كتب أربعة نواب في الحزب الديمقراطي بالكونجرس الأمريكي إلى مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى سوريا يطلبون منه كشف المعلومات التي تتوفر لدى الولايات المتحدة حول الاستخدام المزعوم للفسفور الأبيض من جانب تركيا ضد أكراد سوريا من المدنيين، خلال عدوان الأتراك على الشمال الشرقي السوري، في وقت سابق من أكتوبر الماضي، مطالبين بفتح تحقيق شامل في هذه الحادث لتوفير الأدلة الدامغة أمام المجتمع الدولي على جريمة الحرب هذه، متسائلين عن طبيعة الموقف الأمريكي حيال أنقرة حال ثبوت إدانتها، وذلك في وقت سحبت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يدها من القضية بدعوى خروجها عن اختصاصها.
ودعت النائبة "إلهان عمر" وثلاثة من أقرانها في مجلس النواب، (كارين باس، وخوان فارجاس، وشيلا جاكسون لي)، "جيم جيفري"، ممثل أمريكا بشأن سوريا، لتقديم إحاطة إعلامية كاملة- على انفراد إذا لزم الأمر- حول ما إذا كان يعتقد أن الحادث أثناء الغزو التركي لشمال شرق سوريا قبل شهرين يعد بمثابة جريمة حرب.
أحد ضحايا الكيماوي
وكتبوا: "إن الولايات المتحدة، وبسبب موقعها الفريد؛ كونها حليف لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وفي نفس الوقت شريك للأكراد السوريين، وهم ضحايا هذا الهجوم، عليها أخذ زمام المبادرة في التحقيق الكامل في الظروف المحيطة بهذا الحادث". وذلك وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وأظهرت صور، في وقت سابق، أطفال سوريين أصيبوا بحروق خطيرة، مما أدى إلى توجيه اتهامات بأن القوات التركية استهدفتهم باستخدام قنابل الفسفور الأبيض في بلدة رأس العين الحدودية أو بالقرب منها.
ووفقا لـ"الجارديان"، تمتلك الجيوش في جميع أنحاء العالم الفوسفور الأبيض بشكل روتيني، ويستخدم بشكل قانوني في القتال لإنتاج الدخان الأبيض في النهار، وإنتاج النار للإضاءة في الليل. لكن من غير القانوني استخدامه ضد المدنيين لأنه يسبب حروقًا خطيرة ومؤلمة بشكل استثنائي عند ملامسة الجلد البشري.
ضحية لأحد الأسلحة المحظورة
في البداية، قال المفتشون في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنهم "يجمعون معلومات" عن هذا الحادث، لكنهم استنتجوا لاحقًا أنهم "لن يفتحوا تحقيقًا" في الأمر؛ وقالت المنظمة إن القضية خرجت عن اختصاصها لأن استخدام الفسفور الأبيض كسلاح حارق كان بهدف الاستفادة من خواصه الحرارية وليس خواصه الكيميائية.
بينما يقول الأعضاء الأربعة في الكونجرس إن الوضع أصبح "مسألة عاجلة" ودعوا إلى أخذ عينات من أنسجة الضحايا، الذين يقولون إنهم محتجزون في العراق، بحيث تتم دراستها حتى يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي تقديم دليل كامل" على هذه الجريمة.
كما يطلبون من "جيفري" توضيح موقف وزارة الخارجية الأمريكية "في حال ثبت أن تركيا استخدمت الفوسفور الأبيض ضد المدنيين"، وما إذا كانت "ستلتزم بإجراء تحقيق كامل ونزيه ومتعدد الأطراف في مزاعم استخدام تركيا الأسلحة الكيماوية" في سوريا و"المساءلة الكاملة عن مرتكبي هذا الهجوم".
ضحية لأحد الأسلحة المحظورة
وكانت تركيا ادعت من قبل أن هذه الاتهامات كاذبة؛ وقال وزير الدفاع، خلوصي أكار، في أكتوبر الماضي: "إنها حقيقة معروفة للجميع أنه لا توجد أسلحة كيميائية لدى القوات المسلحة التركية".
وفي وقت سابق أواخر أكتوبر الماضي، قال الطبيب عباس منصور، 69 عاماً، والذي عالج ضحايا الحروق في مستشفى بمدينة الحسكة شمال شرق سوريا، في تصريحات لصحيفة "تايمز" البريطانية: "لقد رأيت العديد من الإصابات الناجمة عن الغارات الجوية. ولدي سابق خبرة بطبيعة وشكل الجروح الناتجة عن الحروق والانفجارات، التي تصيب الأشخاص عادة بسبب الغارات الجوية، إلا أن هذه الحالات مختلفة؛ إن الحروق العميقة وأشكالها والرائحة المنبعثة منها تتوافق تماماً مع الإصابات التي تحدثها الأسلحة الكيماوية الحارقة".
أحد ضحايا المواد المحظورة خلال العدوان التركي على سوريا
وحدد "منصور" أن ما بين 15 و20 شخصاً، من المقاتلين والمدنيين والأطفال، لحقت بهم إصابات باستخدام ما يرجح أنه مادة الفوسفور الأبيض، قائلاً: "إن أنواع الحروق التي أراها هنا مختلفة تماماً عن تلك التي أتوقع أن يكون سببها أي شيء آخر غير مادة كيماوية حارقة مثل الفوسفور الأبيض"، مؤكدا أن غالبية ضحايا الفوسفور الأبيض، الذين تلقوا العلاج في مستشفى الحسكة، تعرضوا للإصابات والحروق خلال الغارات الجوية التركية على بلدتي رأس العين وعين عيسى.
اقرأ أيضاً: تركيا: لم نستخدم أي أسلحة كيميائية في "نبع السلام"
من جانبه، قال "أردار الحسيني"، أحد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في أكتوبر الماضي، لـ"التايمز": "لم أستطع إخماد الحرق. مهما فعلت فلن يتوقف عن الاحتراق في جسدي"، مضيفا أن النيران اشتعلت أيضا في أجسام 3 من رفاقه واستمروا "في الاحتراق حتى أصبحوا جثثا متفحمة".
اقرأ أيضاً: منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تعد تقريرا لتحديد مرتكبي هجمات الكيماوي في سوريا
إلى ذلك، رجح "هاميش دي بريتون جوردون"، قائد سابق للفوج الكيماوي والبيولوجي والإشعاعي والنووي البريطاني، أن الجروح التي أصيب بها الأطفال في رأس العين "بدت وكأنها ناتجة عن الفوسفور الأبيض"، وقال "جوردون" إن "الفسفور الأبيض سلاح رهيب، إنه يتفاعل مع الرطوبة في الجلد بطريقة تزيد من احتراقه، بحيث لا يمكن إخماده بالمياه".
اقرأ أيضاً: منظمة حقوقية: تركيا تمارس إعدامات ونهب ممتلكات في شمال شرق سوريا
وبشكل غير متوقع، أعطى "ترامب"، في أكتوبر الماضي، تركيا الضوء الأخضر لغزو شمال شرق سوريا الذي يسيطر عليه الأكراد، عندما قال فجأة إنه سيسحب القوات الأمريكية من المنطقة الحدودية. وبعد فترة وجيزة من القتال بين تركيا والقوات الكردية السورية، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بمشاركة روسيا مما أدى إلى إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود بين الدولتين.