في هذه الحياة، هناك صنف من الناس يصعب فهمه أو معرفة ماذا يريد أو ما يجول في خاطره، يبحث عن الشاذ ليجعله قاعدة، وعن المختلف بين الناس فيخوض فيه، حتى لو خاض حديثًا في المتفق عليه فهو يبحث عن ثغرة تضمن له بقاء وجوده في الصورة وعدم غياب الأضواء عنه، مما يجعلك متحيرًا أحيانا وملتزمًا للصمت في أحيان كثيرة كون أن حديثه أصبح مكررًا وشخصيته أصبحت غير مألوفة.
الزعيم سعد الدين الهلالي، وبالطبع قصدته بلفظ الزعيم، اتفق في اسمه مع الزعيم سعد زغلول، الذي قال جملته الشهير "مفيش فايدة"، ورغم الاختلاف حول مدى صحة قولها أم لا، فإنها تعبر عن حالة عامة يعيشيها بعض النخبة في المجتمع المصري أو ما يطلق عليهم أصحاب الفكر المستنير، وعلى رأسهم قطعا زعيمهم الدكتور الهلالي، الذي أستحق وصف الزعيم بجدارة، نعم زعيم الآراء الشاذة والبحث عن الأشياء التى تختلط على المواطن البسيط ليخوض فيها عبر شاشات التلفاز ويبحث عن ما يؤيد رٍأيه من أقوال يستند إليها.
لا شك أن الهلالي له مكانته العلمية التي لا ينكرها أحد، وهذا ليس معناه عدم الاختلاف فيما يطرحه أحيانا والاتفاق معه أيضا في أحيان أخرى، فالمؤكد أنه لا كهنوت في الإسلام، فالاختلاف وارد، لكن الأهم الاحترام المتبادل، والحقيقة أنني في كل جدل ديني أنتظر رأي الهلال بشغف لأتابع ماذا سيقول، خاصة أن الرجل مفتوح أمامه القنوات الفضائية على مصراعيها في حين أنها مغلقة لعلماء من الأزهر والأوقاف بزعم أن الهلالي أكثر تفتحتًا من غيره، وهذا ليس صحيحًا على الإطلاق، الأزهر مؤسسة كبيرة يوجد بها علماء قادوا سفينة التجديد في الدين على مر التاريخ، ولكن هذا ليس مربط الفرس الآن وربما يكون لذلك مقالات أخرى.
والحقيقة أن جائحة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم في الأونة الأخيرة كشفت لنا عن فهم وسطي اتبعته المؤسسات الدينية بعيدًا عن التطرف الذي كان سائدًا قبل ذلك، فتعامل المؤسسات الدينية مع الأزمة محل تقدير وإعجاب، فالملاحظ لنشاطات الإفتاء والأزهر والأوقاف يرى أن هذه المؤسسات كانت على قدر الحدث ولم تترك شاردة ولا واردة إلا وأجابت عليها بداية من حكم الموت بكورونا وكيفية تغسيل وتكفين موتى كورونا وغير ذلك انتهاء إلى حكم الصيام في رمضان فى زمن كورونا.
رأي المؤسسات الدينية كان واضحًا قاطعًا صريحًا، بأنه لا يجب تعميم حكم الإفطار في رمضان إلا لأصحاب المرضى والأعذار، وبالتالي صوم رمضان قائم هذا العام ولا تغيير في ذلك، إلا أن هذا الحكم لم يكن على هوى الهلالي وبعض الذين يابيعونه في الرأي، فأصر الرجل كما قلت سلفًا عن البحث في شواذ الآراء، وقال إنه من خاف على نفسه من كورونا فعليه الإفطار ولا حرج في ذلك، ما فتح الباب واسعًا للجدل بين الناس.
منذ أسبوع تقريبا وقبل فتوى الهلالي الشهيرة، حكى لى صديقي عن شخص قال له إن "الإنسان طبيب نفسه"، وأنه يشعر بعدم القدرة على الصيام هذا العام، فسأله صديقي هل قمت بالفحص عند الطبيب وقأجاز لك بالإفطار، فأجابه بالنفي، بالطبع هذا الرجل لم يكن قد سمع بفتوى الهلالي بأن قرار الصيام هو قرار فردي، فمن استطاع فليصم ومن لم يستطع فعليه بالإفطار، وأنا هنا أترك الفرصة للقارئ لتخيل ما إذا كان قرار الصيام في رمضان هو قرار فردي، كم واحدًا سيتخيل أنه غير قادر على الصيام دون الرجوع للطبيب فيفطر، فيصبح الأمر بالهوى، ثم صار من يؤيدون الهلالي في الرأي يسوقون لك مثالا ليزينوا به رأيهم من أن الإنسان إذا خاف من الهلاك المحقق فليفطر ولا حرج في ذلك.
الحقيقة أنني تواصلت مع علماء كُثر في دار الإفتاء والأزهر والشريف والأوقاف خلال الفترة الماضية، وجميعم أكدوا ما قالته مؤسساتهم، بأن قرار الصيام في رمضان مبنى على الرأي الطبي وتابع له وليس رأيًا شرعيًا في الأساس، فإذا قال الأطباء من الصيام يؤثر في انتشار كورونا فلا حرج على هذه المؤسسات أن تخرج وتجيز الإفطار، المهم في النهاية أن يكون القرار مؤسسيًا وليس لشخص معين ولا يجب أن يكون في ذلك اجتهاد فردي حتى لا يضل الناس.. الناس مش ناقصة يا عم الدكتور سعد كفاية عليهم كورونا.