يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ).. فإذا كان المولى عز وجل أمر نبيه بالحكم بما أنزل الله، فما هو دور العرف في التشريع الإسلامي؟ وهل العرف يعتبر مصدرا للتشريع ؟ وما هو ترتيب العرف كمصدر للتشريع قبل أو بعد النص؟ حول هذه الأسئلة ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنه من المعروف أن أحكام القضاة حسب قواعد الشريعة الإسلامية لا تعد مصدرا من مصادر التشريع فيها ، وبالتالي فإن ما يصدره القاضي من حكم لن يكون ملزما لقاض آخر بل ولا حتى للقاضي الذي أصدر ذلك الحكم في قضية حيث لابد أن يكون من المفهوم أن القاضي حينما يصدر حكمه فإنه يستند في ذلك الأمر إلى المصادر المعتبرة في الشريعة الإسلامية لمواجهة حل تلك النزاع ولاشك في أن قضاءه هنا سيكون ملزمة ولكن ليس على اعتبار أنه حكم قضائي وإنما على أساس أن الإلزام فيه مستفاد من النصوص التي طبقت على موضوع بعينه، لكن مع ذلك فقد اعتبر الشارع أن العرف قد يكون في بعض الحالات مصدرا من مصادر التشريع، ومن ذلك من القواعد الفقهية الكبرى التي اتفق العلماء عليها ، وتدخل في عامة أبواب الفقه ، ويتفرع عليها ما لا يحصى من المسائل ، قاعدة : "العادة محكمة".
ويشترط في العادة التي يتبعها الشارع في وضع التشريعات الحاكمة للمجتمع شرطين اثنين، الأول هو ألا تخالف هذه العادة نصا شرعيا ثابتا من الكتاب أو من السنة المشرفة، والثاني أن تكون هذه العادة على مطردة فلا يؤخذ بعادة منقطعة التوارد بين الناس, على أن يكون هذا العرف ضروريا لأن يسد العرف نقص في التشريع فيكون مصدرا مكملا له : في العرف يعاون التشريع في تنظيم وحكم ما يحيله إليه من الأمور لأن التشريع بدوره من وضع البشر وبالتالي فلابد أن يعتريه النقص والنسيان والإغفال كما أنه ومهما بلغت قدرته ودقته قد لا يستطيع الإحاطة بالحلول اللازمة لمواجهة أمور الجماعة كافة, خاصة المسائل التي يستعصي على التشريع تنظيمها لشعبها وتعقدها ودقتها واختلاف مفهومها من مكان لآخر في الدولة.