أردوغان يشن حربًا طائفية ضد كولن

أردوغان
كتب :

بعد ٨٠ عامًا تقريبًا على وفاة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية العلمانية، التي حلت مكان الإمبراطورية العثمانية المنهارة، ما زال معظم الأتراك يعتبرون أنفسهم مع أو ضد أتاتورك، رغم عدم حاجة النساء لهذا التوصيف، لأن حجابهن، أو غيابه، يوحي بولائهن.

في هذا السياق، كتب إدوارد لوتواك، زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومؤلف كتاب "الاستراتيجية: منطق الحرب والسلام"، أن المعسكر المعادي لأتاتورك، والساعي لإعادة تركيا دولة إسلامية، لطالما لقي دعم الغالبية الأقل ثقافة بين السكان، ولكن حتى عام ٢٠٠٢، كان ذلك المعسكر مضبوطًا من قبل الجيش التركي، الذي وحدت صفوفه إيديولوجية أتاتورك العلمانية.

التحالف الإسلامي:

ويلفت الكاتب في مقال نشر في مجلة "فورين بوليسي" إلى انتهاء ذلك الوضع المتوازن عند فوز تحالف إسلامي، قاده رجب طيب أردوغان، لاعب كرة قدم سابق، وضعيف الثقافة، مع خريجين جامعيين من أتباع فتح الله كولن، رجل أعمال متدين، نجح أتباعه في إنشاء أكثر من ألف مدرسة من تكساس إلى طشقند، إلى جانب عشرات الجامعات، وقاعات دراسية، ومعاهد تعليمية.

وركز أردوغان في حشد الجماهير باستنهاض هويتهم الإسلامية ضد جميع الدخلاء، بدءًا من الغرب عامة وصولًا للأتراك الأفضل تعليمًا، والأقل تدينًا. وفي عام ١٩٩٩، سجن أردوغان لعدة أشهر، بعد إدانته ببث الكراهية الدينية.

- أجندة كولن

ويلفت "لوتواك" إلى استناد أجندة غولن الناجحة على جمع الأموال من المتدينين من أجل تمويل فرص تعليم مجانية، أو بأقساط مخفضة داخل مدارس مخصصة للعلمانيين، تركز في تدريسها على العلوم، وهو ما أتاح تعزيز الممارسات الإسلامية فيها بالتدريج، عبر محادثات خاصة، تتبع خلالها سياسة إقناع لطيف لطلاب أكبر سنًا.

وفي ظل قوانين أتاتورك، كانت الجامعات التركية علمانية بالمطلق، وتحظر الحجاب، أو ممارسة أي شكل من العبادة داخل مقراتها.

-تقية:

ولكن، وبالنظر إلى قلة وغلاء مساكن الطلاب في المدن التركية، وفرت جماعة كولن غرفًا مجانية ساعدت في تحول عشرات الآلاف من الطلاب إلى خريجين متدينين، وحيث كان معظمهم مستعدين بعد تخرجهم للمساهمة بأموالهم في إنشاء مدارس، أو التعليم فيها، أو عبر العمل في وسائل إعلام لخدمة هدف الحركة.

كما نجح آخرون في التسلل إلى صفوف الجيش التركي، عبر المناورة بحلق اللحية ونزع الحجاب، بأوامر من كولن نفسه، والذي برر تلك الممارسات عبر تفسيره للتقية الإسلامية.

-الفضل في النجاح:

ويقول لوتواك إنه عندما وصل حزب العدالة والتنمية ( أي كي بي) إلى السلطة في عام ٢٠٠٢، استطاع أن يحكم تركيا بنجاح، وأن يبقى في السلطة حتى اليوم، متفاديًا مصير حكومات إسلامية سابقة حلها الجيش.

ولكن الفضل في ذلك النجاح لا يعود للمشاكسين وسكان الضواحي، الذين طبقوا سياسات "آي كي بي" الاقتصادية، بل لتكنونوقراطيين أكفياء من أتباع كولن منعوا أي تدخل عسكري، إلى جانب ضغوط أوروبية باسم حماية الديموقراطية، ويقظة كولنيين متسترين ضمن فيالق الجيش التركي.

- تعايش سلمي:

ويقول الكاتب إن ما قضى على ذلك التحالف يعود إلى استراتيجية كولن، التي تقوم على الخداع والغموض الممنهج. ولكن تلك الاستراتيجية تقوم أيضًا على اتباع نهج معتدل يدعو إلى التعايش السلمي مع موحدين آخرين، من غير السنة، وتمنع ممارسة أي شكل من العنف باسم الدين ضد غير الموحدين.

- التعليم الديني الإلزامي:

لكن بالنسبة لأردوغان وزملائه القدامى في "أي كي بي"، وعلى رأسهم رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو، يختلف الإسلام السني تمامًا، وهو الذي يجب أن يسود وحسب.

وعلى هذا الأساس يجب أن ينتشر في الأرض بكافة الوسائل الممكنة، بدءًا من التعليم الديني الإلزامي (تحقق عبر إغلاق مزيدًا من المدارس العلمانية)، وصولًا لاستخدام العنف من قبل جماعات سنية تحارب في أي مكان في العالم، كحماس في غزة وصولًا إلى فرع القاعدة في سوريا، والإيغور في الصين.

-دعم ضمني:

ولهذا السبب دعم أردوغان ضمنًا داعش بقدر ما استطاع، مانعًا استخدام قاعدة إنجيرليك الجوية التركية لضرب التنظيم، ومانحًا الإذن لتجار أتراك لاستيراد نفطه، ولكن تجاوزات داعش الأخيرة، هي التي دفعت أردوغان للتحرك من أجل ضربه.

وتشير وقائع إلى أن أردوغان لم يهاجم التنظيم، بل ضرب معاقل متمردين أكراد من أنصار حزب "بي كي كي" المحظور.

- معاداة غير السنة:

ومن هذا المنطلق، يشير أردوغان وحكومته دومًا للنظام السوري بوصف "النصيريين"، وهو فصيل ديني يرى السنة المتشددون أن أتباعه كفار.

وبالنظر إلى ذلك النهج المتشدد، حاول أتباع كولن في القضاء والشرطة التركية حل تلك المشكلة في عام ٢٠٠٩، عبر خلع أردوغان وعدد من وزرائه من خلال جمع أدلة على اتهامهم بالفساد.

ولكن عوضًا عن الاستقالة، أمر أردوغان بعزل وطرد عدد من القضاة والضباط، المؤيدين لكولن، ووضعهم ضمن خانة" الدولة الموازية أو العميقة"، وذلك عبر الاعتماد على تأييد لا مشروط من قاعدته الحزبية.

وحتى تاريخه تستمر ملاحقات ومطاردات أردوغان لكل من يقف في وجه سعيه للتفرد بالسلطة، ما أدى لاعتقال وتسريح آلاف من رجال الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، والمعلمين، فيما يطلق عليه وصف" تطهير"، ومما يهدد بتفريغ المؤسسات التركية من أكفأ عناصرها.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً