اعلان

نصف حي.. قصة قصيرة لــ"محمد وائل"

محمد وائل
كتب :

في جزيرة بالكاد تسعني وتسعُ حقيبة سوداء من القماش بها أغراضي وكتبي القديمة. كانت أمواج البحر تقذفني برذاذ عنيف من الماء المالح والأصداف وبعض الجواهر الثمينة، سلاسل وصلبان ذهبية، عقد من الماس، وأشياء أخرى، خبأتها في حقيبتي، في انتظار شئ لم أدرك حقيقته بعد.

صوت المروحة المزعج توقف. نهضت من فراشي لأجد بقعة كبيرة من رذاذ البحر على الوسادة. انقطع تيار الكهرباء فتوقف الهواء الساخن الذي كانت تدفعه المروحة في محاولة بائسة لتشتيت لهيب الجو. أحسست بالجوع والعطش.

حينما وصلت إلى الثلاجة لم أجد فيها أي طعام، فقط زجاجة مياه ممتلئة حتى الثلث. أخذت أعب ما فيها من مياه، سرعان ما انسالت على وجهي ذرات من الماء المالح أيضًا. حينما عدت وجدت بقعة الماء المتشكلة على الوسادة انحسرت ولم يتبق منها إلا مقدار قبضة يد. تذكرت حقيبتي السوداء والجواهر التي قذفني بها البحر على الجزيرة الصغيرة.

حينما شارفت الشمس على الغروب، مارست هوايتي الأزلية، في تأمل المشهد. أنا لن أتغير أبدا، تماما مثل هذه الشمس. الغروب، يشبهني كثيرا، وزرقة البحر اللون المحبب إلى، سأستقل المركب، الآن باتجاه المجهول. لكن المركب الفقيرة لن تتحمل عبء الجوعى الذين أثقلوا كاهلها، وساعتها سنتفرّق، وحينما يحتدم الصراع مع "المصير"، سيمارس كل شخص أعنف هواياته.

لن نتصدر عناوين الصحف أو النشرات الإخبارية، فالمئات يلقون حتفهم في عرض البحر كل يوم في هجرتهم البائسة. يدفعني الموج إلى تلك الجزيرة، وحينما أصل سأجمع ما أستطيع من جواهر وأصداف ثمينة ثم أخبئها في الحقيبة السوداء، وأنتظرها هنا. وحدي فقط من يمكنه أن يعيش تلك اللحظة المستحيلة.

عاد تيار الكهرباء وبدا أزيز المروحة، مع صوت المنبه المزعج، وكأنه صرخة البعث. نهضت من رقدتي، "نصف حي"، لم أجد أثرا لرذاذ الماء. حدقت في الحقيبة السوداء، لأجد النقوش المزدانة تبدلت إلى ألوان وأشكال أخرى، يحاصرني أزيز محركات العربات الثقيلة، و هجير أفران الخبز، وعبث المدينة.

وحينما أكون "نصف ميت"، أجدني على تلك الجزيرة، أو في قصر مهجور ، أو على غصن شجرة، أو في كهف ذهبي، وما بين الحالتين، أكون ساكنا تماما، أتبخر رويدا رويدا، حتى لا يتبقى مني شئ، وفي كل الحالات.. أنتظرك وكأنني أنتظر المستحيل.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً