في الوقت الذي يواجه فيه العالم تفشي فيروس كورونا المستجد، (كوفيد – 19)، أثار تفشي فيروس "نيباه" مؤخرًا في الهند، مخاوف من امتداده إلى دول أخرى، ليشكل وباءً قاتلاً، في ظل نقص الاستعدادات الكافية لمواجهة انتشاره وتمدده.
وظهر فيروس "نيباه" لأول مرة في ماليزيا في عام 1998، وتسبب في وفاة صبي مؤخرًا في ولاية كيرالا بالهند ما أثار مخاوف من أنه يمكن أن يتحور ويزيد من كفاءته في العدوى، مما يؤدي إلى انتشاره على نطاق واسع.
وهذا السيناريو مخيف بشكل خاص، لأن الفيروس يؤدي إلى وفاة 50 في المائة من المصابين به، ولا يوجد لقاح أو علاج له حتى الآن، وفقًا لما أوردته وكالة "يو بي آي".
هل يشكل نيباه تهديدًا وبائيًا؟
لكن قبل استثمار الموارد في تطوير لقاح ضد نيباه، يثار التساؤل حول ما إذا كان هذا الفيروس يمثل تهديدًا وبائيًا واقعيًا، وحتى لو كان الأمر كذلك، فهناك فيروسات أخرى، ما يستدعي تحديد الأولويات.
وقال الدكتور إيان جونز، أستاذ علم الفيروسات بجامعة ريدينج، إن "نيباه هو أحد الفيروسات المخاطية. إنه مرتبط بفيروس بشري، فيروس الإنفلونزا البشري، أحد الفيروسات القليلة التي تسبب نزلات البرد".
وأوضح أن "مضيفه الطبيعي هو خفاش الفاكهة، الثعالب الطائرة الكبيرة والصغيرة التي تنتشر عبر جنوب وجنوب شرق آسيا. كانت جميع حالات الإصابة البشرية بفيروس نيباه حتى الآن بسبب الاتصال المباشر أو غير المباشر مع الخفافيش المصابة".
وأشار إلى أن الفاكهة أو عصير الفاكهة الملوث ببول الخفافيش هو الطريق الرئيسي لانتقال الفيروس إلى البشر.
واستشهد بدراسة طويلة الأجل في بنجلاديش، حيث يحدث تفشي منتظم لفيروس "نيباه" بين السكان، تشير إلى أن الكثافة السكانية للخفافيش وانتشار الفيروس والأشخاص الذين يشربون عصارة نخيل التمر الخام هي العوامل الرئيسية التي تفسر العدوى، وذلك عن طريق شرب الخفافيش النسغ (إنزيم التمر) من شجرة النخيل، ثم يتم استهلاكه محليًا.
واعتبر جونز أن "هذه نتيجة مهمة. كما رأينا مع (سارس – كوفيد – 12) – الفيروس المسبب لـ كوفيد -19 - تتطور الفيروسات الناقلة بشكل أفضل أثناء انتشار الفيروس بين مضيفيه من البشر، وليس الحيوانات. لذلك، فإن الحفاظ على عدد الإصابات لدى الأشخاص عند الحد الأدنى لا يقلل فقط من معدل الوفيات من نيباه نفسه، بل يقلل أيضًا من فرصة التكيف مع الفيروس".
في حالات العدوى البشرية، لاحظ جونز أنه "حتى الآن، كان هناك انتشار محدود فقط للمخالطين الوثيقين للفرد المصاب الأساسي، مثل أفراد الأسرة أو، في حالة دخول الشخص إلى المستشفى".
وفيما أشار إلى أنه "لا تحدث عدوى عامة" جراء الفيروس، أرجع ذلك أساسًا إلى أن "البروتينات التي يستخدمها فيروس نيباه لدخول الخلايا، والمستقبلات، تتركز في الدماغ والأنسجة العصبية المركزية".
ما الذي يفعله فيروس نيباه؟
وتؤدي عدوى "نيباه" إلى الوفاة بسبب التهاب الدماغ الحاد في معظم الحالات حيث يتكاثر الفيروس بشكل أفضل في الأنسجة حيث يسهل على الفيروس دخول الخلايا.
ويتكاثر الفيروس إلى درجة صغيرة في الأوعية الدموية، والتي توفر طريقًا للفيروس للانتقال من الأطعمة المستهلكة إلى الجهاز العصبي، "لكن تفضيل الجهاز العصبي المركزي يشير أيضًا إلى سبب محدودية الانتقال إلى الأمام. لا يمكن للفيروس أن ينتقل بسهولة من هناك". وفق جونز.
وأوضح أنه "بالطبع سيصاب الشخص المريض بالفيروس في كل مكان، ولكن كما هو الحال مع الإيبولا، لا ينتقل الفيروس بكفاءة عن طريق الجهاز التنفسي ويتطلب اللمس أو نقل سوائل الجسم. مطلوب اتصال وثيق للغاية لإصابة شخص آخر".
وبين جونز أن "فرصة تغيير الفيروس للتكاثر في الجهاز التنفسي العلوي، حيث سيكون بالتأكيد أكثر قابلية للانتقال، ضئيلة، وعلى الرغم من أن هذا لا يستبعد إمكانية حدوث وباء، إلا أنه يقلل بشكل كبير من احتمالية حدوثه. مثل غيره من الأمراض الحيوانية المنشأ العادية، فإن انتشار الحدث نفسه من الخفافيش إلى الإنسان، والأشخاص المتأثرين المباشرين هو المشكلة أكثر من احتمال انتشار الوباء".
لقاح فيروس نيباه
وأشار إلى أن هناك لقاح لفيروس "نيباه"، لكن للاستخدام الطارئ بالنسبة للأشخاص المخالطين للحالة الأولية، لافتًا إلى أن السبب وراء عدم تصنيع لقاح عام "يرجع إلى حقيقة أن الأعداد المطلقة منخفضة، والتكاليف العالية، وحالات تفشي المرض بشكل متقطع بحيث يصعب تنظيم تجربة سريرية. إذ أظهرت الأبحاث أن الأجسام المضادة العلاجية فعالة، وأن ذلك من شأنه أن يجعل خيار العلاج العملي أكثر بكثير على المدى القصير".
وخلص عالم الأوبئة إلى أنه "من وجهة نظري، لا يشكل نيباه مخاطر عالية للتسبب في وباء. من المرجح أن يظل نمط تفشي المرض الحالي هو القاعدة".
واقترح بدلاً من ذلك، "ضمان وجود المراقبة وتحسين الوعي وتدابير الصحة العامة الفعالة والالتزام بها. سيكون لها تأثير أكبر بكثير على السيطرة على حالات فيروس نيباه في المستقبل القريب".
أما بالنسبة للتأهب للجائحة على المدى المتوسط والطويل، فقال جونز: "نحن بحاجة إلى توجيه انتباهنا إلى تحديد الفيروسات الأخرى التي تشكل تهديدًا والعمل على تطوير لقاحات وإجراءات دفاعية أخرى ضدها".