إن إعلان وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا والذي تمت الموافقة عليه في وقت سابق أمس السبت، يواجه تحديات جسام؛ خاصة مع اتهام كلا الجانبين بعضهما البعض بخرق الهدنة، ما دفع الطرفين إلى وضع خطط لنشر المزيد من القوات. وذلك وفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية التي اعتبرت أن المخاطر من جراء ذلك لا تهدد فقط ثروة ليبيا النفطية، ولا مستقبل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ولكن أيضًا التوجه الجيوسياسي لشمال إفريقيا، لافتة إلى أن الطبيعة اللامركزية لنشاط الميليشيات تقلل من احتمالية التزام الأطراف بوقف إطلاق النار المعلن.
وفي خطوة مفاجئة أمس السبت، اتفق الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، مع ما يعرف بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ومقرها طرابلس، على وقف إطلاق النار الذي اقترحته روسيا وتركيا في وقت سابق الأسبوع الماضي.
ووفقا لـ"الجارديان"، فإن كلا من روسيا وتركيا لديها عددا من القوات في البلاد، حيث تدعم روسيا الجيش من خلال مرتزقة تابعين لها، فيما تدعم تركيا حكومة الوفاق بمستشارين عسكريين.
من جانبها، أكدت وزارة الدفاع التركية على أن وقف إطلاق النار مستمر، مشيرة إلى أن الوضع في ليبيا كان "هادئًا باستثناء حادث أو حادثين منفصلين".
ومع ذلك، ادعى كلا الجانبين خلاف ذلك؛ فقال قائد المنطقة الغربية العسكرية التابعة للجيش الليبي، اللواء مبروك الغزاوي: "لقد انتهكت ميليشيات طرابلس الهدنة على أكثر من جبهة قتال بكل أنواع الأسلحة"، مضيفًا أن القوات كانت تنتظر المزيد من التعليمات من القيادة العامة للجيش الوطني الليبي. كما ذكر الجيش أنه أسقط طائرة تركية مسيرة، في وقت سابق اليوم.
بدورها، زعمت حكومة الوفاق، في بيان، أنها سجلت انتهاكات من قبل قوات الجيش، لكنها "تجدد التزامها بوقف إطلاق النار، وتؤكد على ضرورة التزام رعاة وقف إطلاق النار وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا بتطبيقه على النحو الأمثل".
ويسعى الجيش الوطني إلى طرد الميليشيات المسلحة من طرابلس منذ أبريل الماضي. ولكن الرئيس التركي، رجب أردوغان، يعارض هذه الخطط وعرض على حكومة طرابلس، الشهر الماضي، إرسال قوات عسكرية لدعمها في مواجهة الجيش الوطني، قائلًا إنه من الأهمية بمكان ألا يتم التغلب على ما وصفه بـ قوات طرابلس الضعيفة.
وبحسب "الجارديان"، فإن المخاطر من جراء ذلك لا تهدد فقط ثروة ليبيا النفطية الهائلة، ولا مستقبل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ولكن أيضًا التوجه الجيوسياسي لشمال إفريقيا؛ حيث تدعي تركيا أنها تحاول منع ليبيا من التحول إلى دولة استبدادية ومعادية للإسلام، فيما يرى معارضو التدخل التركي أن أردوغان يحاول في الواقع تأمين إمدادات الغاز من البحر المتوسط وتحويل ليبيا إلى ولاية عثمانية. ونظرًا للطبيعة اللامركزية لعمل الميليشيات، فإن الصعوبات في ضبط وقف إطلاق النار تتضاعف. وذلك حسبما ذكرت الصحيفة البريطانية.
وقال جلال هرشاوي، باحث ليبي بمركز أبحاث معهد كلينجيندال الهولندي، لـ الجارديان: "إن الطبيعة الدبلوماسية بين تركيا وروسيا جامدة إلى حد كبير وتتميز بنمط خاص"، موضحا أن "تركيا وروسيا ليستا حليفتين، لكنهما أذكياء للغاية وواقعيتان جدا بحيث لا يرتكبان خطأ تقويض بعضهم البعض أو التصرف كأعداء. فضلا عن أن كلا من تركيا وروسيا تدركان أن الولايات المتحدة بصدد الانسحاب من الشرق الأوسط على المدى الطويل"، مضيفا أن "كلاهما يدركان أيضًا أن الأوروبيين ما زالوا يعتمدون على أمريكا ما يسهل عليهم التصرف بقسوة". على حد تعبيره.
وفي ذات السياق، فإن إيطاليا في ظل الحكومة الثانية لرئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي- تسلمت مهامها منذ أوائل سبتمبر الماضي- أصبحت شبه متوافقة تمامًا مع فرنسا، التي هي مؤيد قوي للجيش الوطني. كما أن الأوروبيين يراهنون بشدة على الجيش ورفضوا الحد من تقديم الدعم له. وذلك وفقا لـ"الجارديان".
واعتبرت الصحيفة البريطانية أن إيطاليا تحاول استعادة الأرض المفقودة من خلال اقتراح لجنة ثلاثية تضم كلا من تركيا وروسيا لضمان تحقيق السلام في ليبيا، وهي فكرة سيثيرها "كونتي" في محادثاته مع "أردوغان"، غدا الاثنين.
اقرأ أيضاً: "بكري": أردوغان هو الخاسر الأكبر من وقف إطلاق النار في ليبيا
بدوره، انتقد رئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماتيو رينزي، أداء الحكومة الإيطالية فيما يتعلق بليبيا، قائلاً إنه ليس من المستغرب أن تستفيد كلا من روسيا وتركيا، مضيفا أنه "يجب أن تؤكد إيطاليا من جديد دورها في البحر المتوسط وفي ليبيا بشكل خاص. يجب أن نقول بقوة أننا لن نسمح لـ أردوغان والأتراك بأن يحلوا محلنا كمحاورين في ليبيا".
اقرأ أيضاً: السراج يلتقي أردوغان في إسطنبول عقب وقف إطلاق النار في ليبيا
إلى ذلك، زارت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، موسكو أمس السبت، لمناقشة الوضع في ليبيا مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين الذي أكد على أن القوات الروسية في ليبيا تعمل بشكل مستقل عن موسكو، قائلاً: "إذا كان هناك روس، فإنهم لا يمثلون مصالح الدولة الروسية ولا يتلقون أموالًا منها".
اقرأ أيضاً: رئيس البرلمان العربي يتسلم رسالة خطية من وزير خارجية ليبيا عن تطورات الوضع في البلاد
هذا ومن المقرر أن تستضيف ألمانيا مؤتمراً للسلام في برلين، يحضره كل الأطراف المعنية بالصراع الليبي في إطار الجهود المبذولة لتغليب الحلول السياسية للنزاع طويل الأمد في البلد الشقيق.