في أحد شوارع بغداد المظللة بأشجار الكينا الطويلة (تعرف في مصر بالكافور)، احتشد الآلاف من المشاركين في مراسم تشييع جثمان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، وآخرين، وهم يبكون ويهتفون بجوار شاحنات صغيرة وسيارات إسعاف تحمل نعوش الضحايا الذين قُتلوا في غارة جوية أمريكية بدون طيار، وهي العملية التي تهدد بإعادة تشكيل الصراع في المنطقة. وذلك حسبما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير لها.
جانب من جنازة سليماني
ووفقا للصحيفة البريطانية، امتزج الحزن مع الغضب بين المشيعين، الذين رددوا هتافات منها "يا سليماني دمك لن يضيع سُدى". ورافقهم في مراسم التشييع حرس الشرف الذين ارتدوا الستر الحمراء الطويلة و الخوذات البيضاء. وخلفهم، سار الآلاف من المشيعين المدنيين بالزي الأسود إلى جانب آخرين من عناصر الميليشيات التابعة للضحايا بالزي العسكري.
مؤيدو سليماني يلتقطون صورا بجوار ملصق للجنرال والمهندس
وقال أحد المقاتلين، الذي كنى نفسه بـ"أبو مسلم" لـ"الجارديان": "لقد كنا في حالة حرب مع أمريكا لسنوات عديدة، لكنها كانت حرب هادئة وناعمة"، مضيفا "الآن بعد عملية القتل هذه، ستندلع الحرب في العراء، ليس فقط ضد أمريكا ولكن أيضًا ضد كل عملائهم وعناصرهم داخل العراق".
مظاهرة في طهران اليوم احتجاجًا على مقتل سليماني
وفي وقت سابق، تم نقل نعوش الضحايا إلى ضريح الكاظمية في شمال بغداد، حيث عبّر حشد أكبر من هذا عن حزنهم بالضرب على صدورهم ورؤوسهم. وذلك وفقا للصحيفة البريطانية التي أفادت بأن "سليماني" سيطر خلال حياته على مساحات شاسعة من الشرق الأوسط، وهزت وفاته المنطقة. وذكرت الصحيفة أن هناك حداد وغضب في وطنه إيران، وفي مناطق نفوذه في العراق، وفي أماكن أخرى كانت فيها أمواله وأسلحته دعماً للسياسيين وتمويلا للميليشيات.
وكانت مراسم التشييع في بغداد تضم العديد من كبار السياسيين والقادة الإيرانيين، بالإضافة إلى رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ووقفت مجموعة من كبار قادة الميليشيات العراقية محاطة بحراس شخصيين تحت أعلام فصائلهم وحركاتهم متعددة الألوان.
أحد نعوش الضحايا في بغداد
وفي غزة أيضًا، تجمّع عدة مئات من الفلسطينيين لحضور مراسم الحداد في سرادق أقيم على شرف "سليماني" في قلب المدينة. وأحضروا بالسرادق أعلاما أمريكية وإسرائيلية ووضعوها تحت أقدامهم خلال تلقي العزاء. وقال إسماعيل رضوان، أحد مسؤولي حماس لـ"الجارديان": "نحن موالون لأولئك الذين وقفوا مع المقاومة ومع فلسطين".
لكن في نفس الوقت، كان هناك أيضاً احتفالا وفرحة بين أولئك الذين خافوا من سليماني، أو عاشوا خلال النزاعات التي نجح فيها على مدى العقدين الماضيين، في سوريا واليمن؛ فعلى بُعد ألف كيلومتر من بغداد، وفي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب شمال سوريا، رسم الأطفال لافتات تشكر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إعطائه الأمر بهذا الهجوم المميت، وتبادلوا الحلوى احتفالا بوفاة الرجل الذي ألقوا عليه باللوم في الموت والدمار.
فلسطينيون يقيمون عزاء لسليماني في غزة
وقال أحمد الشامي، صحفي سوري، 27 عامًا، والذي حاصر "حزب الله" (إحدى الميليشيات التابعة لسليماني) بلدته "مضايا" بمحافظة ريف دمشق السورية لـ"الجارديان": "عندما تلقيت خبر وفاة سليماني، شعرت أنني في النهاية رأيت العدالة لمن فقدوا حياتهم بسببه".
اقرأ أيضاً: إيران تنشر رسالة بخط اليد تقول إنها وصية "سليماني" لزوجته قبل اغتياله (صورة)
وعلى مدى عامين، توفي 80 شخصًا من أبناء البلدة السورية بسبب سوء التغذية الحاد، نصفهم من الأطفال، وتوفي 235 في قصف أو محاولة هرب، وفقًا لما قاله الناشط أمجد المالح، أحد سكان مضايا، للصحيفة البريطانية.
اقرأ أيضاً: فاتورة اغتيال سليماني .. هل يضرب خامئني الحمار الأمريكي أم يفضل البردعة السعودية ؟
وأضاف المالح "الميليشيات الإيرانية لم تجوعنا أو تقتلنا فحسب، بل شردتنا من بيوتنا، لذا فإن سعادتي بوفاة أحد أبرز قادة إيران أمر لا يوصف"، مشيرا إلى أن "الشرق الأوسط أصبح الآن مكانًا أفضل بدون هذا الشخص".
اقرأ أيضاً: سيجوب 6 مدن إيرانية.. رحلة جثمان "سليماني" قبل استقراره في مثواه الأخير
وفي إسرائيل أيضًا، رحب كثيرون بوفاة سليماني الذي كان اسمه مألوفاً هناك، وكان سيء السمعة؛ بسبب دوره في الحرب الأهلية في سوريا، والذي طالما اعتبره الجيش والحكومة في البلاد أحد أكبر التهديدات. وفقا لـ"الجارديان".