يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة البقرة : وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ فما هو معنى الاستهزاء في هذه الآية ؟ وكيف يستهزئ الله من الكافرين ؟ وما سبب نزول هذه الآية ؟ أما سبب نزول هذه الآية فهو ما رواه صالح ، عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك : أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تيم ، وشيخ الإسلام ، وثاني رسول الله في الغار ، الباذل نفسه وماله . ثم أخذ بيد عمر - رضي الله عنه - فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب ، الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله . ثم أخذ بيد علي - كرم الله وجهه - فقال : مرحبا بابن عم رسول الله وختنه ، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله . ثم افترقوا . فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت ؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيرا . فرجع المسلمون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بذلك . فأنزل الله هذه الآية .
أما عن استهزاء الله بالذين كفروا فقد أوضج ابن جرير الطبري في تفسير الآية بعد أن ذكر الاختلاف في صفة الاستهزاء: (والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أنَّ معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزِئ للمستَهْزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً، وذهب جمهور من المفسرين أن معنى استهزاؤه: استدراجه لهم، وقيل: إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم، وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة، وقيل: هو تجهيلهم وتخطئتهم فيما فعلوه، وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة .