فضيحة أمريكية..تسريبات عن حرب أفغانستان تفضح تضليل البنتاجون للشعب طيلة 18 عامًا.. قصة 2000 وثيقة سرية تكشف الفشل العسكري الأمريكي خلال "النزاع المشؤوم"

جنود أمريكيين في أفغانستان

كشفت مئات المقابلات السرية مع شخصيات مشاركة بشكل رئيسي في التحقيق في الحرب الأمريكية التي استمرت 18 عامًا في أفغانستان، أن الرأي العام الأمريكي قد تم تضليله باستمرار بشأن هذا النزاع المستمر، وذلك من خلال تزوير الاحصائيات المتعلقة بهذا النزاع لإيهام الشعب الأمريكي بأن النصر كان حليفهم في هذا الصراع الذي راح ضحيته 2300 جندي أمريكي، كذلك تفضح هذه المقابلات الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي غضت الطرف عن فساد واسع النطاق بين المسؤولين الأفغان، مما سمح بسرقة المساعدات الأمريكية التي كانت مخصصة لهذا البلد دون عقاب، لتعيد هذه التسريبات إلى الأذهان "أوراق البنتاجون" التي كشفت فضائح جمة خلال الحرب الأمريكية الفيتنامية.

وتم جمع محتوى المقابلات- التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بعد معركة قانونية استمرت ثلاث سنوات- من قبل هيئة "المفتش الخاص لإعادة إعمار أفغانستان" (Sigar)- وهي وكالة فيدرالية حكومية مهمتها الرئيسية توفير إشراف مستقل وموضوعي على صناديق إعادة إعمار أفغانستان، وكذلك القضاء على الفساد وعدم الكفاءة في المجهود الحربي الأمريكي.

ويكشف محتوى ألفي وثيقة عن وجهات النظر الكئيبة وغير المبالغة للعديد من المطلعين على الحرب التي كلفت الأمريكان 1 تريليون دولار وقتلت أكثر من 2.300 جندي أمريكي، وتسببت في إصابة أكثر من 20 ألف آخرين. فضلا عن عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان الذين لقوا حتفهم في هذا الصراع.

وتذكرنا هذه الوثائق بـ"أوراق البنتاجون"- وهي تقرير حكومي أمريكي سري من سبعة آلاف وثيقة عن حرب فيتنام والتي سُربت عام 1971 بواسطة موظف مدني في وزارة الدفاع يدعى "دانيال آيسبيرج" ونُشرت في صحف أمريكية- وتروي قصة مقلقة بنفس القدر عن إخفاء الفشل العسكري الأمريكي.

وتجرى مفاوضات بين إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وحركة "طالبان" الأفغانية، حيث تبحث أمريكا في ما إذا كانت ستسحب 13 ألف جندي من أفغانستان.

وتم جمع هذه المقابلات، بدءًا من عام 2014، بالإضافة إلى عمليات تدقيق منتظمة من (Sigar) لتحديد ما يمكن تعلمه من إخفاقات السياسة الأمريكية المتعاقبة في أفغانستان.

وعلى الرغم من أن العديد من حالات الفشل خلال الحرب في أفغانستان قد تم كشفها بواسطة عمل (Sigar)- غالبًا في التقارير الفنية للغاية- فإن ذاكرة التخزين المؤقت لهذه المقابلات توفر حسابًا يمكن الوصول إليه بسهولة.

وفي مداخلته، أخبر جون سوبكو، رئيس (Sigar)، "واشنطن بوست"، أن التقييمات الواردة لديه تشير إلى أن "الشعب الأمريكي كان يُكذب عليه باستمرار".

هناك ادعاءان رئيسيان تكشفهما هذه الوثائق، وهما أن المسؤولين الأمريكيين تلاعبوا بالإحصائيات لإقناع الرأي العام الأمريكي بأنه تم تحقيق النصر في هذه الحرب. والكشف الثاني هو أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة غضت الطرف عن فساد واسع النطاق بين المسؤولين الأفغان، مما سمح بسرقة المساعدات الأمريكية دون عقاب.

تم تفصيل هذا التلاعب بالإحصاءات في مقابلة مع شخص تم تحديده فقط على أنه "مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي"؛ وقال هذا المسؤول خلال هذه المقابلات، التي أجريت في عام 2016: "كان من المستحيل الكشف عن إحصائيات صحيحة، ولقد حاولنا استخدام أعداد القوات المدربة، ومستويات العنف، والسيطرة على الأراضي، والتي لم تعكس أي منها صورة دقيقة للواقع"، مضيفا "لقد تم التلاعب بالإحصائيات دائمًا طوال فترة الحرب".

تنقل هذه الوثائق وجهة نظر العديد من الأشخاص الذين يعارضون أهداف هذه الحرب الغامضة، والتي تَعاقب عليها ثلاثة رؤساء أمريكيين، جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، الذين تم عرض نجاحاتهم المزعومة مرارًا وتكرارًا.

وفي أحد التقييمات الحادة، قال دوجلاس لوت، وهو ملازم أول شغل منصب قيصر الحرب في أفغانستان في البيت الأبيض إبّان إدارتي "بوش" و"أوباما"، خلال مقابلات أجريت عام 2015: "لقد كنا محرومين من فهم أساسي للوضع في أفغانستان، ولم نكن نعرف ماذا نعمل".

وأضاف بطريقة صريحة، مثله مثل الآخرين ممن أجريت معهم مقابلات، على أساس أن ما كان يقوله في ذلك الوقت كان سريًا، قائلا: "ما الذي نحاول القيام به هنا؟ كان لدينا الفكرة الأكثر ضبابية حول ما كنا نتعهد به"، مضيفا "إذا كان الشعب الأمريكي يريد معرفة حجم الخلل الوظيفي، فإن 2400 شخص فُقدوا خلال هذه الحرب".

وفي مقابلة أخرى، قال جيفري إيجرز، وهو موظف متقاعد في سلاح البحرية والبيت الأبيض إبّان إدارتي "بوش" و"أوباما": "ما المقابل الذي حصلنا عليه نتيجة لهذا الجهد الذي بلغت تكلفته تريليون دولار؟ هل كان يستحق 1 تريليون دولار؟"، مضيفا "بعد مقتل أسامة بن لادن، قلت إن بن لادن ربما كان يضحك في قبره المائي عندما ينظر إلى ما أنفقناه على أفغانستان".

وقد ذهب بعض من تمت مقابلتهم من قبل (Sigar) إلى أبعد من ذلك، مما يشير إلى بذل جهد متعمد لتزييف الإحصاءات حول الحرب لإيحاء الرأي العام الأمريكي بأنه تم الفوز بها.

وقال بوب كراولي، العقيد بالجيش الأمريكي الذي عمل مستشارًا كبيرًا لمكافحة التمرد للقادة العسكريين الأمريكيين في عامي 2013 و 2014: "تم تغيير كل البيانات والإحصائيات لتقديم أفضل صورة ممكنة"، مضيفا أن "الدراسات الاستقصائية، على سبيل المثال، كانت غير موثوقة تمامًا، لكنها عززت أن كل ما نقوم به كان على صواب".

إن الوثائق التي تم الحصول عليها بعد أن ذهبت "واشنطن بوست" مرتين إلى المحاكم الفيدرالية لطلب نُسخ من محاضر تلك المقابلات، تحدد فقط 62 من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم؛ حيث تم تنقيح 366 اسمًا آخرا بعد أن أصرت (Sigar) على وجوب معاملتهم كمبلغين عن مخالفات ومخبرين.

اقرأ أيضاً: أمريكا تضع خططها لبدء الانسحاب التدريجي من أفغانستان

من جهتهم، سارع المعلقون وخبراء السياسة الخارجية الأمريكية إلى الإشارة إلى أهمية هذه الوثائق، حيث ربط الكثيرون بينها وبين "أوراق البنتاجون".

اقرأ أيضاً: ضرها أكبر من نفعها.. محادثات أمريكا مع "طالبان" قد تنهي الاحتلال لكنها تنذر بحرب أهلية جديدة في أفغانستان.. و"التايمز": داعش هو المستفيد

وعلق صانع الأفلام الوثائقية الأمريكي المخضرم كين بيرنز، الذي سجل مؤخرًا حرب فيتنام، على موقع تويتر قائلاً: "غالبًا ما قال مارك توين إن" التاريخ لا يعيد نفسه ولكنه في كثير من الأحيان يفعل"، موضحا أن "أوراق أفغانستان"و"أوراق البنتاجون" بالتأكيد تؤكد هذا".

اقرأ أيضاً: انقسام حاد داخل البيت الأبيض حول دور الـ"سي آي أيه" في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي.. فما مستقبل المحادثات مع "طالبان" في ظل هذا التعقيد؟

وغردت الصحفية الأمريكية "لولو جارسيا نافارو" على تويتر قائلة: "إنه لأمر مذهل؛ تكشف أوراق البنتاجون الجديدة الجهود الواضحة والمستمرة التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة لتضليل الجمهور عمداً".

وكان البعض أكثر إيجازا؛ وذلك عندما غردت "تويت كاترينا فاندين هيوفيل"، رئيسة تحرير المجلة الأمريكية "The Nation"، على "تويتر" قائلة إن "الحروب تُولد الأكاذيب".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً