حرائق أستراليا تحيل سماءها إلى الأحمر في رأس السنة.. الآلاف يفرون من النار ويتركون منازلهم وسط مخاوف من سقوط ضحايا.. وعلماء: نيران هذا العام غير مسبوقة (صور)

أرسلت البحرية الأسترالية سفن وطائرات عسكرية للمساعدة في مكافحة حرائق الغابات المدمرة على الساحل الجنوبي الشرقي لأستراليا والتي يخشى أن تكون قد قتلت ما لا يقل عن 17 شخصًا، وسط جدل متصاعد حول موقف الحكومة من حالة الطوارئ المناخية. وذلك وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية التي أفادت بأن آلاف الأشخاص فروا من مناطق اندلاع تلك الحرائق المروعة، تاركين منازلهم وتجمعوا على الشواطئ هربًا من أعمدة اللهب والدخان الهائلة التي أغرقت بلدات بأكملها في الظلام ودمرت أكثر من 4 ملايين هكتار من الأراضي.

 رجل إطفاء وسط الحرائق بالقرب من بلدة ناورا، نيو ساوث ويلز، أستراليا

وفي الأثناء، ما زال الآلاف من رجال الإطفاء يواجهون أكثر من 100 حريق في ولاية "نيو ساوث ويلز" وما يقرب من 40 في فيكتوريا اليوم الأربعاء، مع اشتعال حرائق جديدة يوميًا بسبب الظروف الحارة والرياح، وفي الآونة الأخيرة، الصواعق الجافة التي أحدثتها الحرائق نفسها.

وفي نهاية العقد الأكثر حرارة على الإطلاق في أستراليا، كانت العاصمة، كانبيرا، مغطاة بسحابة كثيفة من الدخان تركت جودة الهواء في التصنيف الخطير بأكثر من 21 ضعفًا، ويمكن رؤيتها من على بعد أكثر من 1200 ميل (2000 كم)، من جزيرة نيوزيلندا الجنوبية، وهي تبدو وقد تحولت سماءها أثناء النهار إلى اللون البرتقالي.

وبسبب الحرائق المرتفعة والرياح الشديدة والجفاف الرهيب الذي دام ثلاث سنوات، دمرت الحرائق الضخمة المناظر الطبيعية التي سرعان ما تحولت إلى مساحات جافة، مما تسبب في دمار هائل؛ فمنذ نوفمبر الماضي، فُقد أكثر من 900 منزل في "نيو ساوث ويلز" وحدها.

حرائق الغابات في أستراليا تقتل تسعة أشخاص خلال الكريسماس

وبمرور ثلاثة أشهر من الصيف، أدت استجابة السلطات في البلاد للحرائق إلى تصنيفها على أنها الأسوأ، وأثارت أسئلة ملحة حول ما إذا كانت حكومة رئيس الوزراء، سكوت موريسون، المحافظة قد اتخذت ما يكفي من العمل فيما يتعلق بالاحتباس الحراري.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية كبيرة من الأستراليين يرون أن حالة الطوارئ المناخية تشكل تهديدًا عاجلاً ويريدون اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من جانب الحكومة، لكن "موريسون" ركز بدلاً من ذلك على استجابة الدولة لأزمة حرائق الغابات والدفاع عن الأعمال التجارية الأسترالية، بالإضافة إلى أن المسؤولين الحكوميين الآخرين استخفوا علنًا بالناشطين في مجال المناخ.

وفي خطاب رأس السنة الميلادية الذي ألقاه أمام الشعب، لم يذكر "موريسون" أي صلة بين حرائق الغابات والاحتباس الحراري، ولكنه أشار إلى أنه في الوقت الذي يعاني الأستراليون من هذه المحنة الرهيبة، فإنهم في نفس الوقت واجهوا تجارب مماثلة من قبل على مر التاريخ.

وقال رئيس الوزراء في رسالة مصورة بالفيديو إن الأجيال الماضية "واجهت أيضا كوارث طبيعية، وفيضانات، وحرائق، وصراعات عالمية، وأمراض، وجفاف" وتغلبت عليها، مضيفا أن "هذه هي روح الأستراليين، تلك هي الروح الواضحة لديهم، تلك هي الروح التي يمكننا الافتخار بها كأستراليين".

واليوم الأربعاء، أقر "موريسون"، خلال حفل استقبال، أن الحرائق كانت "وقتاً مليئاً بالتحديات بالنسبة لأستراليا"، لكنه صرف النقاش حول السبب الأساسي للحرائق، وركز مرة أخرى على صمود الدولة.

من جهتهم، وصف خبراء الحرائق والعلماء حجم حرائق هذا العام وتأثيرها على أنها لم يسبق لها مثيل وقالوا إن انبعاثات الغازات الدفيئة، رغم أنها لا تسبب الحرائق، تلعب دوراً مثبتاً في رفع درجات الحرارة وخلق ظروف جافة استثنائية تجعل خطر نشوب الحرائق شديداً أو كارثية.

من جانبها، قالت رئيس وزراء ولاية "نيو ساوث ويلز"، جلاديس بيريجيكليان، إنه على الرغم من أن الظروف الأكثر برودة قليلاً في يوم رأس السنة الجديدة منحت البلاد لحظة لتقييم الدمار، فقد تم تدهور الأوضاع مجددًا خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ومن المتوقع أن تعود ظروف الحريق الخطرة إلى شرق فيكتوريا ونيو ساوث ويلز السبت المقبل، مع احتمال وصول درجات الحرارة مرة أخرى إلى الـ40. وقالت "بيريجيكليان": "نحن نفترض أن الأحوال الجوية ستكون سيئة على الأقل كما كانت بالأمس"، مضيفة "علينا جميعا أن نستعد".

وفي الوقت الذي وقع معظم الدمار أمس الثلاثاء، فإن ضراوة الحرائق تعني أن الكثير من الناس لم يتمكنوا من معرفة المعلومات الأساسية حتى حلول ليلة رأس السنة؛ حيث تم قطع خطوط الكهرباء والاتصالات لفترات طويلة في العديد من المناطق، وظلت الطرق داخل وخارج المدن مغلقة.

إلى ذلك، قال مسؤولون في "نيو ساوث ويلز" و"فيكتوريا"، أمس الأربعاء، إنه تأكد مقتل خمسة أشخاص آخرين، ويُفترض أن رجلاً آخر قد قُتل، مضيفين أن العشرات مفقودين ومن المرجح أن تستمر حصيلة القتلى في الارتفاع.

وتم العثور على ثلاث جثث اليوم الأربعاء في بحيرة كونجولا على الساحل الجنوبي لنيو ساوث ويلز، ليصل عدد القتلى في الولاية إلى 15 قتيلا.

إلى ذلك، فر نحو 4000 شخص في بلدة مالاكوت الساحلية في فيكتوريا إلى الشاطئ حيث دفعت الرياح النار باتجاه منازلهم تحت سماء مظلمة بالدخان وتصاعد ألسنة اللهب. واحترقت عشرات المنازل قبل أن تغير الرياح اتجاهها في وقت متأخر من أمس الثلاثاء، مما جنب بقية المدينة من الاحتراق.

وقال مارك تريجيلاس، أحد السكان الذين قضوا الليل على منحدر للقوارب على الشاطئ، لـ"الجارديان"، إن مجرد تحول في اتجاه الرياح تسبب في نجاة البعض من الموت، مضيفا: "استمر الحريق في التزايد ثم حل الظلام الذي لم أستطع فيه رؤية يدي أمام وجهي، وبعد ذلك بدأت تتوهج السماء باللون الأحمر فعرفنا أن الحريق كان قادمًا".

وتابع: "بدأ الرماد في السقوط من الهواء ثم بدأ الجمر ينزل. وعند هذه النقطة، بدأ الناس في جلب أطفالهم وعائلاتهم إلى الماء. ولحسن الحظ، غيرت الرياح اتجاهها وتحولت النار إلى الجانب المعاكس".

من جانبه، قال رئيس وزراء ولاية فيكتوريا، دانييل أندروز، إن أربعة أشخاص ما زالوا مفقودين بعد أن اندلع حريق هائل في جيبسلاند، وهي منطقة ريفية على بعد حوالي 310 أميال شرق ملبورن، عاصمة ولاية فيكتوريا.

كان "ميك روبرتس"، من شرق جيبسلاند، في عداد المفقودين منذ الاثنين الماضي وعثر عليه ميتا في منزله اليوم الأربعاء. وقالت ليا بارسونز، ابنة أخته، على وسائل التواصل الاجتماعي: "لم يعد مفقودًا للأسف، لكن تم العثور على جثته في منزله".

وفي خليج مالوا، على الساحل الجنوبي لنيو ساوث ويلز، تحدث الناجون عن كيفية قضاء 1000 شخص ليلتهم على الشاطئ؛ وقال آل باكستر، وهو لاعب رجبي دولي متقاعد، لصحيفة "الجارديان أستراليا": "كان الجميع على الشاطئ، المغطى تماما بالرماد والدخان".

وأضاف: "كان هناك هدوء غريب. كان الناس على مقربة من حافة الماء قدر استطاعتهم. وكانوا حرفيًا يرقدون على الشاطئ يحاولون الابتعاد عن الدخان والرماد".

ولذلك، اشتدت الانتقادات لموقف حكومة "موريسون" بشأن المناخ مع ازدياد شدة الحرائق؛ حيث تعد أستراليا أكبر دولة مصدرة للفحم والغاز الطبيعي المسال في العالم، لكن رئيس الوزراء، الذي فاز بفترة ولاية ثالثة بشكل مفاجئ في مايو الماضي، رفض الشهر الماضي دعوات لتقليص صناعة الفحم المربحة في أستراليا.

وتعهدت حكومته بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 26-28 ٪ بحلول عام 2030، وهو رقم متواضع مقارنة بتعهد حزب العمل المعارض من يسار الوسط بنسبة 45 ٪. وطالب زعيم حزب "الخضر الأسترالي" الضعيف، ريتشارد دي ناتالي، بتشكيل لجنة ملكية، وهي أعلى هيئة تحقيق في البلاد، بشأن الأزمة.

وقال "دي ناتالي"، في بيان، "إذا رفض موريسون القيام بذلك، فسننتقل إلى لجنة تحقيق برلمانية تتمتع بصلاحيات تشبه اللجنة الملكية بمجرد انعقاد البرلمان".

وتم نشر القوات المسلحة الأسترالية، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر والطائرات ثابتة الجناحين والسفن البحرية، للمساعدة في مكافحة الحرائق، وجلب المياه والطعام والوقود إلى البلدات التي استنفدت فيها الإمدادات وقُطعت الطرقات إليها، فضلاً عن إجلاء السكان.

اقرأ أيضاً: أستراليا تتعرض لموجة حرارة شديدة مع تصاعد تهديدات حرائق الغابات

وأعلن مفوض إدارة الطوارئ في فيكتوريا، أندرو كريس، إن السفينة HMAS Choules التي يبلغ طولها 176 مترًا، والتي من المقرر أن تصل بحلول الجمعة المقبلة، قد تُستخدم لإجلاء العديد من الذين تقطعت بهم السبل في بلدة ملاكاوت، على الرغم من أن سعتها البالغة 1000 شخص لن تكفي لوحدها للتعامل مع الجميع الذين يحتاجون إلى الإجلاء.

اقرأ أيضاً: أستراليا تستعين بعناصر من الجيش في بلدات متضررة من حرائق الغابات

وقال كريس: "ليس لديها (الطائرة) القدرة الحالية للجميع في مالاكوت"، مضيفا "نحن ندرس كل خياراتنا... وبالتأكيد أن النظر في إجلاء بعض الناس من مالاكوت عن طريق البحر هو خيار ندرسه بجدية".

اقرأ أيضاً: مصرع 12شخصا بينهم 3 من رجال الإطفاء حصيلة حرائق الغابات في أستراليا

وإلى جانب نشر HMAS Choules، قالت قوات الدفاع الأسترالية إنها كانت تقدم الدعم لجهود إطفاء الحرائق في جميع الولايات باستثناء تاسمانيا منذ 8 نوفمبر الماضي، وكانت ترسل طائرتي "تايبان" و"بلاك هوك" و"تشينوك" بالإضافة إلى طائرتين من طراز "سبارتان" إلى فيكتوريا، حيث ساعدوا في مكافحة الحرائق وتقديم المساعدة الإنسانية للمجتمعات المعزولة بهذه الولاية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً