شَغَفَت المرأة العربية بمجوهرات مسلسل "حريم السلطان" ذات الطابع العُثماني التُركي، فكثيرًا ما تُساهم الدراما والسينما في الترويج للمجوهرات، والتي تُعد جزءًا أصيلًا في التعبير عن المضمون الثقافي والإجتماعي للعمل وشخصياته، خاصة الأعمال التاريخية.
وتكون المُجوهرات بمثابة الشاهد علي ضعف أو ازدهار الحركة الفنية للفترة التي تدور خلالها أحداث العمل السينمائي والتلفيزيوني، وهذا ما أكدته مجوهرات مسلسل"حريم السُلطان"، من إزدهار لفنون صناعة الحُلي والمجوهرات في عهد السلطان سليم والسلطان سليمان القانوني، فكانت العاصمة اسطنبول مركزًا للصناعات والفُنون التطبيقية المُختلفة، وعلي إثرها نهجت بقية مدن الدولة العثمانية، فكانت بودابست مركزًا هاما لإنتاج الحُلي والمُجوهرات.
كان لظهور المُجوهرات ذات الطابع العُثماني التُركي خلال أحداث المُسلسل، دورًا في إقبال المرأة العربية عليها، وبحثهن عن مثيلتها أو تلك المستوحاه منها، وخاصة خاتم السلطانة «هيام»، ما أدى إلي إحداث رواج بأسواق الذهب التُركية، نتيجة لازدياد الطلب على هذا الطابع من المُجوهرات في البلاد العربية، وفقا لتقارير صحفيه تُركية.
وأوضح رفيق عباسي، رئيس شعبة الذهب باتحاد الصناعات المصرية، وأحد مُصنعي الذهب والمُجوهرات، أن المُسلسل أحدث رواجًا للمُجوهرات التُركية بالسُوق المصري، ما أدى إلى توجيه المُصنعين لأقسام التصميم لوضع أفكار تصميمية مستوحاه من الفن العُثماني التُركي، تلبيةً لإحتياجات المُستهلكين.
بينما أكد الدكتور عبد العال محمد، أستاذ تصميم الحُلي بكلية الفنون التطبيقية، في برنامج عيار 24 علي راديو رسالة، أن الأسُواق تتجه لأشكال مُعينة للمُوضة، عند ارتباطها بحدث مُعين، فتحرُك الأسواق تجاه المُجوهرات ذات الطابع العُثماني، جاء نتيجة لعرض المُسلسل التُركي حريم السُلطان، والتي لم تجد فيها المرأة العربية اغترابًا، فمعظم البلاد العربية كانت جُزءًا من الإمبراطورية العُثمانية، حيثُ امتزجت فُنونها مع فُنون وقيم الدين الإسلامي.
كما أوضح أن ارتباط المُوضة بحدث بعينه، يُعد إحدي آليات تنشيط المُوضة، ومن ذلك أيضًا، توجه الأسواق من قبل لما عُرف بـ"الذهب الصيني"، نتيجة إقبال المرأة العربية عليه، مع أنه لا يحمل أي قيمة فنية، فالمُوضة في المُجتمع العربي تأتي دائما بــ"التَبَعية"، والمرأة فيه تفتقد إلي ثقافة التزيُّين وإمتلاك ذوقًا شخصيًا تختار من خلاله ما تراه مناسبًا لها.
وأشار إلى أن مُجوهرات الفن العُثماني اتسمت بـ" كبر" الحجم، تلبيةً لاحتياجات المرأة في الإلتزام بتعاليم الإسلام، لتتناسب مع ملابسها التي تستُر الجسد، فالمرأة العربية اتجهت لإرتداء حُلي ومُجوهرات كبيرة الحجم علي الصدر كنوع من التعويض، بخلاف المرأة الأوربية التي تتسم ملابسها بتعرية الجسد، لذلك تكتفي بقطعة صغيرة من المُجوهرات.
وأضاف أن المرأة المصرية تُقبل علي المُجوهرات كبيرة الحجم نتيجة إرتباطها بموروث حضاري قديم، حيث اتسمت المُجوهرات المصرية القديمة بكبر الحجم أيضًا، لتتوافق مع الرُسومات التي تَحكي قَصَص الآلهة والمُلوك.
لقد استمد الفن العُثماني جماله وروعته، بالإستنباط من العناصر الطبيعة النباتات والطيور والحيوانات، حتى أصبح له طراز خاص يُميزه عن الفنون العربية والفارسية وطُرز السلاجقة، كما تنوعت الأزهار في الزخرفة العُثمانية، ما بين زهرة القرنفل والورد والزنبق والياقوتية والتيوليب، وظهر ذلك جليًا في المُجوهرات التي عُرضت خلال المُسلسل، مثل البُروش المُستوحاه من الفراش الذي قدمه إبراهيم باشا إلي السُلطانة خديجة، والكوليه المستوحاه من زهرة التيوليب الذي قدمه السُلطان سُليمان إلي السُلطانة خديجة في حفل زفافها،بالإضافة إلي تيجان السُلطانات والأميرات المُستوحاه من النباتات.
كما تشير د. وهاد سمير، استاذ تصميم الحُلي والمُوضة، إلى أن فلسفة المُجوهرات في هذه الحُقبة التاريخية اعتمدت علي فلسفة ملأ المساحات -أي أن قطعة المُجوهرات لا تحتوي علي فراغات - حيث كثُر استخدام الأحجار الكريمة فيها، مثل الزُمرد الأخضر والياقوت الأحمر واللؤلؤ، واتضح ذلك في مُعظم المُجوهرات التي ظهرت بالمُسلسل، مثل التاج الملكي للسُلطان، والكوليه زهرة التيوليب، وتيجان السُلطانات وقلادتهم.
أما بالنسبة لأزياء المُسلسل، فقد أوضحت "سمير" أنها تميزت بالياقات الكبيرة والأكمام الطويلة والواسعة، والتي صُنعت من أقمشة خاصة مثل "الستانات" و"الشيفون"، بالإضافة إلي استخدام إسلوب الطباعة عليها، كما ظهر استخدام الأزرار في ملابس هذه الفترة بكثرة، بجانب أسلوب التطريز وهو عادة ملكية كانت تنشغل بها النساء داخل القصر، كما اتجهت ألوان الملابس إلى الألوان الغامقة مثل الأخضر الزيتوني والأخضر المزرق، بالإضافة إلى إستخدام القماش "المُقلم" مع القماش "المطبوع المشجر" في تنفيذ فساتين السُلطانات وحريم القصر.
وقد تنوعت مُفردات المُجوهرات التي ظهرت خلال حلقات المُسلسل، بين الخاتم، والبُروش، والتاج، والكوليه، والدلاية، والأساور، والعُقود، وزراير أساور بدلة السُلطان، والأقراط، والسلاسل، وأحزمة الخَصر ومُرصعات عمامة السُلطان.
حيث ظهر التاج خلال المُسلسل بثلاثة صور مختلفة، منها التاج القائم علي الجبهة مثل تاج السُلطانة الأم، والتاج النائم علي شعر الرأس مثل تاج السُلطانات خديجة وناهد دوران وهيام، وتاج الجبهة أو ما يسمي "سرتيت sertet" مثل الذي ارتدته السُلطانة خديجة.
وقد ارتدى السُلطان سُليمان القانوني مجموعة من الخواتم خلال أحداث المُسلسل، منها الخاتم الختم، الذي يُعبر عن إقتران قطعة المُجوهرات بوظيفة غير التزيين، بالإضافة إلي مجموعة أُخري من الخواتم المُرصعة بالألماس والتي إرتداها في الإبهام والسبابة، وكذلك الخاتم الرائع الذي صنعه السُلطان من الزُمرد وأهداه إلي السُلطانة هُيام.
بينما عُرضت مجموعة مُختلفة من البروش في المُسلسل، منها ماهو للنساء مثل بُروش الصدر، الفراشة الذي أهداه إبراهيم للسُلطانة خديجة، وأُخري للرجال مثل البروش الذي وضعه السُلطان سُليمان علي ياقة البدلة في منتصف الصدر وتحت الرقبة (أزرار ياقة البدلة).
كما استطاع مُصمم العمل أن يُبرز دور الأزياء والمُجوهرات في التعبير عن طبيعة كل شخصية ودورها بالمُسلسل، فاتضحت مكانة السُلطانة الأم من خلال الملبس والمُجوهرات، حيث اتسمت ملابسها بالإحتشام والوقار والألوان الهادئة والغامقة، وارتداء نوعية خاصة من التيجان تختلف عن باقي السُلطانات، وهو التاج الذي يُوضع ويقف علي جبهة الرأس، أما باقي السُلطانات فارتدت التاج النائم علي شعر الرأس، كما ارتدت مجموعة كوليهات إتسمت بالبساطة في التصميم، ورُصعت باللؤلؤ والزُمرد.
أما السُلطانة ناهد دوران، الزوجة الأولي للسُلطان "سُليمان"، والمنحدرة من طبقة إجتماعية مرموقة، وذات الشخصية الهادئة المُنغلقة، قليلة الحيلة أما ذكاء السُلطانة هُيام، فقد اتسمت مُجوهراتها بالبساطة، وملابسها بالوقار والاحتشام والألوان الهادئة.
ومن دراسة شخصية السُلطانة "هُيام"، بطلة العمل وزوجة السلطان، تلك الجارية الروسية، التي تنحدر من أسرة مُتوسطة، وتتميز بذكاء وجرأة، وحب للتفاخر والتباهي والسُلطة والمال، كما أن لديها بعض من الحنكة في الوصول إلي ما تُريد، لذلك وضع المُصمم لها مجموعة لونية تتسم بالصراحة والجرأة، لذا ارتدت مجوهرات " كوليهات" اُستخدم فيها الزمرد مع الذهب الأصفر أكثر من اللؤلؤ، واتسمت ملابسها بقصات مفتوحة الصدر، وألوان فاتحة وزاهية.
بينما وضع مُصمم العمل، مجموعة لونية هادئة وملابس محتشمة ومجوهرات اتسمت بالبساطة للسُلطانة "خديجة"، شقيقة السُلطان سُليمان لتعبر عن شخصيتها الرقيقة والهادئة والمحبة لمن حولها.
حينا اتسعت رقعة الدولة العُثمانية، وبسطت حكمها علي كثير من البلاد العربية كمصر وسوريا، قام السلاطين العُثمانيين بنقل أمهر الصُياغ من كل البقاع إلى اسطنبول، الأمر الذي أدي بدوره إلي ظُهور حُلي عُثمانية مُستوحاة من الرُوح العربية والاسلامية خاصة، وانتشر خلال هذه الفترة بالبلاد العربية مُسمي مُجوهرات "اسطنبولي" أي مُنتج عالي الجودة نظرا لصناعته علي أيدي أمهر الصُياغ باسطنبول، ولا يعني هذا أن الأتراك أنفسهم، لم يكن لهم باعا ًفي صياغة المُجوهرات فبفضلهم دخلت مصر طريقة "الشفتيشي" في صياغة المُجوهرات، وترجع هذه التسمية نسبة إلي قرية " شفت" التركية.