وسط الحديد والأسمنت والعتالين بمحافظة قنا، توجد إمرأة في العقد الخامس من عمرها، ترتدي زي الرجال، فالعمامة على جبينها، ورابطة جلبابها، وتتحدث مثلهم حتى يسهل عليها العمل في مهنة خُصصت فقط للرجال، تتظاهر بالقوة والسيطرة، لتتعايش مع ظروف الحياة القاسية التي حولتها من ربة منزل لـ"عتالة"، تحمل الحديد والأسمنت، لتوفير دخل لها بعد مغادرة زوجها قنا، فرارًا من مأزق الديون، حتى تغيرت ملامحها كليًا وأصبحت تشبه الرجال.
تزوجت صباح أحمد علي، 50عامًا، مقيمة بمنطقة السنابسة، مركز الوقف، شمالي قنا، وهي صغيرة السن، من أحد شباب قريتها، "عامل أجري"، وأنجبت منه 3 أبناء، كانت لا تعرف عن العمل خارج المنزل شيئًا، ولكن ظروف الحياة القاسية غيرت مجرى حياتها وحولتها إلى 'عتالة'.
قالت 'صباح ' في حديثها لـ "أهل مصر" كان زوجها يعمل بالأجر اليومي، ولا يجد عمل بصفة مستمرة، كان يعمل يومًا وآخر لا يعمل به، لعدم وجود عمل، ومستلزمات أسرته وأطفاله تزداد، فكان يلجأ للدين حتى يوفر ما يحتاجونه، وظل هكذا حتى كثرت ديونه ولا أحد يقبل إعطائه شيئًا إضافة إلى مطالبة أصحاب الدين بمستحقاتهم، فصعب عليه الأمر، حتى اضطر للفرار هاربًا إلى القاهرة، تاركًا زوجته وأطفاله وحيدين بالقرية محاصرين بالديون، لا يوجد في منزلهم غير الآدمي قوتهم.
وتابعت أنها عندما وجدت أسرتها تضيع أمام عينها، قررت الخروج للعمل، ولكن لعدم وجود عمل مناسب لها، بجوار منزلها حتى ترعى أطفالها بجانب العمل، اضطرت إلى العمل فى مهنة تكون شاقة على الرجال أنفسهم، أصبحت تعمل "عتالة" لقرب ذلك العمل من منزلها منذ عام 2006 حتى الآن وهي تمارس هذه المهنة.
وواصلت حديثها بأن الجميع استغربها حين عملت "عتالة"، ونصحوها بالبعد عنها وإيجاد عمل يتناسب مع عمرها وأخف مشقة عليها، ولكن لعدم وجود ذلك العمل وأطفالها محتاجين، وديون زوجها المهاجر تحاصرها، تحملت وقررت إكمال مسيرتها في حمل الحديد والأسمنت ووضعه فوق السيارة، لنقله لمكان آخر، ظلت تتحمل وتتحمل حتى أصبحت تلك المهنة هي شهرتها في القرية، نظرًا لغرابة مهنة العتالة وتكون سيدة، وهذه العادات مرفوضة في الصعيد.
استمرت صباح "العتالة" تواصل عملها، حتى سددت ديون زوجها وأطفالها صارو كبارًا، وزوجت ابنتها الوحيدة، وأولادها صاروا يعملون ويساعدونها، ولكن عمل الأجر اليومي، أيضّا غير متواصلين، كل ذلك من تدبيرها كانت تعمل طوال اليوم، طن الحديد الذي تحمله تأخذ 50 جنيهًا عليه، و15 جنيهًا لطن الإسمنت التي تعمل به إجبارًا لتوفير لقمة العيش، فوزنه ثقيل جدًا عليها، ولكن إن وجد تعمل به ولا ترفض.
وذكرت أيضًا أنها تعذر زوجها فليس لديه مهنة أو حرفة، وأصبح عمره فوق الـ 60 عامًا، على الرغم من عدم التواصل بينهما إلا كل شهور تلفونيًا، ولا يرسل لهم دخلًا وتطلب منه الرجوع لقريته ولكن الظروف الصعبة التي تحاصرها والتي تكمن في نظرات الناس تمنعه من العيش وسط أسرته مرة أخرى.
كل أمنية "صباح" أن توفر لها مديرية التضامن معاشًا يساعدها، فأبنائها أصبحوا كبارًا وعملهم لبناء مسكن خاص لزواجهم، وأن عمرها سار يتقدم، وقدمت أوراقها أكثر من مرة إلى إدارة التضامن بمركز الوقف، ويتم رفضه لوجود زوجها على قيد الحياة، والحقيقة أنه هاجرهم منذ 14 عامًا وهي تتحمل المسئولية، لذلك تريد توفير معاش يساعدها في المعيشة.