أعلنت اثنتين من المذيعات العاملات في هيئة الإذاعة الإيرانية الرسمية أنهما استقالا من وظيفتيهما، فيما قالت مذيعة ثالثة إنها تقدمت باستقالتها هي الأخرى في وقت سابق بعد أن كذبت على الشعب دفاعا عن الدولة طيلة 13 عامًا. وذلك حسبما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، التي قالت إن تلك الخطوة جاءت على خلفية أزمة ثقة في وسائل الإعلام الرسمية في إيران بعد كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية قرب طهران، في وقت سابق الأسبوع الماضي، بفعل خطأ من جانب الحرس الثوري الإيراني، ما يثير تساؤلات حول هامش حرية الصحافة في هذا البلد الذي تضعه منظمة "مراسلون بلا حدود" في المرتبة 170 في مؤشر حرية الصحافة العالمي الذي يضم 180 دولة.
واعتذرت "جيلاري جباري"، في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي "إنستجرام"، وكتبت: "كان من الصعب جدًا بالنسبة لي أن أصدق أن شعبنا قد قُتل. سامحوني أنني عرفت ذلك متأخرًا. وسامحوني أيضاً لأنني كذبت عليكم طيلة 13 عامًا".
إلى ذلك، استقالت "زهرة خاتمي"، هي الأخرى، من هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، قائلة: "شكرًا لكم على قبولي كمذيعة حتى اليوم. ولكن لن أعود إلى التلفزيون أبدًا. سامحوني".
من جانبها، قالت زميلتها المذيعة "سابا راد": "شكرًا لكم على دعمكم لي طيلة سنوات حياتي المهنية. ولكن أعلن أنه بعد 21 عامًا من العمل في الراديو والتلفزيون، لا يمكنني مواصلة عملي في وسائل الإعلام. لا أستطيع".
ووفقا لـ"الجارديان"، فإن تلك التصريحات تعد جزءًا من أزمة ثقة طالت وسائل الإعلام الرسمية في إيران، في أعقاب محاولات مسؤولي الدولة، في بداية الأزمة، إنكار أن كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية كان عن طريق الخطأ من قبل أفراد من قوات الدفاع الجوي التابعين للحرس الثوري.
وتدفع تلك الأزمة حتى بعض وكالات الأنباء المرتبطة بشكل وثيق بالنظام إلى بدء تغطية الاحتجاجات في الشوارع، أو على الأقل البدء في تناول الادعاءات المتعلقة بتغطية دولة أخرى لتلك الاحتجاجات. بحسب الصحيفة البريطانية.
من جانبها، قالت جمعية الصحفيين الإيرانيين ومقرها طهران، في بيان، إن البلاد تشهد "انهيارا في ثقة الجمهور" في وسائل الإعلام، والتي أضرت بالسمعة المهزوزة أصلاً للإعلام الرسمي الإيراني.
وخلال حديثه لإذاعة "بي بي سي"، اليوم، اعترف جنبر ناديري، وهو مذيع بقناة "برس تي في" الحكومية الإيرانية بذلك قائلا: "هناك القليل من الثقة في الحكومة ويريد الناس المزيد من الحرية. وإن تلك الأكاذيب التي قالوها عن إسقاط الطائرة أفقدت ثقة الجمهور في وسائل الإعلام. و الحرس الثوري يعرف ذلك جيدًا".
وأضاف: "خرج الملايين والملايين إلى الشوارع بعد اغتيال قاسم سليماني. كانت لحظة نادرة في إظهار وحدة البلاد، لكن الحرس الثوري أفسدها"، مضيفا "كونك صحفي، يجب أن تكون قادرًا على النوم ليلًا. لذلك لن أبتعد أبداً عن الحقيقة. هذه أمة عظيمة. ولقد ارتكبتُ العديد من الأخطاء غير المقبولة. ولكن إذا أسقط الحرس الثوري طائرة مدنية، فلا خيار أمامي سوى إدانة ذلك".
وتابعت جمعية الصحفيين الإيرانيين: "لقد كان لنشر المعلومات الخاطئة تأثير شديد على ثقة الرأي العام، وهزّ ذلك الثقة أكثر في وسائل الإعلام، المهزوزة أصلا، من أي وقت مضى"، مشيرة إلى أن "الوضع أصبح معقدًا جدًا. نحن نكذب بصوت عال عندما نكذب على أنفسنا، ويعترف موظفو التلفزيون الرسمي لجمهورية إيران بأن مصداقيتهم قد ضاعت. غير مدركين أن مصداقية هذه الوسائل ومعظم وسائل الإعلام المحلية قد اختفت منذ فترة طويلة".
ولفتت الجمعية إلى أنه "ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الأخرى لم تقبل هذا الموقف، لكن التلفزيون الرسمي لجمهورية إيران أخفى ذلك. وأظهر حادث الطائرة الأوكرانية أنه لا يمكن للناس الوثوق في البيانات الرسمية، ويجب على الصحفيين محاولة سد هذه الفجوة قدر الإمكان".
وبحسب "الجارديان"، فإنه يبدو أن العديد من الصحف الإيرانية غاضبة لأنها شعرت أن قراءها يتجهون إلى وسائل الإعلام الدولية لاكتشاف حقيقة الانهيار داخل بلادهم.
على سبيل المثال، طالبت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية بإلحاح منذ الجمعة الماضية بمعرفة متى علم الحرس الثوري الإيراني أنه أسقط الطائرة وما إذا كانت شخصيات بارزة في الحكومة لم يتم إبلاغها فعليًا حتى الجمعة الماضية- وقت اعتراف الحرس الثوري بإسقاط الطائرة بطريق الخطأ.
كانت تقارير الصحفية الإصلاحية تنتقد بشدة ما وصفه الكتّاب بـ "الأكاذيب الممنهجة" من جانب مؤسسات الدولة، فضلاً عن قلة التنسيق بين سلطة الطيران المدني في البلاد والحرس الثوري الإيراني. وقد دعت "اعتماد" المسؤولين ليس فقط للاعتذار، ولكن أيضا إلى الاستقالة.
إلى ذلك، تعرض رئيس هيئة الطيران المدني الإيراني، علي عابد زاده، إلى أقصى حد للنقد، عندما قال للصحفيين إن "الرواية التي تقول إن الطائرة أُسقطت بصاروخ، لا يمكن أن تكون حقيقية تحت أي ظرف من الظروف... إنها مستحيلة من الناحية العلمية".
بدروها، اعتذرت السلطة فيما بعد عن "التضارب في المعلومات المقدمة"، مضيفة: "لم نكن تحت أي ضغط لإخفاء الواقع وليس لدينا أي نية لإخفاء الحقيقة... لقد أصدرنا المعلومات التي اعتقدنا أنها صحيحة... ونأسف عن الخطأ".
وتضع منظمة "مراسلون بلا حدود" إيران في المرتبة 170 في مؤشر حرية الصحافة العالمي من بين 180 دولة. وتقول إن الدولة تمارس سيطرتها على الأخبار والمعلومات بلا هوادة، وأن 860 صحفياً، ما بين دوليا وصحفيا محليا، قد سجنوا أو أُعدموا منذ عام 1979.
وتقول المنظمة: "يتعرض الصحفيون المستقلون والصحفيون الإيرانيون ووسائل الإعلام المستقلة باستمرار للترهيب والاعتقال التعسفي والأحكام بالسجن لمدد طويلة تفرضها المحاكم الثورية في نهاية المحاكمات الجائرة"، مضيفة أنه "غالبًا ما يتم إغلاق الصحف الإصلاحية".
اقرأ أيضاً: جونسون: اعتراف إيران بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية "خطوة أولى مهمة"
وبحسب "الجارديان"، فإن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي غالبًا ما يجدوا أفكارهم محظورة من خلال قطع الإنترنت، سواء عنهم بشكل خاص أو عن البلاد بشكل عام.
اقرأ أيضاً: اتساع احتجاجات إيران المنددة بخامنئي و الحرس الثوري بشكل لم يسبق له مثيل
ومع ذلك، فإن الصحف تنجح أحيانا في إجراء مناقشات حول بعض إخفاقات الحكومة، بما في ذلك توقيت رفع أسعار البنزين الذي فجر احتجاجات واسعة في نوفمبر الماضي، والفساد المتفشي، واستبعاد "مجلس صيانة الدستور" (أعلى جهاز تشريعي في إيران) للمرشحين لعضوية البرلمان، فضلا عن زيادة أسعار الوحدات السكنية.
لكن مستوى حجب المعلومات من قبل الدولة، وندم كبار قادة الحرس الثوري الإيراني بسبب إسقاط الطائرة، أعطى بعض وسائل الإعلام الفرصة لمهاجمة قائمة الأخطاء التي أدت إلى مقتل بعض الإيرانيين. وشعر السفراء الأجانب أيضًا بأنهم ملزمون بالاعتذار عن المعلومات غير الدقيقة التي قدموها في أعقاب الحادث. وذلك حسبما ذكرت الصحيفة البريطانية.