في عملية تبادل للأسرى بين إيران وأمريكا، تم اليوم إطلاق سراح مواطن أمريكي من أصل صيني، وهو طالب بجامعة "برينستون" بولاية نيوجيرسي، والذي كان حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في إيران بتهمة التجسس، وذلك مقابل الإفراج عن العالم والباحث الإيراني مسعود سليماني، الذي كان محتجزا لدى واشنطن بتهمة انتهاك العقوبات التجارية من خلال محاولة جلب مواد بيولوجية إلى إيران، في صفقة أثارت توقعات باحتمالية إجراء مباحثات أوسع بين البلدين، فيما رأى مسؤولون أمريكيون إن عملية التبادل هذه كانت مجرد محاولة من طهران لصرف النظر عن القمع الوحشي الذي مارسته خلال الاحتجاجات الداخلية التي شهدتها عدة مدن إيرانية.
وتم استبدال طالب الدراسات العليا بجامعة برينستون "شيوي وانج"، المسجون منذ عام 2016، بمسعود سليماني، العالم الإيراني الذي تم اعتقاله في مطار شيكاغو العام الماضي وأدين بتهمة انتهاك العقوبات التجارية الأمريكية.
كان من المقرر أن يتوجه "وانج" إلى الولايات المتحدة عبر عمان وقاعدة عسكرية أمريكية في فرانكفورت بألمانيا. ولم يكن هناك أي إشارة مسبقة إلى أنه من المقرر إطلاق سراحه، ويبدو أنه أصيب بصدمة عندما أُبلغ بالنبأ. وكان سافر في البداية إلى إيران لدراسة الفارسية والتاريخ الإيراني.
وفي بيان، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "وانج كان محتجزًا بذريعة التجسس منذ أغسطس 2016. ونشكر شركائنا السويسريين على مساعدتهم في التفاوض على إطلاق سراحه مع إيران".
وتتولى السفارة السويسرية في طهران المصالح الأمريكية في إيران بعد إغلاق السفارة الأمريكية هناك منذ سيطرة حركة "طالبان" على الحكم عام 1979 وأزمة الرهائن التي استمرت 444 يومًا.
ورافق برايان هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، "سليماني" إلى سويسرا لإجراء الصفقة التبادلية وسيعود إلى "وانج"، وفقًا لمسؤول أمريكي تحدث إلى وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية شريطة عدم الكشف عن هويته.
وقال المسؤول إن عملية التبادل جرت في المدينة السويسرية زيورخ وكان "هوك" و"وانج" في طريقهما إلى لاندستول في ألمانيا حيث سيقوم "وانج" بعملية فحص طبي. وكان من المتوقع أن يعود "هوك" إلى الولايات المتحدة من ألمانيا التي من المتوقع أن يتم فحص "وانج" بها لعدة أيام.
وعلى الرغم من أن المبعوث الأمريكي كان حاضراً في عملية التبادل، إلا أن المسؤول الأمريكي قال إن مستشار الأمن القومي "روبرت أوبراين" لعب الدور القيادي في المفاوضات التي يرجع تاريخها إلى فترة عمله كممثل خاص لشؤون الرهائن في وزارة الخارجية الأمريكية.
تم اعتقال سليماني- الذي يعمل في مجال أبحاث الخلايا الجذعية وأمراض الدم والطب التجديدي- من قبل السلطات الأمريكية بتهمة انتهاك العقوبات التجارية من خلال محاولة جلب مواد بيولوجية إلى إيران. فيما يصر هو ومحاميه على براءته.
من جهتها، ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية اليوم السبت أن "سليماني" كان مع مسؤولين إيرانيين في سويسرا. وكان من المتوقع أن يعود إلى إيران في الساعات القادمة. وقام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في وقت لاحق بنشر صور لنفسه على تويتر مع سليماني أمام طائرة حكومية إيرانية، وفيما بعد نشر صور أخرى وهو يتحدث معه على متن الطائرة.
تعتبر أمريكا عملية التبادل هذه بمثابة سعر زهيد لإطلاق سراح "وانج"، الذي أصر دائمًا على أنه بريء ووصفت عائلته التهم بأنها سخيفة. وكان باحثا في أسرة قاجار (سلالة من الشاهات حكمت في بلاد فارس سنوات 1779-1925 م) وقت إلقاء القبض عليه في أغسطس من العام 2016 . وأصدرت هوا تشو، زوجته، بيانًا قائلة "لقد اكتملت عائلتنا مرة أخرى"، مضيفة "لقد انتظرنا هذا اليوم أنا وابننا شوفان طيلة ثلاث سنوات، ومن الصعب التعبير بكلمات عن مدى سعادتنا بلم الشمل مع وانج"، لافتة إلى أنهم "ممتنون لكل من ساعد في تحقيق ذلك".
من جانبه، قال المتحدث باسم جامعة برينستون، بن تشانج، إن الجامعة كانت على علم بإطلاق سراح "وانج".
ووصلت العلاقات بين أمريكا وإيران إلى مستوى جديد هذا الأسبوع مع فرض المزيد من العقوبات على طهران. وانتهى اجتماع مع باقي الموقعين على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، أمس الجمعة، في العاصمة النمساوية فيينا بتحذير الأوروبيين من أن المزيد من الانتهاكات للاتفاق النووي من جانب إيران من شأنه أن يعرض دعمهم للخطر.
ومن المفارقات أن بريطانيا، التي تتمتع بعلاقات أفضل مع إيران على الأقل فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، لم تحقق أي تقدم، على الأقل على السطح، في تأمين إطلاق سراح مواطنيها مزدوجي الجنسية المحتجزين في سجن إيفين الإيراني، بمن فيهم "نازانين زاجاري راتكليف" ورجل الأعمال المتقاعد، "أنوشه عاشوري". فكلاهما يعتبر نفسه رهينة تم أسره في محاولة لفرض تنازلات دبلوماسية أو اقتصادية.
ومن بين الأمريكيين الآخرين المحتجزين في إيران رجل أعمال يبلغ من العمر 81 عامًا يدعى "باكير نمازي"، وقد ظل محتجزًا منذ أكثر من عامين وشُخصت إصابته بالصرع.
ويقضي "نمازي" وابنه "سياماك نمازي"، وهو مواطن مزدوج الجنسية محتجز منذ أكثر من ثلاث سنوات، أحكامًا بالسجن لمدة 10 سنوات بعد إدانتهما بالتعاون مع قوة معادية.
وتلقى الإيراني الأمريكي، كاران فافاداري، وزوجته الإيرانية، عفرين نيساري، أحكامًا بالسجن لمدة 27 عامًا و 16 عامًا على التوالي. كما اعتقل أحد قدامى المحاربين في البحرية الأمريكية، مايكل وايت.
ولا يزال عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق روبرت ليفينسون، الذي اختفى في إيران عام 2007 أثناء قيامه بمهمة سرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مفقودًا. وتقول إيران إن "ليفنسون" ليس في البلاد وأنه ليس لديها معلومات إضافية، لكن عائلته تحمل طهران مسؤولية اختفائه.
بدوره، قال مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إن "وانج" سيكون قادرًا قريبًا على العودة إلى دياره ولعائلته، لكنه أقر بأن الأمريكيين الآخرين ما زالوا محتجزين لدى إيران، مضيفا، في بيان، "الولايات المتحدة لن ترتاح حتى تعيد كل أمريكي محتجز في إيران وحول العالم إلى وطنه ولأحبائه".
علاقات أوسع بين أمريكا وإيران
وقال كبار المسؤولين الأمريكيين، الذين تحدثوا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، شريطة عدم الكشف عن هويتهم نظرا للطبيعة الحساسة لعملية التبادل، إنهم لا يرون أي مؤشر على أن هذا التبادل ينذر بحوار أكبر مع إيران.
لكن مسؤولاً رفيع المستوى آخر في الإدارة الأمريكية أطلع الصحفيين اليوم السبت على أنه "متفائل" في إشارة إلى أن هذه الصفقة قد تشير إلى استعداد إيران في المستقبل لبحث علاقتها الأوسع مع واشنطن.
ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، فمن المرجح أن تحظى الصفقة باهتمام "ترامب" الذي أبدى اهتمامًا خاصًا بالإفراج عن السجناء وإطلاق سراح الرهائن. وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب اليوم السبت، إنه يتوقع أن يرغب الرئيس الأمريكي في مقابلة "وانج".
اقرأ أيضاً: أمريكا: صادرنا كمية كبيرة من أجزاء صواريخ إيرانية موجهة كانت في طريقها للحوثيين
يعتقد مسؤولو إدارة ترامب أن إيران ربما تكون قد أطلقت سراح "وانج" من أجل تجميل صورتها وصرف الانتباه عن القمع الوحشي الذي مارسته مؤخرا خلال الاحتجاجات الداخلية. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الاحتجاجات خلفت مقتل المئات واعتقال 7000 متظاهرا، مما أثار إدانة من جميع أنحاء العالم.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة: أكثر من ألف قتيل و 7 آلاف معتقل في تظاهرات إيران
واستنكر المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، برايان هوك، "الأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام الإيراني ضد شعبه". لكن "هوك" كان يعمل من خلال وسطاء سويسريين هم الذين غالباً ما يعملون كقناة دبلوماسية بين واشنطن وطهران، وهم الذين تفاوضوا حول صفقة تبادل الأسرى، فلم يكن "هوك" على اتصال مباشر مع المسؤولين الإيرانيين منذ اجتماع مارس من العام 2018 في فيينا قبل فترة وجيزة من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.
اقرأ أيضاً: ترامب يؤكد الإفراج عن أميركي كان مسجونًا في إيران
وفي فيينا، أكد المبعوث الأمريكي لإيران، لنائب وزير الخارجية الإيراني، عباس أراغشي، على أن أنشطة "وانج" الشفافة أوضحت أنه لم يتورط في عمل سري. فيما رد "أراغشي" بأنه ربما لم يكن "وانج" قد تلقى تدريباً جيداً، وفقاً لمسؤول أمريكي كبير.