د. أحمد كريمة لـ"أهل مصر": الميزانية المخصصة للأزهر ليست من أموال الدولة.. "دي فلوس أجدادنا" (حوار)

◄ نحن أهل الدين وخبراؤه والأحق بـ"تجديد الخطاب الديني".. وعلى من يسمون أنفسهم "مثقفين" التحدث عن العدالة المُختلة وأولاد "البطة البيضه والسوده"◄ الإخوان نجحوا في اختراق الأزهر.. وسيد قطب ما زال مرجعية لبعض كتب التفسير التي تُدرس في الجامعة حتى الآن.. والأستاذ الجامعي هو من يتحمل هذا◄ كليات جامعة الأزهر بها بعض رموز السلفية.. وهؤلاء آثروا على المنهج الدعوي للمؤسسة.. وأطالب بسحب الشهادة من كل أزهري ينتمي للجماعات المتطرفة◄ الإرهاب الذي يضرب سيناء منبعه الفكر الوهابي السلفي.. والدواعش لهم "خلية" موجودة في مصر حتى الآن.. وهذه قصة الوثائق التي حصلت عليها منهم◄ "الأزهر باقٍ" ولن نسمح لأي شخص بتجاوز الخط الأحمر.. وعلماء الإسلام ليسوا "ملطشة" وأقول للمتطاولين عليهم: "اتعلموا الأدب"◄ المثقفون دخلوا "الشقوق والجحور" أيام الإخوان.. وهم من أوصلوا "مرسي" للحكم.. والسياسة مسؤولة عن الإرهاب.. والقضاء على الفكر السلفي يحتاج "إرادة سياسية" 

قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن تجديد الخطاب الديني مسألة لا يفهمها إلا الفقهاء فقط، ونحن حين نقول هذا لا نصادر على الآخرين، ولكننا الأحق بهذا الأمر؛ لأننا أدرى بالأدلة الشرعية ودلالاتها وأعلم بكيفية التعامل مع النوازل المعاصرة، وكذلك التفرقة بين أركان الإسلام وعلوم الأركان.

وأوضح أستاذ الفقه المقارن، في حواره لـ"أهل مصر"، أن الميزانية المخصصة للأزهر الشريف ليست من أموال الدولة؟ قائلًا: "دي فلوسنا. فلوس الأوقاف التي أوقفها الأجداد والتي أخذتها الدولة وقت مصادرة الأرض بالإصلاح الزراعي. الأزهر لا يأخذ إلا الفتات".

وكشف "كريمة" أن رموز السلفية وجماعة الإخوان نجحوا في اختراق الأزهر، وأن هذا الاختراق أثر على الجانب الدعوي للمؤسسة، قائلًا: "حتى الآن ما زالت مرجعيات بعض كتب التفسير في بعض التخصصات تذكر كتابي "معالم في الطريق" و"ظلال القرآن" كمرجع، وهذا موجود ولن أكذب وأنكره"، مطالبًا أن تُسحب الشهادة أو الدرجة العلمية من أي خريج أزهري ينضم للإخوان أو السلفية أو الشيعة أو الدواعش.. وإلى نص الحوار:

أقرأ أيضًا.. خالد منتصر لـ"أهل مصر": تبني بعض شيوخ الأزهر للفكر الوهابي أصاب العقل المصري بـ"الشلل" (حوار)

◄ بداية ما الذي يشير إليه مصطلح تجديد الخطاب الديني من وجهة نظركم؟- تجديد الخطاب الديني، دعوة نبوية محمدية في المقام الأول؛ لأنه صح عن المعصوم صلى الله عيله وسلم أنه قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، ومعنى التجديد هو حُسن فهم الإسلام ومن ثّمَ حُسن عرضه، ولأن هذا الدين حركة حياة فمن البديهي أنه حينما يظهر أمرٌ مستجد أو قضية مستحدثة أو تنزل بالناس نازلة يأتي دور أهل الاجتهاد الذين قال الله عز وجل فيهم: "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ" (النساء: 83).

وفي تجديد الخطاب الديني يجب مراعاة أمر رئيس، وهو أن التجديد يكون في الفرعيات، لكن الأصول والمعلوم من الدين بالضرورة "لا ومليون لا" ومن غير المقبول المساس بها؛ لأن الانقلاب على ثوابت الإسلام مرفوض شكلًا ومضمونًا، ولو حدث هذا سنكون أمام تبديد وليس تجديد، وهناك فارق كبير بين التحديث والمحو، وبين الحضارة والذوبان.

وللأمانة فإن تجديد الخطاب الديني مسألة لا يفهمها إلا الفقهاء فقط، ونحن حين نقول هذا لا نصادر على الآخرين، ولكننا الأحق بهذا الأمر؛ لأننا أدرى بالأدلة الشرعية ودلالاتها وأعلم بكيفية التعامل مع النوازل المعاصرة، وكذلك التفرقة بين أركان الإسلام وعلوم الأركان لأن هذه مسألة فيها لبس؛ فعلى سبيل المثال حين نأتي إلى الإيمان نجد أن العلم المختص به هو العقيدة والتي تظهر فيها مدارس الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والسلفية وغيرهم، وهناك أيضًا فارق بين الشريعة التي يُعنى بها النص الشرعي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبين الفقه الذي هو اجتهاد بشري لفهم هذه الأدلة، والذي أريد قوله من هذه الأمثلة إننا إذا أردنا تجديد الخطاب الديني فلابد أولًا أن يكون بأيدي الفقهاء المتمرسين الذين لهم بصر بالأدلة الشرعية، أما أن تكون الدعوة إلى التجديد من أجل خدمة أجندات أو توجهات أو إملاءات معينة؛ فنربأ بالإسلام أن يكون جزء من تلك الأجندة.

◄ لكن الجميع يطالبون الفقهاء -الذين قلت إنهم أهل الاختصاص- منذ سنوات بتجديد الخطاب الديني وإنتاج فقه معاصر؛ إلا أن شيئًا لم يحدث حتى الآن.. فما الحل لهذه المعضلة؟- الحل يكمن في وجود إرادة، وتعاون مجتمعي شامل، ومن غير المعقول أن نضع مسؤولية تجديد الخطاب الديني والرد على شبهات الجماعات الإرهابية في رقبة المؤسسة الدينية وحدها، ودعني اسأل سؤالًا: أين وزارة الثقافة؟ هل هي مسؤولة فقط عن الفنون والموسيقى والكورال؟ بالطبع لا؛ هذه الوازرة في أي دولة مهمتها بناء ثقافة شعب، وعلى سبيل المثال "ماوت ستونج" حين أراد أن يبني نهضة حديثة في الصين أقام مشروعًا ثقافيًا.

كذلك أين دور مراكز الشباب؟ هل وزارة الرياضة للألعاب البدنية فقط؟ إذن أين التغذية والتربية الروحية؟ وزارتا الشباب والرياضة والثقافة لديهما إمكانات غير متوفرة للأزهر نفسه، فأين الفعالية لهاتين الوزارتين؟ أيضًا أين مؤسسات المجتمع المدني؟ لابد أن يكون هناك تشارك مع العدالة المجتمعية، وأن يشترك المجتمع كله في قضية تجديد الخطاب الديني وليس جهة واحدة، ولكنهم يتركون كل المؤسسات ويمسكون في خناق الأزهر؛ فهل الأزهر هو الذي كان مسؤولًا عن السماح لـ 12 قناة سلفية بالبث في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك؟ وهذه القنوات هي التي أدخلت الفكر الوهابي الذي هو أساس الإرهاب إلى النجوع والكفور والعزب؟ بالتأكيد الأزهر ليس مسؤولًا عن هذا.

أقرأ أيضًا.. أحمد عبده ماهر: الأزهر لن يجدد الخطاب الديني.. وأطالب بإغلاقه 10 سنوات (حوار)

◄ تقول إن المجتمع كله مسؤول عن تجديد الخطاب الديني؛ إذن هل تقبلون أن يطرح المفكرين والمثقفين آرائهم في هذا المعترك؟- في الدين لا؛ هو يتحدث هناك في تخصصه، إنما الإسلام ليس كلأ مباحًا، وعلى سبيل المثال هل الشريعة اليهودية تسمح للعلمانية أو الليبرالية أن تتناول الشأن اليهودي؟ طبعًا لا، هل الكنائس المسيحية (الأرثوذكس أو الكاثوليك أو البروتستانت) تسمح لواحدٍ ممن نقول عليهم مثقفين -أو مش عارف أيه- أن يتحدثوا في الشأن الديني؟ طبعًا لا. ومادام الأمر كذلك فالدين له أهله وخبراؤه، وهذا ما يُفهم في الإسلام.

◄ الفقهاء أو من وصفتهم بـ"أهل الدين" متباطئون في مسألة التجديد..- مقاطعًا: اعترض بشدة واتحفظ على هذه الكلمة، وهي مرفوضة شكلًا وموضوعًا. أولًا: هيئ الظروف، وسأضرب مثالًا يؤكد أننا لسنا متباطئين في هذا الجانب: أنا كواحد من أبناء الأزهر لي كتاب عن قضية تجديد الخطاب الديني، وكتاب آخر عن خطاب إسلامي معاصر، إضافة إلى عدة مؤلفات عن السلفيين والإخوان والدواعش، إذن أين هو التباطؤ الذي تتحدثون عنه؟ والسؤال الذي يجب أن يُطرح: أين الإمكانيات المتوافرة لنا؟ أنا لدىّ مشروع لنقد شبهات الإرهاب والإرعاب، وبُح صوتي من أجل توفير برنامج واحد في قناة ذات نسبة مشاهدة عالية أو في تليفزيون الدولة ولم يستمع إلىّ أحد، ثم تأتي وتقول لي متباطئين!.

ثانيًا: أين الإمكانيات الُمتاحة لأهل العلم التي تُعطى لهم كتفرغ علمي في هذا الشأن؟ العالمُ مشغول بلقمة عيشه في ظل المرتب أو المعاش التقاعدي الهزيل الذي يُعطى له ثم تقول لي متباطئين! المعدة الخاوية لا تبني فكرًا، والإمام الشافعي رضى الله عنه يقول: "لو شُغلت بشراء بصلة ما عرفت مسألة"، لكن نحن يعيبنا التطاول على العلماء وعلى الأساتذة وتحميلهم مسؤولية ما نحن فيه الآن، بالرغم من أن ما نعانيه هو ركام سنوات من تجريف الدين؛ فهل هذا الركام سيتغير في دقيقة؟ هل تظنون أن العلماء لديهم "زرٌ" بمجرد أن يضغطوا عليه سيخرجون خطابًا إسلاميًا معاصر، هل هذا ممكن في ظل الركام الذي تركته قنوات السلفية والاختراقات التي حدثت خلال السنوات السابقة؟

◄ وزارة الثقافة ميزانيتها أقل من مليار جنيه في حين..- مقاطعًا: بتصرفهم على أيه؟

◄ لم نكمل السؤال بعد: في حين..- مقاطعًا مرة أخرى: بتصرف الفلوس دي على أيه؟ مش على ثقافة الشعب؛ أين الكتب التي تصدر للشعب؟ وأين تثقيف الشعب؟ وأين الندوات؟ وأنا لست مسؤولًا عن وزارة الثقافة ولا أهاجمها.

◄ سؤالي هو: في الوقت الذي تخصص فيه الدولة أقل من مليار جنيه لوزارة الثقافة تخصص لمشيخة الأزهر 13 مليار جنيه..- من الذي قال لك إن هذه أموال الدولة؟ أنا أريدك أن تصحح معلوماتك: دي فلوسنا. فلوس الأوقاف التي أوقفها الأجداد والتي أخذتها الدولة وقت مصادرة الأرض بالإصلاح الزراعي، يجب أن تعرف الأمور جيدًا. يعطونا أموالنا التي أوقفها الأجداد في الأوقاف الإسلامية ونعمل وننطلق بها. الأزهر لا يأخذ إلا الفتات.

◄ 13 مليار تُسميها فُتات!!- واضح أنك تريد كيلّ الاتهامات للأزهر.

◄ لستُ ممن يُكيلون الاتهامات؛ لكن هناك من يرى أن الأزهر لم يقطع أي خطوات نحو تجديد الخطاب الديني؟- هذه دعاوى مرفوضة وهجوم كالح ولا نسمح لأي شخص بتجاوز الخط الأحمر، وأقول للمتطاولين على علماء الدين: "اتعلموا الأدب من المسيحيين مع القساوسة والبطاركة والبابا. اتعلموا الأدب من اليهود مع الحاخام". الأزهر لم يُقصر، وسبق وأن ذكرت أن ما نحن فيه هو ركام سنوات طوال مضت، والأزهر على قدر إمكانياته يقوم بدوره؛ فماذا يفعل أكثر من هذا؟ هل الدولة خصصت له قناة فضائية؟

يعطونا من أموال الأوقاف الإسلامية التي صودرت وحُجمت وكانت مخصصة لخدمة الدعوة الإسلامية، إنما تقول لي المثقفين، أيه المثقفين دول؟ ما يتكلموا عن العدالة الاجتماعية. يتكلموا عن أولاد البطة البيضه والبطة السوده. يتكلموا عن العدالة التي بها خلل في المجتمع. جاي يتكلم عن علماء الإسلام؛ هما العلماء "ملطشة" لمن تقول عليهم مثقفين.

هؤلاء المثقفون هم من أوصلوا الإخوان للحكم؛ لأن عدد جماعة الإخوان في مصر ما كان ليمنكهم من الإستيلاء على الحكم عقب 2011، لكن المثقفين قالوا: "نعصر على نفسنا ليمونة وبلاش أحمد شفيق وننتخب محمد مرسي".

أقرأ أيضًا.. سعد الدين إبراهيم في حواره لـ"أهل مصر": تجديد الخطاب الدينى يجب أن يأتي من خارج المؤسسات الدينية

◄ ما الضير في نقد الفكر؟- من منّ؟

◄ من شخص مسلم في المقام الأول؟- مسلم لا يحفظ جزء عَمَّ ويأتي لنقد الفكر! وفقًا لأدوات العلم - لو إحنا ناس عندنا منهجية علمية وآلية بحث علمي محترمة - فإن الذي ينقد الفكر يشترط فيه أن يكون عالمًّا. وأن يتم هذا النقد داخل قاعات البحث وبأيدي العلماء، وليس من شخص لا يعرف الفرق بين الرواية والدراية في الحديث، ويتطاول على الإمام البخاري وأبي هريرة وعلى مرويات الأحاديث وهو لا يفهم دلالاتها، ولا يعرف في القرآن الناسخ والمنسوخ ولا المحكم ولا المتشابه. هو الدين ده ملطشة عندكم؟ ماذا بينكم وبين الإسلام؟ كيف تسمح لنفسك - ما دمت مسلمًا - أن تتناول دينك بهذا؟ المثقف مجاله أن يتحدث في قضايا أخرى؛ إنما الدين له أهله "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل: 43).

◄ أشرت في بدء الحوار أنك تملك رؤية مستقلة لتجديد الخطاب الديني.. ما هي أبرز معالم هذه الرؤية؟- هذا هو الكلام المفيد، وليس الحديث حول المثقفين وما قالوه. أين كان المثقفين وأزمات الفكر في مصر؟ ولماذا لم يفتحوا أفواههم أيام الإخوان؟ ما كانوا داخلين في الشقوق والجحور، أين كانوا أيام السلفية؟ ولماذا لم نسمع لهم صوتًا؟ الآن يأتون ليطعنوا في علماء الإسلام. لن نسمح بهذا؛ لأننا بلد مسلم، والأزهر باقٍ، ولن نسمح بأي تطاول عليه ولا على الإسلام ولا بتمييع الإسلام.

وأعود لأجيب على سؤالك، أولًا: الفكر يجابه بفكر من أهل الاختصاص، وضع تحت هذه العبارة مليون خط، وسأضرب لك مثالًا: هل أستطيع أن أُفتي في الشأن العسكري؟ هل أستطيع أن انتحل صفة الخبير العسكري أو السياسي أو عالم في الاجتماع؟ بالتأكيد لا، لوجود التخصص؛ فكيف تُحترم التخصصات في الطب والهندسة والعسكرية والأمن والسياسة والاقتصاد والاجتماع ونترك الدين "ملطشة لمن هَبَّ ودَبَّ". هذا لا يصح، لأن الله تعالى يقول: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32). هذا دينٌ، واليوم هناك قضايا لدىّ المسيحيين تناقش داخل المجمع الكنسي ولا يجرؤ مخلوق -مثقف ولا غير مثقف- أن يفتح فمه بكلمة، وهناك أيضًا قضايا في الشأن اليهودي لا يستطيع أحد أن يتحدث فيها، وإلا قانون معاداة السامية "هيضرب على القفا"، إنما الإسلام يُسمح فيه بهذا لأننا نعيش في زمن تمييع الدين.

للإسلام ربٌ يحميه، والله تعالى يقول: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (سبأ: 24)، وأنا حصرت 62 شبهة ووجدت قواسم مشتركة بين الجماعات، كما وجدت مبادئ تخص كل جماعة على حدة سواء من الإخوان أو السلفية الجهادية أو الدواعش أو غلاة الشيعة أو الملاحدة.. إلخ، والذي نحتاج إلى فعله هو أولًا: نقد شبهات هؤلاء وإزالة الركام ومسح الغبار، ثم يأتي بعد ذلك دور العلماء ويتمثل في عمل مجمعي مؤسسي، وهذا يحتاج إلى أن تأتي بالعلماء وتفرغهم علميًّا وتوفر لهم الامكانيات التي تجعلهم غير مشغولين بلقمة العيش، وبعدها تتركهم هم من يحددون السقف الزمني للانتهاء من مهتهم، وليس أن يحدد لهم من يوجه بهذه المهمة، وحتى تكون الجزئية الأخيرة واضحة سأضرب مثالًا: اليوم يأتي من يقول لا تتحدثوا عن "حد الردة" من أجل حقوق الإنسان. يعني الأمور تظل هكذا مباحة ومن أراد أن يخرج من الإسلام نقول له بالسلامة؟ أنا لم أجبره على إعتناق الإسلام.

وديننا ليس فيه عوار حتى نعتذر أو ندافع عنه، ولذلك لا تأتي اليوم وتقول لي لن نتحدث عن الحدود الشرعية، أو تقول لي في قانون الأحوال الشخصية "هناك المجلس القومي مش عارف لأيه" له رؤية. هذا المجلس عليه أولًا أن يذهب ليرى "النساء اللي مش لاقيه تاكل في الصعيد والريف"، يروحوا يعملولهم مصانع وشركات وتوعية ومحو أمية، مالهم ومال الشأن الديني. أين دور مجالس الهوانم في توعية النساء؟ عليهم أن يذهبوا ليتفقدوا الناس الذين يعيشون في مستوى معيشي لا يليق، والدولة تقوم بجهود مشكورة في هذا الصدد، ولكنني أتحدث عمن يقول العلماء والفقهاء، فهل المشكلة في مصر هي العلماء والفقهاء؟ والله بكره تبكوا على العلماء والفقهاء - الذين أصبحوا ملطشة - بالدم، وهتخلوا الشعب يحن للماضي ويقول: "لو كان ما كان".

أقرأ أيضًا.. "معركة الإمام".. الشعراوي بين "تطرف المنتقدين" و"مغالاة المقدسين".. كريمة: منتقدو إمام الدعاة "أقزام".. وعمرو فاروق: كل يؤخذ منه ويرد ومن حقنا مراجعة أفكاره

◄ ألا ترى أننا في حاجة إلى إنتاج فقه معاصر يواكب متطلبات الزمان والمكان لمجتمعنا المعاصر؟- نعم. ولكن بشرط أن يكون بأيدي الفقهاء وبدون إملاءات ولا توجهات ولا تدخلات. لدينا قضايا كانت لها ظروفها مثل الجزية التي نصت عليها آية قرآنية محكمة، فهل الجزية كانت إذلال؟ الجواب بالقطع لا؛ لأنها كانت مانع من موانع القتال، أما الآن مع المواطنة ومدنية الدول وحقوق الإنسان أصبح العمل بها متعذر ولا داعي له، لكنها آية في القرآن الكريم ولا يجرؤ أحد المساس بها. كذلك كانت هناك رؤى اجتهادية لبعض الفقهاء في عصرهم وليست بالضرورة أن تكون هي رأي الشريعة لأنها كانت عمل اجتهادي، وعلى سبيل المثال ابن تيمية - وأنا لا أدافع عنه. بل بالعكس أختلف معه فكريًّا لكني لا أقلل من شأنه. وهو إمام وعالم فوق رأسي - حينما تحدث عن أهل ماردين في فتواه المعروفة، كانت له ظروف زمانه القاسية، لأنه كان هناك هجوم صليبي على الشام ومصر لذلك تحدث الرجل عن التخاذل والتعاون مع أعداء المسلمين على حساب الإسلام وهكذا.

أيضًا لم تكن في العصور السابقة "جنسية" ولا رقم قومي ولا ما يميز المسلم عن غيره؛ فاجتهد الفقهاء من أجل أن يميزوا البقعة التي تطبق فيها الشريعة الإسلامية والتي لا تطبق فيها، وهو ما عُرف بدار الإسلام ودار الكفر، أما الآن مع المواطنة والإتفاقات الدولية والحدود بين الدول فلا يوجد دار إسلام ودار كفر.

◄ هل الآراء الفقية التي وصلت إلينا من الأئمة الكبار مقدسة ولا تقبل النقد؟- لا ليست مقدسة، لكنها تقبل النقد من خلال المنهج العلمي الرصين الذين أوضحه الإمام الشافعي حين قال: "كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب"، والنقد يكون من صنوه؛ فعلى سبيل المثال إذا أردت أن أحلل أحداث ثورة 1952؛ فالذي يقوم بهذا إما أن يكون عسكريًا أو سياسيًا فقط.

والآراء الفقهية ليست قرآنًا بل هي رأي واجتهاد بشري، وقد يكون الرأي الفقهي صالحًا لعصره وفي نفس الوقت يكون غير صالح لعصرنا، وبالتالي يكون نقده داخل قاعات البحث العلمي من زملائه أو تلاميذه أو نظرائه وفقًا لأدوات العلم، لكن هل يصح ما نراه على الفضائيات؟ لا يصح أن يأتي من يقول: "استفت قلبك"، استفتاء القلب للعالم الذي لديه نور ومكلة للتميز بين الحق والباطل؛ لكن لا تأتي لىّ برجل من العوام وتقول له: قال أبو حنيفة، وقال الشافعي، وقال أحمد بن حنبل، وقال ابن حزم الظاهري.. اختار. يختار أيه؟ هو ما يطلبه المستمعون؟ ما يختارش، هذا رجل يسأل وهناك من يرد عليه قائلًا: لا وصاية على الدين. ونحن نقول: نعم؛ لا توجد وصاية، لكن في اختصاص للدين والله هو من حدده: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران: 18)، وهو سبحانه وتعالى الذي قال: "فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة: 122)، و"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر: 28)، و"هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (الزمر: 9)، و"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة: 11)، وأنا أريد أن أفهم ما المطلوب من العلماء؟

أقرأ أيضًا.. معركة "الأحوال الشخصية".. خبراء يرفضون قانون "كبار علماء الأزهر".. والمشيخة ترد: إعداد القانون حق يخصنا وحدنا.. ولا نقبل تركه لـ"من هَبَّ ودَبَّ"

◄فقط مجرد تقبلِ النقد. وفضيلتك تعلم أنه في قضية "المهور" المعروفة والتي أقرها عمر بن الخطاب.. راجعته امرأة ولم يقل إنها من العوام بل أقر مراجعتها وقال "أصابت امرأة واخطأ عمر"؟- نعم حدث هذا وقتها لأنه كان لديهم علم، والمرأة لم تكن من العوام اللاتي لا يفهمن ولا يحفظن جزءًا من القرآن، ولذلك حين أتت بنقدها المؤدب والمدعم بالنص الشرعي وتلت الآية: "وإذا أتيتم إحداهن قنطارًا" ()، رجع سيدنا عمر إلى الحق. لكن أن تأتي لي في وسائل الإعلام بشخص غير متخصص في الدين وينهش ويُعرض أو يشتم في الإمام البخاري، أو يشكك في أبي هريرة أو يهاجم السنة؛ فهذا غير مقبول، وأي إنسان يُريد نقدًا علميًّا نقول له: هذا يكون بأيدي العلماء وفي قاعات بعيدًا عن العوام.

◄هل الإمام البخاري معصوم وصحيحه مقدس؟- الإمام البخاري ليس معصومًا، وصحيحه ليس مقدسًا؛ لكنه موفق، والله تعالى يقول: "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرا"، وأود أن أطرح على من يهاجمون الإمام البخاري سؤالًا: ما هي المنهجية العلمية التي كان البخاري يجمع بها الأحاديث؟ ولماذا يُقدم أبناء شمال أفريقيا الإمام مسلم على البخاري ونحن في مصر نقدم الإمام البخاري على مسلم؟ وما هو الكتاب الثالث الذي يُحتكم إليه بعد البخاري ومسلم؟ إذا أجاب عن هذا السؤال نجلس ونتناقش، لأن المسألة ليست "طنطنة، ورص كلام وخلاص".

وحين أُمسك العوام - في زمن ينتشر فيه الإلحاد والإنحراف وأكل الحرام والظلم - وأشككهم في مرجعيات الدين. أشككهم في السنة ومن جمعها وهو البخاري وفي راوية الإسلام الأعظم أبو هريرة وفي الفقه وأئمته. إذن ما الذي تبقى للمسلم؟ هل المخطط هو خلع العوام عن الإسلام؟ إذا كنا سنشكك في كل هذا إذن هناك مؤامرة على الإسلام، وأنا تناقشت مع ملاحدة ونجحت في معالجة بعضهم، وكنت - ومازلت - أنقد شبهات الإرهاب، لكن دون أن أكفر أو أشيطن واحدًا؛ لأنه مسلم تنكب الطريق، وقد أعطانا سيدنا علي رضي الله عنه قاعدة جميلة، قال فيها: "إخواننا بغوا علينا؛ فليس من طلب الحق فأخطاه كمن طلب الباطل فناله".

◄كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر أصبحت وكرًا للسلفية الوهابية.. هل هذا صحيح؟- غير صحيح بنسة كبيرة؛ لأنني قبل أن أُحال إلى التقاعد الوظيفي - برغبتي - عملت قبل عام 2011 في كلية الدعوة الإسلامية لمدة تتجاوز 4 سنوات، ولا أنكر أن بهذه الكلية بعض رموز السلفية وفي غيرها من الكليات، لكن بها أيضًا رموز صوفية وهناك أشاعرة وليست كلها سلفية، والسبب في هذا أن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ترك 12 قناة فضائية سلفية للحويني وحسان وغيرهم، وعقبها بثوا قنوات لتفسير الأحلام والتداوي بالأعشاب والعطارة، ونحن غير مسؤولين عن هذا، سياسة الدولة هي المسؤولة.

هل نحن من سمحنا للسفليين ببث 12 قناة ليقولوا فيها للناس إن التوحيد مُقسم إلى ألوهية وربوبية وأسماء وصفات ويهاجموا زيارة الأولياء؟ نحن لم نقل بهذا الكلام. الدولة حين تركت هؤلاء منذ 40 سنة هي التي فرخت الجماعات، وبالتحديد بداية من عصر السادات - غفر الله له - حين لعب بورقة الدين في السياسة والسياسة في الدين، بعد كل هذا تأتي لتقول لي غير في دقيقة ولا في ساعة ولا في يوم! أنا أقول لهم: ارفعوا أيديكم عن الدين، وأعيدوه لأهله.

◄هل تواجد بعض رموز السلفية في كليات الجامعة أثر على المنهج الوسطي للأزهر؟- هم لم يُؤثروا على المنهج التعليمي، لكني أعترف أنهم أثروا في الجانب الدعوي. يعني حين ذهب "س" من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة إلى العمل بالسعودية - موطن النشأة - وعاد سلفيًا حتى النخاع وتنكر لثقافته الأزهرية، طالبت - وما زلت أطالب - أن تُسحب الشهادة أو الدرجة العلمية من أي خريج أزهري يتنكر لثقافته الأزهرية، أو ينضم للإخوان أو السلفية أو الشيعة أو الدواعش أو غيرهم؛ لأن مثل هذا لا يُشرف الأزهر الشريف، ومن المفترض أنه عند تقدم أي شخص لنيل درجة علمية يؤخذ عليه تعهد بأن يحترم ويلتزم بالثقافة الأزهرية التي درسها في معاهد وكليات الأزهر.

أقرأ أيضًا.. النائب محمد فؤاد لـ"أهل مصر": قانون الأزهر ليس له قيمة دستورية.. ولن يناقش داخل البرلمان (حوار)

◄هل نجحت جماعة الإخوان في اختراق الأزهر؟- في العهد الماضي نعم، والدليل أن خيرت الشاطر جند مليشيات الإخوان ونظم عرضًا عسكريًا في المدينة الجامعية للأزهر، وأنا شاهدتهم بعيني وهم يوزعون ميداليات مكتوب عليها "جيل النصر المنشود.. جماعة الإخوان المسلمين"، وحتى الآن ما زالت مرجعيات بعض كتب التفسير لبعض التخصصات تذكر "معالم في الطريق" و"ظلال القرآن" كمرجع، وهذا موجود ولن أكذب وأنكره، وقد نبهنا من هذا الأمر.

◄وكيف تمسح قيادات الأزهر بهذا؟- أنا لا أُحمل القيادات هذا الأمر. الأستاذ الجامعي الذي كانت لديه حرية التأليف هو من نقلَ - أو أن هذه هي ثقافته - العبارة من سيد قطب، أو كتب أرجع لـ"ظلال القرآن".

◄ من المسؤول عن الإرهاب الدين أم السياسة؟- السياسة بدون تردد، وسأقول لك لماذا؟ أنا لدىّ 12 وثيقة بخط الدواعش، وقد حصلت على هذه الوثائق - وهي متواجدة في مكتبتي الخاصة - من خلال أحد الأصدقاء المقيمين في الدلتا، وبالتالي ألفت كتابًا بعنوان: "ظاهرة العنف المعاصر"، والخلية الفكرية مازالت موجودة في مصر.

◄خلية الدواعش مازالت موجودة في مصر حتى الآن؟- الخلية الفكرية مازالت موجودة، وسأقول لك شيء آخر وبمنتهى الصراحة: الإرهاب الذي يضرب سيناء منبعه الفكر الوهابي السلفي، وقد انتقل من سيناء إلى مطروح والآن هو في الوادي الجديد، وأسأل أي خبير عسكري وسياسي: لماذا يختارون هذه المحافظات الثلاث؟ الإجابة: لأنهم يريدون أن يخنقوا مصر؛ فهل نحن كأزاهرة المسؤولين عن هذا؟ بالتأكيد لا. الصفقات هي المسؤولة.

◄هل نحن قادرون على التخلص من الفكر السلفي المتشدد؟- نعم إذا وجدت الإرادة السياسية التي لا تنظر إلى الحسابات الإقليمية. ومن المفترض عقد مؤتمر دولي عام ندعو فيه أشياخ السلفية الذين يمثلون بذرة التكفير ضد الأزهر والأشاعرة، وقد ذكرت في كتابي "فتنة المتسلفة" فتاوى موثقة منسوبة إلى جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر ونشرت في مجلة التوحيد التابعة لهم يكفرون فيها الأزهر ويتهمون الأشاعرة بزيغ وفساد العقيدة، إضافة إلى فتاوى مشابهة جاءت إلينا عبر المنافذ من جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، وكل هذا يؤكد أن ما يبنيه الإمام الأزهري في سنة يأتي شخص مثل: الحويني أو يعقوب أو محمد حسان أو رسلان وغيرهم وينسفه.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً