«منشار العظام» هكذا أطلق الأهالي والأطباء علي مرض أنيميا البحر المتوسط، ذلك المرض الوراثي الذي يُصيب بصفةٍ خاصة الأطفال ويُحوّل حياتهم إلي جحيم البحث عن الدم الذي يتم نقله كل 30 يومًا، بالإضافة إلي الآهات والآلام التي تلازم حاملي ذلك المرض الذي أصبحت تزيد نسبته يومًا بعد يوم ويرجع السبب لهذه المعاناة إلي زواج الأقارب أو جهل وإهمال الأهل للتحاليل المقررة قبل الزواج.
«أهل مصر» رصدت مأساة عدد من حاملي ذلك المرض من أبناء محافظة البحيرة، وذلك بعد ازدياد نسبة الإصابة بهذا المرض وانتشاره هذا العام مقارنة بالعام الماضي، فعلي الرغم من ارتفاع إحصائية المصابين به إلا أن وزارة الصحة تظل تتجاهل ذلك المرض ولا يوجد لديها خطة معلنة لمواجهته بل وحتي لم تستطع الوزارة توفير لهم احتياجاتهم الشهرية من الدم ليقعوا فريسة ما بين تُجّار الدم ونهْش المرض لعظامهم وتشويهه لوجوههم وجسدهم حتي الموت.
علياء محمد السيد، ١٧ عامًا، تروي تفاصيل معاناتها مع مرض أنيميا البحر المتوسط، فتقول: «لقد أُصبت بالمرض منذ الصغر ومن قبلي أصيبت أختي ميرنا التي توفت بسبب هذا المرض، وسبب الإصابة كانت الجينات الوراثية لأن والدي ووالدتي أقارب»، مضيفة أنها تعاني علي مدار حياتها من آلام هذا المرض سواء من نقل الدم شهريًا أو آلام الوجع في العظام وباقي جسدها، ورغم كل هذه الأوجاع إلا أنها في وجع أكبر وهو خوفها من عدم توافر الدم أو من الموت في أي لحظة مثل ما حدث مع شقيقتها وتوفت بسبب هذا المرض.
انتشار مرض أنيميا البحر المتوسط بين الأهالي في البحيرة
ويقول أحمد علي حسن، والد طفل توفي بسبب هذا المرض، إن نجله قد أُصيب بهذا المرض بسبب زواجه من ابنة عمه، وظل نجله يعاني من المرض حتي توفي في العمر ١٢ سنة، بسبب عدم توفير الدم له وبعد إجراء عملية جراحية تضاعف المرض وتغيرت ملامح وجهه وجسده حتي توفي، مؤكدًا أن الوزارة غير مهتمة بهذا المرض رغم خطورته.
وتُشير نرمين عبد العظيم، والدة الطفل عبد الرحمن يوسف بدران، والذي يبلغ من العمر ٣ سنوات ويعاني من هذا المرض، إلي أن نجلها يعيش طوال حياته مهددًا بخطر الموت، أو العيش في بيئة محيطة بالدم من خلال أكياس الدم والمحاليل الدوائية لتلقي العلاج شهرًا، مشيرة إلي أن نجلها أُصيب بالمرض بسبب صلة القرابة بينها وبين والده، حيث تم اكتشاف المرض مبكرًا من عمر 3 شهور تقريبًا، وحتي الآن تعاني من مشقة توفير العلاج للطفل من خلال التبرع بالدم شهريًا.
وتُضيف، أنها تقوم بمتابعة المرض مع طبيب أطفال خارجي بعد اليأس من أطباء التأمين الصحي والمستشفيات الحكومية من سوء المعاملة وعدم توفير العلاج، مؤكدة أنه تم تحويلها إلى مستشفى الطلبة بمحافظة الإسكندرية للحصول على الدم الكافي لإجراء عملية لإبنها، بسبب عدم توفر نوع الدم في بنك الدم في محافظة البحيرة.
انتشار مرض أنيميا البحر المتوسط بين الأهالي في البحيرة
من جانبه أكد الدكتور مدحت نوار، مسؤول قسم الأمومة والطفولة بمديرية الصحة بالبحيرة، أن مؤشر المرض يزيد كل عام ولكن حتي الآن لم يوجد خطة موجهة من وزارة الصحة للمديرية، تجاه هذا المرض، مضيفًا أن الإحصائية الخاصة بالمرض توجد في قسم الثلاسيميا بالمستشفى العام وبنوك الدم.
وكشفت الدكتورة مرور الرفاعي، المسؤولة عن بنك الدم في محافظة البحيرة، أن مؤشرات الإصابة بهذا المرض ارتفعت عن العام الماضي بنسبة ٢٠ ٪، وحتى الآن لا توجد إخطارات جديدة من الوزارة للتعامل مع هذا المرض غير توفير الدم لهم شهريًا، مشيرة إلى أن الأطفال المصابين بالثلاسيميا يحتاجون إلى نقل الدم منذ الشهور الأولى لولادتهم حتى نهاية العمر، ولا يمكن لهم أن يستغنوا عن نقل الدم طوال حياتهم أو استخدام علاج بديل نهائيًا، فالمريض إذا لم يحصل على وحدات الدم المطلوبة قد يصاب بمضاعفات خطرة، خصوصًا الأطفال الذين قد يصابون بتأخر في النمو، وتراجع في وظائف الكبد والطحال والقلب.
وأكدت الرفاعي، أن المرضى يصابون بالمرض وراثيًا، إذ يحملونه من أبوين حاملين للمرض، حاملة بالذنب علي الآباء الذين يرفضون فحوص ما قبل الزواج، مشيرة إلى أن كثيرًا من الآباء يتوجهون للفحص بأيام قليلة قبل الزفاف، وإذا ظهر أنهم حاملون للمرض لا تكون أمامهم فرصة للتراجع، وبالتالي يتم الزواج وينجبون أطفالًا مرضي يعيشون طول العمر في عذاب مستمر.
انتشار مرض أنيميا البحر المتوسط بين الأهالي في البحيرة
وأشارت المسؤولة عن بنك الدم في محافظة البحيرة، إلي أنه يوجد 17 بنك دم علي مستوي المحافظة يتردد عليه ما يقرب من 500 طفل لتلقي العلاج شهريًا بصورة دائمة، حيث يتم صرف أكياس الدم للأطفال التي لا تزيد نسبة الهيموجلوبين في الدم عن 9 جرام حتي لا يحدث ضرر علي الطفل، مشيرة إلي أنه يُطلق على مرضي الثلاسيميا أصدقاء البنك نسبتًا لترددهم بصفة مستمرة طوال حياتهم لتقي العلاج، لافتة إلي أن هناك مريضة في كلية الطب تتلقي العلاج منذ الشهور الأولي من ولادتها في البنك وحتي الآن.
وأوضحت أن هناك وسائل أُخري تُستخدم للعلاج من خلال حقن تحت الجلد لتقليل نسبة الحديد الزائد في الجسم، ولكن تم إيقافها الآن، واستخدام أقراص بديلة يتم إذابتها في المياه لسحب نسبة الحديد من الدم، حيثُ تعد من أفضل الوسائل التي حدت علي استخدام جرعات الدم للعلاج شهريًا، موضحة أن من مميزات الأقراص أنها يسهل استخدامها للأطفال دون معاناة ولكن غير متوفرة بشكل كبير.
وتابعت أن بعض الأطفال المرضي لايزالون رُضّعًا، تبلغ أعمارهم أربعة أشهر فقط، ويخضعون لعمليات نقل دم شهرية، لحمايتهم من مخاطر المرض، حيث كانت تقوم بالاتفاق مع المواطنين الذين يتم فحصهم والتأكد من سلامتهم الصحية إلى الاستمرار في التبرع بالدم على مدار العام، حتي لا يحدث أي نقص في وحدات الدم التي يحتاجها المرضى للبقاء على قيد الحياة.
انتشار مرض أنيميا البحر المتوسط بين الأهالي في البحيرة
وقالت إن بنك الدم في مدينة دمنهور يستقبل ما بين 40 إلي 50 مريضًا بالثلاسيميا شهريًا، مشيرة إلي أنه يتم فحص المريض كل شهر ومتابعة حالتة الصحية حتي لا يتم مضاعفة المرض في حالة أخذ جرعة دم زيادة أو أقل من احتياج الجسم، وفي حالة المرض الأطفال يتم المتابعة مع والدتهم علي الحالة الصحية لهم خلال الشهر، وفي حالة المرض الأكبر سنًا أصدقاء البنك يتم المتابعة معهم من خلال أسئلتهم عن تواجد أي شكوي من أعراض الأنيميا كالصداع، وعدم وضوح الرؤى، وعدم القدرة على متابعة العمل خلال الشهر قبل تلقي جرعة الدم.
وأكدت الرفاعي، أن معظم بنوك الدم كانت تعاني من فقْدٍ في أكياس الدم، بالإضافة إلي أن المريض يحصل علي جرعة الدم من أشخاص مختلفة كل شهر مما يؤدي إلي تكوين مناعة داخل جسم المريض تعمل علي عدم الاستجابة لأي جرعة دم أخري حتي تتدهور حالته، مؤكدة أنه يتم حل تلك الأزمة من خلال عمل مبادرة تعمل علي التواصل مع أشخاص معينة للتبرع بصفة مستمرة حتي لا يتعرض الطفل للخطر الذي كان يتعرض له من قبل.
ولفتت إلي أن مرض الثلاسيميا لا يقل خطورة عن مرض السرطان، ويجب عمل خطة موجهة واضحة علي مستوي المحافظات للقضاء على أسباب هذا المرض من خلال التوعية بمخاطر عدم إجراء الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، بالإضافة إلي أنه يجب عمل مؤسسة خاصة بمرض الثلاسيميا لتلقي العلاج الشهري مجهزة للأطفال لتقليل آلام أثناء نقل الدم وأيضًا لتقليل تعرضهم للعدوى من خلال اختلاطهم الدائم في بنوك الدم بمرضي الفيروسات والأمراض الأخري، مناشدة وزارة الصحة قائلة: «أرجو من وزارة الصحة أن تهتم بهذا المرض من خلال عمل خطة موجهة وواضحة يتم توزيعها على مستوى مديريات الصحة في كافة المحافظات وتخصيص مبالغ مخصصة لعمليات المسح الوقائي وحملات التوعية بمخاطر الأمراض الوراثية، بما يعادل نسبة الشباب في الدولة».
كما أشارت إلي أنه من وسائل الوقاية من هذا المرض الذي يمكن للدولة أن تضعها للقضاء عليه عمل رسم «شجرة العائلة»، وهو إجراء مهم لمعرفة الأمراض التي ظهرت في الأقارب، مما يساعد أطباء الوراثة على توقع الأمراض التي يمكن أن يصاب بها المواليد، وبالتالي نصيحة المقبلين على الزواج بإعادة النظر في إتمام زواجهم، منعًا لإنجاب أطفال مرضى، وأيضًا يمكن إجراؤها للمتزوجين، لتحديد إمكانية إنجابهم أطفالًا مصابين بمرض وراثي.
وشددت المسؤولة عن بنك الدم في محافظة البحيرة، على ضرورة الالتزام بإجراء فحوص ما بعد الولادة، وهي فحوص تتم بسحب عينة من كعب قدم المولود، لاكتشاف الأمراض الوراثية، مضيفة أن إجراء هذه الفحوص يساعد على اكتشاف المرض مبكرًا، وتقديم العلاج اللازم له، ما يحميه من تلف الدماغ، والوقاية من أمراض تصيب بإعاقات ومخاطر تتعلق بالقلب والكلى، مؤكدة علي ضرورة تحديث فحوص ما قبل الزواج، إذ أنها تقتصر على فحص مرض الثلاسيميا وأمراض الدم، ولابد أن تتم إضافة فحوص أمراض وراثية أخرى بناءً على التاريخ الطبي للمتقدمين إلى هذه الفحوص، مشيرة إلى أنها فحوص بسيطة، ويمكن إجراؤها بالأجهزة المتوافرة حاليًا في الدولة.
كما دعت إلى إصدار تشريعات جديدة تُلزم بكل الفحوص التي تحمي من الأمراض الوراثية، وتعطي الجهات الحكومية حق محاسبة من يهملون في إجراء هذه الفحوص، كونهم يتسببون في إنجاب مرضى يعيشون حياتهم في ألم مستمر، كما ناشدت رئيس الجمهورية كي ينقذ أطفال مرضى الثلاسيميا والاهتمام بذلك المرض وإنشاء مؤسسة خاصة لهم مثل مستشفى ٥٧٣٥٧، لتلقي علاجهم شهريًا بأمان دون تعرضهم لنقل أمراض أخري من مرضى الكلى والأمراض الأخري لأن حاملين ذلك المرض يعانون من نقص المناعة مما يؤدي إلى الإصابة بالمرض.
ويوصف مرض أنيميا البحر المتوسط بأنه «منشار العظام» الذي يُعد مرضي هذا المرض الضحية الكبرى للأمراض الوراثية في مصر ودول التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، فهذا المرض المفزع يسكن جينات كثير من الأسر المصرية والعربية، ويرجع السبب لاتباع العادات والتقاليد في الزواج من خلال الإصرار علي زواج الأقارب دون إجراء الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج، فتصبح النتيجة أطفال مريضة تعاني طوال العمر، يعيشون بأجساد هزيلة، تحتاج إلى تبرعات شهرية من الدم ليبقوا على قيد الحياة.
نقلا عن العدد الورقي.