"ستغدو رفاتًا ويبقى الأثر".. أبى نيلسون روليهلاهلا مانديلا، السياسي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والثوري الذي شغل رئاسة جنوب إفريقيا، بعد أن مكث 27 عامًا في السجن، إلا أن يرحل وأثره باقيًا في نفوس الشعب الأفريقي، حتى بعد مرور 6 سنوات على رحيله، لكن ماذا فعل نيلسون مانديلا ليبقى أثره خالدًا إلى الآن؟
مولدهولد مانديلا في 18 يوليو 1918 في قرية مفيتزو بمقاطعة أوماتاتا، بإقليم ترانسكاي في جنوب أفريقيا، وسُمي "روليهلاهلا"، ويعني "نازع الأغصان من الشجر" أو بالعامية "المشاكس"، وفي السنوات اللاحقة أصبح يعرف باسم عشيرته، "ماديبا".أحد أجداده من جهة والده، نغوبنغوكا، كان حاكما لشعب تيمبو في أراضي ترانسكاي بمقاطعة كيب الشرقية الحديثة في جنوب أفريقيا، وكان له ابن اسمه مانديلا هو جد نيلسون ومصدر لقبه.
اقرأ أيضًا.. حفيد "مانديلا" يتحدث عن الفصل العنصري.. ويكشف الحل الوحيد للقضية الفلسطينية
نيلسون مانديلا رحلة كفاح حتى المماتلم يدخر مانديلا جهدًا وظل يخدم أفريقيا حتى خلال مرضه، فانخرط مانديلا في الحركات المناهضة للفصل العنصري في البلاد، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1942، وقد عمل بالتعاون مع مجموعات شبابية أخرى على تحويل الحزب إلى حركة شعبية تستمد قوتها من صفوف الفلاحين والعمال.
كان مانديلا مؤمنًا بالخيار السلمي، لذلك قاد حركات الاحتجاج والنشاطات السلمية ضد الحكومة وسياساتها العنصرية، مما دفعها إلى اعتقاله مع 150 شخصًا آخرين، ووجّهت لهم تهم الخيانة العظمى.
وفي ذات الوقت، كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يعاني انقسامًا داخليًا نظرًا لأن بعض أعضائه كانوا يرون أن النشاطات السلمية لم تعد مجدية في وجه سياسات القمع والتعسف للحكومة.
في عام 1952 م، افتتح نيلسون مانديلا أول مكتب للمحاماة له، مع شريكه الذي يدعى أوليفر تامبو، وكان ذلك في جوهانسبرج.
ولم يكن تامبو شريكه في المحاماة فحسب، إذ اشتركا أيضا في تأسيس حملة لمكافحة التمييز العنصري، وهو النظام الذي ابتكره الحزب الوطني للبيض، والذي قام باضطهاد الأغلبية السوداء.
بعدها، بدأ مانديلا العمل السري في المؤتمر الإفريقي للشباب بعد حظره عام 1960، ثم تزايدت التوترات في البلاد مع تنامي الحملة المناهضة للتمييز العنصري، وتصاعدت بعد حوادث متفرقة بين عامي 1960 و1969 بعد أن قتلت الشرطة عددا من السود فيما أطلق عليه مجزرة شاربفيل.
وشكل هذا الحادث نهاية للمقاومة السلمية، وأسس مانديلا، الذي كان يشغل منصب نائب المؤتمر الأفريقي، حملة اعتنق فيها الفكرة القائلة بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير المنشود، فشارك مع غيره من المناضلين في تأسيس الجناح المسلح لحزب المؤتمر الأفريقي، والمعروف باسم " اومكونتو وي سيزوي".
كذلك، قاد مانديلا في ذات السنة إضراب العمال الذي استمر لثلاثة أيام، فاعتقلته السلطات وحُكِم عليه بالسجن لمدة 5 أعوام.
ولكن أعيدت محاكمته مرة أخرى سنة 1963، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
ومن قاعة المحاكمة في محكمة ريفونيا، وقف مانديلا على المنصة يشرح معتقداته حول الديمقراطية والحرية والمساواة.
وقال مانديلا:"إنني أعتز بالمفهوم المثالي للديمقراطية وحرية المجتمع، حيث يحيا جميع الأشخاص في تناغم وحقوق متساوية، إنها المثالية التي أحلم أن أحيا من أجلها وأطبقها، ولكن إذا ما دعت الحاجة لذلك فإنني مستعد للموت من أجلها أيضا".
وخلال 12 شهرا بين عامي 1968 و1969 توفيت والدته، وقتل ابنه الأكبر في حادث تصادم، ولم يسمح له بحضور الجنازتين، وخلال فترة بقاء مانديلا وباقي قادة المؤتمر الإفريقي في السجن أو المنفى، واصل الشباب السود في جنوب إفريقيا حملة مناهضة التمييز العنصري على حكم الأقلية البيضاء.
أمضى مانديلا في جزيرة روبن 18 عامًا من سنين سجنه البالغة سبعًا وعشرين، وقد أصيب خلالها بالسل، فلم يحظَ بالمعاملة الطبية المناسبة نظرًا لأنه سجين أسود. ولم يقف السجن حائلًا أمام طموحه الجامعي، فحصل على درجة البكالوريوس في القانون عبر نظام المراسلة مع جامعة لندن.
وفي عام 1982، نُقِل مانديلا مع غيره من قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى سجن بولسمور.
وفي سنة 1985، عرض الرئيس بيتر ويليام بوتا الإفراج عن مانديلا مقابل تخليه عن الكفاح المسلح، ولكنه رفض ذلك طبعًا. وتوالت جلسات التفاوض بين الحكومة ومانديلا دون تحقيق أي اتفاق، حتى تاريخ 11 فبراير 1991 عندما أُعلن عن إطلاق سراح مانديلا، وإلغاء أحكام الإعدام في البلاد، فضًلا عن إزالة جميع القيود المفروضة على الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
انتُخب نيلسون مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1991، وتفاوض مع رئيس البلاد آنذاك، فريدريك ويليام دي كليرك، على إجراء أول انتخابات متعددة الأعراق في البلاد.
وفي عام 1993، حاز مانديلا وكليرك جائزة نوبل للسلام نظير عملهما المشترك لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهكذا أُجريت أول انتخابات ديمقراطية في البلاد بتاريخ 27 أبريل 1994، ليصبح بذلك مانديلا أول رئيس أسود في تاريخ جنوب أفريقيا.
سعى مانديلا بعد توليه سدة الرئاسة إلى الانتقال بالبلاد من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية السوداء، واستغل حب الشعب وحماسه نحو الرياضة في تعزيز المصالحة بين البيض والسود، عبر دفع السود إلى تشجيع منتخب الرجبي.
كذلك، عمل مانديلا على حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار، ووضع خطة لإعادة إعمار البلاد وتنميتها.وفي عام 1996، وقع مانديلا على مرسوم تشريع دستور جديد للبلاد، وأنشأ حكومة مركزية قوية تقوم على حكم الأغلبية، مع ضمان حقوق الأقليات وحرية التعبير. وعندما حان موعد الانتخابات العامة سنة 1999، أعلن مانديلا عزوفه عن الترشح، ورغبته في ترك العمل السياسي.
ولكنه استمر في نشاطاته الرامية إلى جمع الأموال اللازمة لتشييد المدارس والمراكز الصحية في المناطق الريفية من جنوب أفريقيا.
وفي سنة 2004، أعلن مانديلا رسميًا عن تقاعده من الحياة العامة، وعاد ليعيش في قريته كونو.
وقد عقد مانديلا في سنة 2007 اجتماعًا مع عددٍ من زعماء العالم بهدف تأسيس مجموعة عمل معنية بمعالجة جميع الأزمات والمشاكل التي تحدث في مختلف البلدان، وأُطلق على هذه المجموعة اسم "مجلس الحكماء".
كذلك، واظب مانديلا على مكافحة مرض الإيدز الذي كان متفشيًا في جنوب أفريقيا، وكان ظهوره العلني الأخير في المباراة النهائية لكأس العالم سنة 2010.