بعد إطلاق أمريكا قمرا صناعيا. كيف بات الفضاء ساحة لحرب الجواسيس؟

 محطة الفضاء الدولية
محطة الفضاء الدولية
كتب : وكالات

يبدو أن رقعة الحرب بين القوى الكبرى في سبيلها إلى الاتساع شيئا فشيئا، حتى أنها من غير المستبعد أن تستعر في الفضاء الفسيح بعد أن ملئت كل بقعة من بقاع الأرض.

فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم الأحد ، إطلاق قمرًا صناعيًا للتجسس تابعًا لمكتب الاستطلاع الوطني الأمريكي، وذلك إلى المدار على متن صاروخ “يونايتد ألاينس دلتا 4 الثقيل”.

وحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، انطلق قمر التجسس "إن آر أو إل-91" في تمام الساعة 3:25 مساء أمس السبت بالتوقيت المحلي، من قاعدة فاندنبرج الفضائية في مقاطعة سانتا باربرا بكاليفورنيا.

ويعتبر هذا آخر إطلاق لـ”دلتا 4″ من الساحل الغربي، وتم التخطيط لعمليات إطلاق إضافية من فلوريدا قبل أن يتم استبدال دلتا بصواريخ "فولكان سينتور" التي تمثل الجيل التالي من يونايتد ألاينس دلتا.

وكان قد جرى إطلاق "دلتا أي في هيفي" لأول مرة في ديسمبر 2004.

وكانت تلك الرحلة رقم 387 لصاروخ دلتا منذ عام 1960 والإطلاق الخامس والتسعين والأخير من فاندنبرج.

يذكر أن مكتب الاستطلاع الوطني هو الوكالة الحكومية المسؤولة عن تطوير وبناء وإطلاق وصيانة أقمار التجسس الأمريكية، وهي التي توفر بيانات استخباراتية لواضعي السياسات ومجتمع الاستخبارات ووزارة الدفاع.

وزادت الأحداث التي تشير إلى تصاعد حدة عسكرة الفضاء خلال الفترة الأخيرة ، فلم يكن تدمير روسيا قمراً اصطناعياً قديماً لها في الفضاء وزنه 2.5 طن في 15 نوفمبر، وتفتيته إلى أجزاء صغيرة بصاروخ أطلق من قاعدة أرضية، سوى أحدث مثال على صراع القوى العسكرية الكبرى في العالم لإثبات قدراتها العسكرية والتكنولوجية،

ففي عام 2007، اختبرت الصين سلاحاً مضاداً للأقمار الاصطناعية، وخلقت سحابة حطام هائلة، كادت محطة الفضاء الدولية تصطدم بإحدى قطعها المتناثرة في العاشر من الشهر الحالي، كما كانت للهند والولايات المتحدة تجارب مماثلة، وإن اختلفت قليلاً في الأثر الذي خلفته.

ومع نمو صناعة الفضاء التجارية وإطلاق آلاف الأقمار الاصطناعية مثل أقمار ورحلات الشركات الخاصة "سبايس إكس" و"بلو أوريغون" الأميركيتين، من المؤكد أن يرى المراقبون مزيداً من الأجسام الفضائية تنتشر في السماء، نظراً لوجود 27000 قطعة من النفايات الفضائية حالياً تتعقبها وزارة الدفاع الأميركية وتدور بسرعة 15700 ميل في الساعة، فضلاً عن مئات الملايين من القطع الأصغر حجماً. بالتالي، سيتزايد وجود النفايات غير المرغوب فيها، ما سيخلق مشكلة كبيرة للرحلات الفضائية والاستكشافية، ويهدد الاعتماد الاقتصادي للبشرية على الفضاء الذي يزداد يوماً بعد يوم.

وبالنسبة إلى كوكب يكافح التلوث على اليابسة وفي الماء والهواء، فإن مدار الأرض في طريقه ليصبح ساحة للنفايات التي ستشكل مع مرور الوقت، بحسب تحذيرات عدد من العلماء، حلقة مرئية تدور حول الأرض مثل حلقة كوكب زحل على الرغم من أن الحلقة التي تدور حول زحل من الصخور والجليد، وليست من صنع البشر.

فضاء عسكري

مع ذلك، فإن الاستخدامات العسكرية للفضاء هي الأكثر خطراً، على الرغم من أن الخطوط الفاصلة بين الاستخدامات العسكرية والمدنية لا تزال غير واضحة، إذ تقدم الأقمار الاصطناعية المدنية خدمات ذات وظيفة عسكرية، ومن شأن ذلك أن يجعل الصراع بين الدول الكبرى أكثر احتمالية، كما أن العمليات التجارية المتزايدة في الفضاء تشكل في حد ذاتها فرصاً للنزاعات حول مناطق تشغيل هذه الأقمار، ما يرجح ردود فعل عسكرية حكومية.

ويعود استخدام الفضاء لأغراض عسكرية للمرة الأولى إلى عام 1942، حين أطلقت ألمانيا النازية أول صاروخ "في 2"، غير أن الاستخدام الأكبر للفضاء في أغراض عسكرية ظهر في خضم الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. ففي صيف عام 1963، أطلقت واشنطن نصف مليار من الأسلاك النحاسية الرقيقة في محاولة لتثبيت حلقة من هذه الأسلاك حول مدار الأرض ضمن مشروع أطلق عليه اسم "ويستفورد".

ثغرات معاهدة 1967

تخضع الأنشطة في الفضاء لمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، التي صادقت عليها حتى الآن 111 دولة، على الرغم من أن التفاوض على المعاهدة جرى في ظل الحرب الباردة عندما كان لدولتين فقط، هما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ما يشبه احتكار الوصول إلى الفضاء.

غير أن معاهدة الفضاء الخارجي تقدم مبادئ عامة لتوجيه أنشطة الدول، ولا تقدم قواعد مفصلة للعمل بها على طريق واضح، ذلك أن المعاهدة تضمن حرية استكشاف الفضاء واستخدامه لمصلحة البشرية جمعاء، ولا تشمل سوى تحذيرين، بينما هناك فجوات متعددة داخلها.

وينص التحذير الأول على أن القمر والأجرام السماوية الأخرى يجب أن تستخدم حصراً للأغراض السلمية، غير أن بقية مساحة الفضاء لم يشملها هذا الحظر الشامل، ولا يوجد سوى توجيه وحيد موجود في ديباجة المعاهدة التي تعترف بالمصلحة المشتركة في التقدم المحرز في استكشاف الفضاء واستخدامه للأغراض السلمية.

وينص التحذير الثاني على أن الذين يقومون بأنشطة في الفضاء يجب أن يفعلوا ذلك مع مراعاتهم الواجبة لمصالح جميع الدول الأطراف الأخرى في المعاهدة. من هنا، تنشأ مشكلة رئيسة من حقيقة أن المعاهدة لا تقدم تعريفات واضحة لتعبيرات مثل "للأغراض السلمية" أو "الاعتبار الواجب"، بحسب ما يقول غريغ أوتري أستاذ قيادة الفضاء في جامعة ولاية أريزونا، وميشيل هانلون أستاذة قانون الفضاء في جامعة "ميسيسبي".

وبينما تحظر معاهدة الفضاء الخارجي على وجه التحديد وضع أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل في أي مكان في الفضاء، فإنها لا تحظر استخدام الأسلحة التقليدية في الفضاء أو استخدام الأسلحة الأرضية ضد الأجسام في الفضاء مثل الأقمار الاصطناعية والمحطات المدارية. ومن غير الواضح إذا ما كانت بعض الأسلحة مثل الصاروخ الصيني المداري الذي تفوق سرعته سرعة الصوت مرات عدة والقادر على حمل أسلحة نووية، يجب أن يندرج تحت الحظر الذي نصت عليه المعاهدة. ولهذا، يرى متخصصون أن القيود العسكرية الغامضة التي تضمنتها المعاهدة تترك مجالاً أوسع من لتأويل التفسيرات، ما يمكن أن يؤدي إلى الصراع.

WhatsApp
Telegram