الديني التقليدي القائم على ثنائية الجنة / النار لم يعد مفيدا وليس له تأثير، وإن يميل كثير منهم لعمل الطاعات. يقول المولى سبحانه وتعالي في كتابه العزيز: وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، ويقول الطبري في تفسير هذه الآية : واختلف العلماء في تأويله ; فقال ابن عباس : تقرن السماوات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض ; فذلك عرض الجنة ، ولا يعلم طولها إلا الله ، فهذه هى مساحة الجنة كما ذهب الطبري وكما اتفق على ذلك جمهور المفسرين، ويظهر من تفسير الطبري للآية أنه أخذ بظاهر الأية بدون تأويل.
ولكن إذا كان عرض الجنة السموات والأرض، فأين توجد النار؟ هل توجد في السماء أم في باطن الأرض؟ وهذا السؤال سبق أن سأله هرقل الروم في رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في مسند الإمام أحمد : أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ! فأين الليل إذا جاء النهار ؟ وجاء في تحديد مكان النار أكثر من قول في كتب الحديث والأصول الإسلامية، منها قول ابن عباس رضي الله عنهما: (جهنم في الأرض السابعة)، ومن الأقوال في مكان النار أو جنهم ما أخرجه الإمام أحمد بسند فيه نظر عن يعلى بن أمية، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البحر هو جهنم)، وعن ابن عباس (أن الجنة في السماء السابعة ) ويجعلها الله تعالى حيث شاء يوم القيامة، (وجهنم في الأرض السابعة)) وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (الجنة في السماء الرابعة, فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء, والنار في الأرض السابعة فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء).